السبت، 15 نوفمبر 2014

" المَدِينة العتِيقة " لمَدِينة طَنجة ... قَلعةٌ سِياحية ساحرة تكتنفها أصرخ الفوارق الإجتماعية








خَلدُون المسناوي


مدينة طَنجة ،مدينة حيّة و صاخبة بالحياة ’ و شلال متدفق بلا انقطاع بالمعنى  ، إنها طَنجة التي تجتذب على طول الحول تعداداً مهما من السياح من داخل الوطن  و من خارجه.   طَنجة تسأل عن مزاجها ’  بلا تردد..  :   مُتكبرة. طنجة أعماقُها حيوات مرئية للنفوس الشاعرة. طنجة عمقا تسمو دائما و بإلحاح نحو التّأندلس.  تُطارد البؤس والغبن. الطنجاويون مُأَوربون . أوروبا تُنادي طنجة في كل جزء المائة ، طنجة تتسمع, تستثير للنداء ،طنجة أوروبا بقدر ما يغمرها صوت نداء الأندلس ! .. معا طبعا’سنجول بقلب زقاق "المدينة العتيقة"  لطنجة ،و سنتعرف على أنحا ئها و اختلالاتها وكذلك نستشف قيمتها السياحية والتاريخية كمنطقة وحدها تجلب عددا لا بأس به من الزوار الذين تبهرهم جمالية المنطقة و بهائها  بما تزخر و تعج به  به من تراث ...و ،بما تكتسيه من سحر أوروبي منقطع النظير وبما هي منطقة مشرفة على منظر امتداد البحر اللامتناهي و زرقته الهادئة الجذابة تمخرها السفن الضخمة  القادمة من ضفة أرض الإفرنج, بعكس المدينة القديمة بفاس مثلا أو مكناس أو... إلخ..




)))"... بعد ساعاتٍ من السير ليلاً، وصل القطار  محطة القطار طنجة،،، ودّعت بتقدير  مكسيكيةً و أمريكيًا في مقتبل العمر تجالسنا على طول مسافة السفر"سلا ـ طنجة" نتناقش الأوضاع في العالم ، وهممت للنزول من القطار   ،،،شددت قامتي و اندفعتُ في خُطىً سريعة في زحمة  المسافرين المغادرين للمحطة، من بابها   إلى عربة  من عربات الأجرة  الراكنة قرب  مدخل المحطة، و باشرت مومئا رأسي سائقها المتهالكِ مُغمض العينين مائل الرأس على مسند المقعد   أمام عجلة القيادة من زجاج النافذة الجانبية المُنزل للنصف،  بالحديث :المرسى القديمة من فضلك. حك عينيه قليلا  ثم تمطط مادا ذراعيه عن آخرهما جانباً لثوانٍ قائلا مُرخٍ ذراعيه للأسفل بفتور بصوت منفعل يستدر به الإسراع في ركوبي  : ـ إركب إركب  .استدرت ناحية الباب الأيمن الذي انفتح للحال من الداخل من لدنه ،و انحشرت داخل العربة باسطا حقيبة السفر فوق فخداي في إعياء ملح من مفاصلي.. وصلت سيارة الأجرة قرب المدينة القديمة بعد دقائق من السير،نقدت سائقها عشرة دراهم كما بين لي العداد و نزلت مصفقا الباب ورائي ،،،عبرت الطريق  بين السيارات المارة بتثاقل من محج محمد السادس ، وتقدمت بخطى تابثة مستحوذا بقبضة صارمة بيسراي على  حقيبتي بضع مسافة نحو عقبة "صلاح الدين الأيوبي" ،،، في برهةلاح يافع متسخ الهيأة من يساري ، ينظر إلي ، أنظر إليه ، نتناظران على إشعاع أصفر خفيف  منبعث من شمس منتصبة في سماء الشروق  ، دنوتُ منه و حييته باللسان ،ثم استطردت في استفهام : فندق رخيص ... قال و هو يشير بيمناه المتسخة و يصوب بعينيه اليائستين  ناحية" باب ميريكان " : إصعد ذلك الدرج و اسأل ستجد فنادقا بتلاثون درهما لليلة ... لا زال يرشدني الى الفندق مرت امرأة من جانبنا في أكثر من  الأربعين من عمرها "سمعتها تتكلم اللغة الاسبانية"،أثارني  "عنقها المغضن" جنسيا حتّى انتفخ قضيبي إلى عشر انتصابه الكلي  !،استعطفها أمامي،فأعطته ورقة خمسون درهما مكرمشة .. طار بالفرحة، حيث هاهو أمامي يحدق بعينين لامعتين بالبهجة في الورقة النقدية المكرمشة  في كفه ويفردها على طولها ثم يقلبها بفرحة في محياه وكأنها ورقة التأشيرة إلى بلد اسكندنافي! ،انقض متشردين اثنين عليه للتو يتنازعانه على ورقة الخمسين درهما تلك، دفعه أحدهما في صدره بقوة حتى سقط على دهره متفوها المرة تلو الأخرى في تهديد ممعن "هاتِ الخمسين درهما لِدينِ أُمِك يا ابن الفاعِلة ..."صرخت فيهم وفي داخلي أصرخ في وجه المجتمع كله  : : كلكم أولاد الفاعِلة... أيها اللصُوص...!  ...تركتهم تلاتثهم يتعاركون هناك   في صخب، وأكملت طريقي ،،  باحثا عن الفندق...")))




السّاعة الآن تشير الى الثانية عشر ليلا، رياح الشرقي قوية ترتعش بفعلها الكراسي والموائد ، حتى تكاد تُطير كراسي المقاهي والمطاعم من حول بصري،المكان مقهىً  قرب المركز الصحي  أمام كافتريا :  "" بساحة 9 أبريل ،الساحة تتوسطها نافورة لا تنفث مياها طيلة اليوم بحكم كونزوارها يقتعدون حافتها الدائرية المحيطة بها بعد امتلاء الكراسي العريضة المتبثة في أرضها و امتلاء مساحات العشب الاخضر المكسرة بالممرات الاسمنتية ، الساحة ليست  مساحة للتنزه و الاستجمام فحسب،كذلك هي فضاءيتدفق إليه باعة الفراشة و الحلويات و الهواتف النقالة طلبا للقمة اليوم،،، وسط الساحة تنتصب نخلات " بعلو 13 متر تقريبا " تبهج البصر و أعمدة سامقة تلاثية المصابيح متناثرة على الساحة تشع ضوء ًا مهتزا يميل الى الاصفرار ،،،زلفتُ ناحية النافورة و مسجد سيدي بوعبيد أمام عيني بساعته المتبثة في أقصى يسار واجهته الرئيسية أبصرت في العقارب مرور ربع ساعة على مجيئي هنا ثم تهالكت بظهري على جزء فارغ من العشب عاقدا كفيّ وراء رأسي مُسرِّحاً بصري فيما حولي، عربات الأطفال تنبثق هنا و هناك ،أمهات تنحنين على عربات الباعة  تقتنين  الحلويات لأطفالها ، يافعون يهزون العجلات الأمامية لدراجاتهم الهوائية وجوههم تُشع الغبطة و عدم التجربة، نقلت بصري بين الأطفال طويلا  ،فاسترجعت  لتوي موقفا كان قد وقع لي مع امرأة حول ابنها فيما مر من الزمن، و عمري إثناعشر سنة أمام باب بيتنا ،قرصتني امرأة فيفخدي قائلة لي في تأنيب  أني "أشلقم" في ابنها ذو الأربع سنوات حينما أقبله في خده أمامها ، كنت بالأيام قد علمت أنها دفعت بكذلك اتهام جائر من جارة لها أمقتها إلى اليوم ،اللعنة عليها واللعنة على ابنها و على "القوا.." الأُخرى التي شحنت لها أذنيها ..


تسللت من هذا الإحساس الجاف الذي سيطر عليّ بسجارة أشعلتها، وترجلت أنفث بين الآونة و الأخرى دخانا نَافِخَهُ بشيء من العصبية من وجهي  متلافيا المارةفي سيري نحو باب الفحص ...





توقفت قرب باب الفحص المقوس المطل على ساحة 9 أبريل ،انسللت من بابه الجانبي الأيمن الضيق من بين امرأتين باحتكاك طفيف  لطّف عصبيتي!  وانعطفت من زنقة "ايطاليا" قاصدا مقهى "ك..." جلست و،طلبت حليبا ممزوجا بالقهوة ثم جذبت من جيب قميصي "سجارة محشوة"وأشعلتها للحال ،،بعد برهات جلس شخص على مقعد بجانبي"يساري"  مرسل الشعر إلى القفا، أسمر البشرة قوي البدن واسع العينين حاد نظراتهم،عادي الملبس لن يفوق عمره خمسة وعشرين سنة مهما كان ، لم يطلب شيئا وكذلك لم يطلب منه النادل الذي مر بجانبه مرات أن يطلب شيئا !،في لحظة مال برأسه نحوي وقال و التذمر يتدفق من عينيه بشفتين زرقاوتين مرتعشتين : لْخوا شي جْوان تمة ماعندكشي ؟،،،أجبت مسددا بصري بمودة بين عينيه بلهجة مرحبة لكن بنبرة تعمدت أن أشيع فيها شيئا من التمنع :ستُدخن ستُدخن معي ،،،أدار وجهه وسكت ... مررت له السجارةالمحشوة بعد إنفاذي نصفها فالتقطها ،كان الوقت ليلا و النوم قد أثقل علي ،وقفت،حييته بِفَمِي دون أن أتنبه إن كان قد رد مومئا برأسه أو هازا يده أونابسا بشفتيه !! و انصرفت شاردا إلى الفندق ...بعد ظهر يوم الغد جلست في نفس المقهى .. أتلفت إلى النادل  بصينيته يجول الموائد رافعا يديَّ مُطئطئا رأسي ناحيته عله يجنح ببصره نحوي،،. إلى أن انبثق بغتة متسول شيخ متهدل الجسد بوجه فلاح أمامي ، يشع نظرة جافة مُستعطفةً من عينين ضيقتين مادًا يده نحوي،قلت : الله يرزق ،قال متماديا في استجدائه :درهم فقط يا بني, لدي أطفال!،أضفت بحركة دائرية من كفي في إشارة إلى قاعة المقهى :لو كان بيدي لملكتك هذه المقهى،صدِّقني ! وأضفت في لهجة آمرة : هَاهْ وأنا لست إبنك، إبنك هو أي واحد من أطفالك!  ثم ،أشحت عيني من وجهه وتجاهلته معتدلا في مقعدي بالشكل الذي لا أواجهه، فأردف بصوت يرن بكل ضروب الحقد و الصفاقة : سيماهم على وجوههم! كرهته بشدة  لكني لم أُجِبه ، أظاف في سخرية :مِسكين يحتاج للعلاج ! ،،،وقفت مهتاجا و قد استحالت يداي قبضتان من الغضب وقلت:عَّجوز! شهور يا ابن القح... أتشرد أحمقا في الشوارع حتى أبواب بيتي بعتها بعد أن بعت كل اتاثه كي أوفر  الزاد لأعيش, شهور عرفتكم جيدا من تكونون ،بات علي أن أقول لكل من أصادف، إياك أن تُصدِّق هرائهم! عيون المارة تتجه نحوي الآن أتكلم وحدي لأن المتسول الجريء! زحف من أمامي ...تهالكت ،هززت رأسي نحو السائرين أمامي في لامبالات من أمره و رحت مستعذبا الشرود فيهم و في بعض العربات التي ها هي تزحف أمامي  ببطء من زنقة إيطاليا..




فجأة كفّ تمسكني في ذراعي من الخلف،استدرت مفجوعا  ناهضا من المقعد ،إنه هو ، "مصطفى" كما قال لي بلسانه ليلة البارحة ،تسالمنا باليد،ثم تقهقر  الى الخلفحانيا رأسه داخل قاعة المقهى و انزوى في مائدة وحيدا لا يبسط فوقها شيئا...
ناديت على النادل لأنقده ثمن القهوة لأغادر ،لم أعي إلاّ و "مصطفى" قربي حينذاك،جلس بجانبي وقال : أستذهب؟. إلى أين ؟، إجلس إجلس أريد ان أحدثك ،كان يتكلم وعيناه تشع كل معاني الإحتيال ’ثم استطرد في كلامه بعد أن ارتشف مما بقي في كأس القهوة المحطوط أمامي على الطاولة و ازداد بكتفه التصاقا بكتفي : عندي ما يصعد الى السماء،،ثُم دس يده في جيبه و أخرجها مليئة بأربعة أقراص مخدرة مختلفة الصنف ، و انخرط يتكلم لي على الصنف الذي يحارب الاكتئاب تم الذي يجعلك مسرورا تشعر بالسعادة تم الذي ... ،تم أدخل يده الاخرى في الجيب الآخر و جذب قارورتين طبيتين صغيرتين من صنف لاروكسيل ،و قال بشيء من الإنفعال وهو يشد عليها بقوة وكأنه يتولى تحطيمها بيده : هذه، تقطر 10 قطرات في كوب للماء تحس نفسك طائرا ... قلت : هل ما معك هنا للبيع؟ ،أجاب : لا كل مامعي الآن مباع ،ولكن إذا أردت شيئا منها نذهب الى مكان محدد هنا في المدينة القديمة و نقتنيه ،،، ثم بادرني بجرأة أحسستها كسيطرة المرأة  في علاقة حميمية علىالرجل ! : كم عندك من المال ؟! ،قلت بلهجة مستسلمة وكأني موافق على صفقته : مائة درهم. حك ذقنه وقال و وجهه يلمع بآمارات التفكير : سأنهض و سأمشي في هذا الاتجاه وستتبعني بين الأزقة،إتفقنا. قلت في تردد مبعثه الحذر : اتفقنا. ختم كلامه بعبارة "الطريق قصيرة " و انتفض واقفا و مشى أمامي،ما أن بعد عني بضع أذرع حتى وقفت و مشيت في إثره ،،إلى أن دخلنا زنقةً متعرجة من الأزقة المحاذية ل "السوق الداخلي" ،و كاتب هذه الأسطر متأنق شعره يلمع يستطيل النظر "داخل الزنقة" في فتاة جميلة الوجه واقفة أمام عتبة منزلهم، و يتأمل قوامها الممشوق وشعرها الأصفر المسترسل وراء ظهرها وهي تبتسم له مستهيمة به في تحديقها له !. و ها نحن سائرين بين باعة الفراشة ثم دالفين زقاقا آخر ،حتى انتهينا الى درب ضيق يؤدي الى باب حديدي بال ... طلب مني "مصطفى" أن أمنحه المائة درهم فرفضت ، انتشرت علامات القلق في تقاطيع وجهه ثم قال : إنتظرني هنا ريثما أعود،لن أتأخرّ . خطا نحو الباب تعداه ثم توارى وراء جدران البيت، عاد بعد قرابة دقيقتين و طلب مني أن أدخل معه الى البيت إياه ،رفضت بشكل قاطع. كنت قد دخلت فيما مضى الى منزل تاجر "كيف" بالمدينة العتيقة لسلا ووجدت فيه شخصان، واحد يقص الكيف فوق جذع شجرة ، و آخر مجنون يهذر، يشوي السردين على موقد صغير ، ما إن رآني حتى هاجمني ب"الشواية" في يده ، لم أخرج من المنزل إلاّ بجهد جهيد و بعد وقت ! ،استرجعت منه ورقة المائة درهم وتحركت من المكان ...اختلست الطريق ل "ساحة سوق الداخل" من زنقة مدينة سلا ،فوجدتني أمام "مقهى سنطرال"،خففت خطواتي منقلا بصري في أنحاء جوفها"المقهى" ،جرت بصري من خلال زجاج المقهى صورة للكاتب الأمريكي الوجودي العملاق "بول بوولز" معلقة في الجدار ، تقدمت في السير واتخذت مجلسي على كرسي بداخل مقهى "طنجيس" قرب مقهى سنطرال،،،الأقراص المهلوسة المسموح بيعها بداخل دروب المدينة القديمة بطنجة ليست فقط تباع لأبناء المدينة القديمة بل إن هذه، منبع من المنابع المهمة لها في طنجة كلها كما تحققنا من ذلك بعد تأكدنا من أن جحافل من الشباب تزحف على المدينة القديمة يوميا لاقتناء هذه الأقراص المهيجة...معلوم ان التعاطي للحشيش في المدينة القديمة كمافي طنجة كلها، شيء عادي و مألوف في المقاهي كما في نواصي الشوارع و الأزقة كما في عتبات المنازل ...الخ ، لا يمنع استهلاكه رجال الأمن..فالكل يعيش في طنجةعِيشة:عِشْ وَ دَع غيرك يَعِش.إذ لا يمكن إطلاقا مقارنة التعامل الأمني إزاء المخدرات مثلا الذي بطنجة مع الذي بفاس ،،،في فاس قد يصل الأمر لفافة "زيك زاك" قد تؤدي بك إلى 24 ساعة من الحراسة النظرية!،في طنجة تَحشش و لا تُعربِد،وإن عربدت تُقبَض  في ثوان غير ان من التعاطي للحشيش تدخل دراهم مهمة من أجانب على طنجة ،بحيث تستهلك كميات مهمة من الحشيش من أوروبيين و مغاربة من خارج طنجة في فصل الصيف عند قضائهم لعطلهم ...




في زنقة "عقبة" صلاح الدين الايوبي ،بالتحديد قرب المدارة المتواجدة في الزنقة نفسها، يتواجد سوق الأسماك الموجه لسكان المدينة القديمة لطنجة ، السوق يعرف رواجا لا بأس به على الرغم من أن الأسماك تباع أيضا خارجه على قارعة الطريق في بعض الزقاق ، بجانب السوق هذا تقوم ساحة واسعة تستشف من إجالة بصرك في أنحائها ،معالم حديقة لسكان الزنقة المذكورة "الحديقة تقع خلف السفارة الأمريكية القديمة"،لكن في الحقيقة المدينة العتيقة لطنجة تعاني خصاصا هائلا بخصوص المساحات الخضراء ،خاصة إذا قارناها بالشجيرات المكتسحة للكورنيش القريب منها و الجو الأخضر الرائق المكتنف له بحيث لا يمكن تبرير ذلك بضيق الأزقة إذ من الممكن تأهيل أزقتها بالمناظر الخلابة على الرغم من ضيقها،هذه الساحة التي يجب تأهيلها اليوم قبل غد ، مخصصة لمتشردي المدينة ،مخصصة بالتدقيق لاجتماعات خاصة بهم يقومون بها يتحادثون فيها عن محاصيلهم من التسول أو لعلهم يتقاسمونها،،،المتشردين في المدينة العتيقة بطنجة ليسوا هم متشردوا المدينة العتيقة لسلا أو أو أية "مدينة عتيقة" لا تدبها حيوية سياحية كالتي مثلا تتخلل المدينة العتيقة لطنجة،فالتدفق المهم للسياحة على هذه الاخيرة طيلة العام و خاصة في الصيف يرخي ظلاله على كافة سكان المدينة العتيقة بما فيهممتشرديها!، متشردي المدينة العتيقة بطنجة متحدين!، لا يسمحون بمتشردين من خارج المنطقة في أرضهم !،"الإجتماعات" بالساحة الملتصقة بسوق الأسماك ! ، والسياح الإسبان و الفرنسيين القادمين للمدينة العتيقة بطنجة على طول العام أهم مصادر للمال في عالم تسولهم بالنسبة لهم إذا وصلت إلى المدارة القريبة من ساحة الحديقة المذكورة في صعودك من عقبة صلاح الدين الأيوبي،إما أن تحث خطاك فوقاً إلى "السوق دبرا" ،وإما أن تُعرج الطريق يمينا من الزنقة المحاذية للمقبرة اليهودية "زنقة البرتغال " في اتجاه "باب ميريكان" المؤدي إلى مقر السفارة المشار إليها "حاليا مبنى تاريخي"،و إما أن تطلق رجلك يسارا ناحية سوق ضام لدكاكين المواد الغذائية
الحركة طيلة اليوم مستأنفة على أرض مائلة ،،،باعة يبيعون و متسوقون يقتنون و سائقوا عرباتٍ ودراجاتٍ يزحفون





الالتواء على أقدامنا ببضع أزقة بالمدينة القديمة بطنجة قادنا  الى مكان يسمى ب: " دار البارود " ،عبارة  عن برج تاريخي واسع موضوعةفي نوافذه مدافع بالية يطل على مسجد "أبو الحسن" و أشغال بناء الميناء الجديد من ناحية الطريق المؤدية الى الشاطئ ،المكان جميل من الناحية التاريخية و هو المكان الذي يبت و يُشيع المعنى العسكري في قلعة المدينة القديمة هذه المنطقة الرائعة الجذابة، غير أن مشكلة هذا المكان بصرف النظر عن عدم الإعتناء بمرافقه بالكيفية التي يستحقها مكان تاريخي مثل هكذا مكان ،هو أن الدخول الى " دار البارود " مسموح بالليل طبعا لأن بابه يبقى مفتوحا لأنه ببساطة ليس به حارس يمكث طيلة أوقات الليل و يلتزم إغلاق الباب في الأوقات المحددة عند إماتة الظلام لنور النهار،وبالتالي فالتقدم نحو " دار البارود " في ساعة متأخرة من الليل بدون حراسة قد يُسبب مشكلة لشخص ما لاسيما إذا لم يكن من سكان المنطقة "سائحا من الداخل أو الخارج"، و حتى إن افترضنا أن منطقة  المدينة القديمة بطنجة مراقبة أمنيا بالشكل الذي يليق فذلك لا يبرر بقاء دار البارود مفتوحة الأبواب، كل من سولت له نفسه إطلاق رجله لها ،يفعل ، و ذلك فقط تجنبا لأي مشكل يمكن أن يقع لسائح من السياح أثناء تنزهه، نحن في غنى عنه ...





ساحة إسبانيا :

تمتد ساحة إسبانيا من رأس الكورنيش الى واجهة دار البارود المطلة على مسجد أبو الحسن،وسط هذه الساحة نافورة تستديرها كراسي طويلة و بالجانب الملتصق بالمدينة العتيقة،تنتثر بعض المقاهي المتدلية بكراسيها و مظلاتها نحو وسط الساحة ،المقاهي هذه يقصدها صيفا السياح من كل صوب للإسترواح و الإستجمام،،، "محطة القطار القديمة" الكائنة قبالة المقاهي هذه "والتي أصبحت بناية تراثية"،قربها من المدينة القديمة يبث مساهمة تكميلية لتراث المدينة العتيقة بطنجة عند الرائي، الساحة أيضا تستضيف دينامية تجارية  غير مهيكلة ، عربات الدفع بالأيدي عليها البيض المسلوق و علب لاداند المصبرة و دوائر الخبز و أخرى عليها الصوصيص و الكفتة ،المقاهي تلك تمتلأ عن آخرها في الصباح كما في المساء كمافي الليل المتأخر  بأبناء طنجة كما بزوار المدينة من مدن أخرى أو من الخارج بحيث يستغرقون وقتهم في التضاحك و السهر إلى أكثر من التالثة صباحاً ...




أسواق المدينة القديمة لِطَنجَة :

ينتشر بيع السلع الأجنبية سواء الداخلة إلى المغرب قانونيا، أو المهربة، في بعض أزقة المدينة العتيقة بطنجة ،بحيث توفر دينامية رواج هذه السلع فرص شغل للعديد من الناس هنا في المدينة القديمة ،إذ يقوم مجموعة من الشبان بعرض مواد غذائية من إسبانيا و دول أوروبية أخرى للبيع على الأرض في وسط الأزقة وفي نواصيها ، كما تتغلغل المنطقة أيضا بباعة السجائر المهربة من الجزائر "كولواز ـ كاميل"...أما في  زنقة: مالابطا و أزقة أخرى  ،فينتشر العديد من باعة الصنادل الجلدية و الأواني النحاسية المزركشة بنقش الحرفة التقليدية وكذلك باعة القطع الخشبية المصنوعة من العرعار والأرز وكل ما يتعلق بالصنعة التقليدية في حوانيت ،مثلها مثل الدكاكين الممتدة على كل زقاق و دروب السوق الداخلي التي تضم كل أنواع السلع "الفطائر والبسكويت والحلويات وعلب الشكولاطة الإسبانية والجزائرية، دكاكين الجلابيب و القفطان إلخ ..."  لاسيما التقليدية منها ...




في السوق الخارجي "دْبرّا" هناك الكثير من الأزقة المتوسطة العرض المتفرعة من ساحة 9 أبريل  التي تضم محلات منها الصغيرة ومنها الواسعة، تعرض سلعا من أصناف متنوعة،  السوق الخارجي "دْبرّا" ليس كالسوق الداخلي من حيث حجم المنتوجات المعروضة للبيع لكنه سوق يرجع إلى ماضي مهم له زبائنه الذين يقصدونه و إن كان لا يعج بالمتسوقين المتدافعين بالمناكب بالدرجة التي هم بها  بالسوق الداخلي..  من ساحة 9 أبريل المذكورة تتفرع زنقة طويلة  تتوزع على طولها وعلى كِلا جانبيها ،محلات بيع و إصلاح الآلات و الأجهزة  الإلكترونية "الهواتف،الحواسيب...إلخ..."،وكأنك بالضبط في سوق كازابرطا قرب الجامع السعودي ،أشخاص يمرون من جانبك حاملين بأيديهم أجهزة إلكترونية  ،آخرون مُنكَبين على واجهات الحوانيت لعرض آلاتهم المعطوبة أو لابتياع آلات  إلكترونية جديدة إلخ،، لعلها دكاكين في الواقع توفر على سكان المدينة العتيقة لطنجة قطعهم مسافة طويلة من المدينة العتيقة إلى سوق كزبراطا أثناء حاجتهم إصلاح أجهزتهم الإلكترونية أو ابتياعها لاسيما إن كان الأمر يتعلق بعطب   بسيط أو بشراء أصناف مُحددة من الآلات الإلكترونية ...إلخ.....  





مطاعم للأسماك يبتز أصحابها الزبائن شراء ما يبغون لهم من أطباق:

المحلات التي تعرض صحون السمك أمام ساحة إسبانيا بالمدينة القديمة بطنجة ،يتعاملون مع الزبائن معاملة خاصة "غير مقبولة" في فصل الصيف،بحيث أنهم يرفضون تقديم بعض الأنواع من الأكلات تلك التي لا يتجاوز ثمنها 20 درهما ،ذلك أن عدد الوافدين على المنطقة من سياح الداخل و الخارج يكثر في هذا الفصل و أوطوماتيكيا يكثر عدد المرتادين على مطاعم السمك هذه وفي الأكثرمن الإسبان، بحيث يفضلون عرض الأطباق غالية الثمن أمام التدفق الهائل لزبائن الأورو ...كنت مقتعدا إلى مائدة بداخل مطعم السمك بساحة إسبانيا ،تناولت قائمة الوجبات من فوق المائدة و ناديت على النادل طالبا إياه سندويتشا ب20 درهم و هو السندويتش الذي لم أخترعه من عندي بل المتواجد بالقائمة، ذهب عند الطباخ شرع هذا أمام عيني يعد لي في السندويتش ،إلى أن انبثق شخص يبدو أعلاهم شأنا في المحل ،،،و طلب في غطرسة من الطباخ خلفواجهة المأكولات الإدبار عن إعداد سندويتش 20 درهما الذي طلبت ! ،سمعته فذهبت إليه ،واستفسرت رفضه هذا ،،،فأجابني غير مكترث بي "يتكلم و يهز الصحون من الموائد" : ستضيع لنا الوقت ! ... فهمت أنني شبه مطرود ،فإما أن آكل ما يريد صاحبنا و إما أن أخرج من المحل ،نظرت إليه طويلا "نصف دقيقة" كي لا أنساه! ،احتقرته في غيض بعيني ،و انصرفت باصقاً في حنق بجوار المحل  ... إذا جئت لمطعم السمك هذا في فصل الشتاء مثلا السياح قلة سوف لن يرفض صاحبه عرض الوجبات الغذائية كلها بما فيها سندويتش ال 20 درهم،ببساطة لأن تراجع عدد الوافدين عليه من السياح الأجانب يجعله يقبل بيع الوجبات الغذائية التي يرفض بيعها في الصيف المتغلغل بسياح الأورو!،،، ... إنها حقيقة  سلوكات ماسة بالكرامة تعترض الزبائن بداخل المطاعم،سلوكات تتفشى بتعاظم في مطاعم كثيرة بطنجة و بخارجهاأكيد داخل البلاد...





  كورنيش طنجة :


الساعة في مِعصَمي تُشير إلى الواحدة و النصف ليلاً ،،الجو بارد نسبيا ،والضباب خفيف ومُنسّم  للهواء  ،نحنُ في هذه اللحظات  في  رصيف كورنيش طنجة "محج محمد السادس" نتمشى الهوينا بلا غاية تُذكر،الشعر مُلَمّع بالجِّيل ممشوط بحدّة للخلف ، الدجينز الأزرق الفاتِح الضيق على الفخدين  ويداي  محشوة في مِعطف أسود مُعطّر بعطر "سكوربيون" للرجال   أتمشى مُشِعّاً في اختيال!،القمر المكتمل في هذه اللحظة بالضبط ، انبثق أمامي ببياضه السلطوي! من بين الغيوم، أنظر إليه ينظر إلي! ،إنه يتحداني! نظرت إليه قرابة نصف دقيقة بتركيز وبعمق  ،ففهمت أن الحرية تقع في التمرد على القانون!  ، شعرت بالآسى لأنني فهمت أنني لن أكون حرا في يوم ما!  ،وهانحن بجانب علبة "555" الليلية نسير بخطوات خفيفة والنوم قد بدأ يتسرب إلى رأسي، فككت أزرار معطفي الأسود مددت يدي إلى جيبه الداخلي،وأخرجت تلاثة سجائر وضعت إثنين منهم  في جيب سروالي وتناولت بشفتي السجارة الباقية من يدي،أشعلتها،واستأنفت السير أنفخ الدخان من شفتي  وأتخيل مشهدَ ،بركان ضخم ينفجر بحممه النارية على كلّ البشر و الكلّ يموت محروقا بالنار ثم تنفجر في الأخير  الكرة الأرضية بُّووومْ،أُوووه أذهلني إعجابا هذا المشهد! ،  جذبت الدخان من السجارة في يدي بلذة وكأنني ذلك البركان أستمتع بحَرق "الإنسان" ،أحسست بنفسي في لحظة إلاها!،بصدق أتكلم!!..


في كورنيش طنجة ،هناك من يدخل لحانة ليلية يحتسي بداخلها زجاجة فودكا ب1000 درهم و قد يُخرج في تلك الليلة مليون سنتيم دون أية مشكلة، و هناك من تجده يبيع سجائر الكولواز و الكاميل المهربة بجوار الحانة ذاتها ، وهناك أيضا جحافل من المعدمين ينفخون "السلسيون" ذارعين شارع محمد السادس جيئة و ذهابا ، وهناك فئات كثيرة من الشبان لا تستطيع الولوج إلى حانات و مراقص كورنيش طنجة بسبب غلاء ثمن الدخول إليها...

طفلات لا يتجاوزن 6 سنوات يتعقبنك في سيرك و يبتسمن في محياك، و بأكفهم علب صغيرة ل"كلينكس"،يستعطفنك ابتياعها من عندهم بلهجة شمالية رخوة :"شري من عَندي كلينكس آعَمِي..." ،تُدير وجهك أربعة أمتار أو خمسة،شاب في العشرينات من عمره ينزل من سيارة ثمنها أكثر من 120 مليون سنتيم و يتوجه إلى علبة ليلية من العلب الموجودة بالكورنيش...إسمعوا! إن الفوارق الإجتماعية الواسعة القائمة في مدينة طنجة ،فوارق جد صارخة لا توجد مثلها "بكل واقعية" عدا بأكادير كما لاحظنا ذلك،إن الأمر يصل في طنجة إلى مستوى لا يمكن أن يؤدي إلا إلى الحمق ، هناك من يوفر 15 درهم في اليوم و هناك من يستنزف 5000 درهم في اليوم فقط في علبة "سنوب" الليلية أو علبة "أوكسيجن"  من الحادية عشر ليلا إلى الرابعة صباحا "كما تحققنا من ذلك!" ،غير أن النظر لا يجب أن يُصَوَّب فقط إلى كاتب هذه الأسطر باعتباره ماركسيا في تقديره للوضع الإجتماعي بطنجة ، فعلى الأقل يجب أن نقول أن الإقتصاد في حياة البشر أحد المحددات التي تحدد المجالات الأخرى إلى جانب العوامل الأخرى طبعا،بحيث أن الحفاظ على الطبقة الوسطى في المجتمع بات أمرا ضروريا لترسيخ  العدالة الإجتماعية ولإقرار التوازن أساس الإستقرار ومطلبا ينادى به للإجتماعات البشرية ومن لدن أعداء الماركسية حتى...إلخ







من فوق سطوح منازل وفنادق " المَدِينة العتِيقة "  بمَدِينة طَنجة’ من أي سطح تلوح في النهار للناظر أبدع و أصفى المناظر على النفس ،يبدو للناظر،شاطئ البحر "البلايا" برماله الذهبية الملتصق بالمرسى القديمة برواده الكثر "أثناء  الصيف" ، و كذلك العمارات الشاهقة الزجاجية اللامعة الواجهة المصفوفة بجوار مقر "ماكدونالدز" "المضفية لروح الحداثة و المعاصرة"،ثم الإمتداد الكبير  لمياه البحرأمام العين المتناهي بزرقة السماء في الأفق، أما في الليل فالإطلال من سطوح " المَدِينة العتِيقة " من الفنادق في الأغلب, له روعة وعظمة  أعمق و أكثر إمتاعا للبصر ، بحيث تتدثر المناظر التي تطل عليها في النهار من السطوح تلك، بالأضواء المتلألئة اللامعة التي تفعم ليل طنجة ببريق ملتمع جذّاب صافٍ ينطق بكل ألوان الزهو و يُعبِّر عن "السمو المُلح نحو التأورب"  و الإختيال ...إلخ ..
  •  


  •  
  • "المدينة العتيقة" لطنجة ، بلا ريب  مِن أَنْضر و أَبْهى وأزهى المُدن العتيقة المستقرة على أرض المغرب الأقصى ،إنها مدينة عتيقة  تعبق من حولها  جمالا  تاريخيا مُحتدما لا مثيل له باسترسال و بلا حُدُود، جمالٌ أخّاذٌ لا يتوانى البتّة الخوض  باندفاع في شوارع  طنجة إلى أعماقِهَا المُكتنَفة بتوهج و احتدام "العالمية" ، "المدينة العتيقة" لطنجة ،  شجرة نظِرة فاتنة مائلة على البحر المتوسِّط تنظر إلى الضفة الأندلسية في  ابتهال مُفرط   لملاحقتها والإنصهار المطلق معها ،إنها مدينة عتيقة تحتاج في الحقيقة إلى ردٍّ كبير للإعتبارِ يليق بصفائها و ماضيها و مُستقبلها الذي يجب أن يكون مُضاهياً لهذا الماضي العميق في حاضرها و سكانها و سماء الحياة في أرضها ،نَعم كذلك يجب طَنجة العتيقة






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق