الجمعة، 19 ديسمبر 2014

قَرية "أباينُو" بإقليم كلميم : قرية سياحية تواجه تحديات جمة ...


خَلدُون المسناوي 

على بعد حوالي 12 كلمترا من مركز مدينة كلميم ،تستقر قرية هي من أبهى و أجمل القرى المتواجدة بالمناطق الصحراوية ، إنها قرية "أباينُو"التي يكتنفها  هدوء مطلق تعيش في كنفه بضعة أسر تستقر في مساكن منفردة  بين جبال متعالية بقممها المُخضرَّة نحو علاء السحب ..تحيطها مساحات مشجرة مترامية الأطراف تتعانق وسطها أغصان أشجار الزيتون الناشرة  ،عطرها  في دقائق الفضاء...



بقلب قرية "أبيانو" التي تقع بين كلميم و سيدي إفني ، تقوم قبة بناية ضريح صغير مربع الجدران ،إنه ضريح سيدي سليمان ، المعروف ببركته بين أبناء القرية و الذي يحج إليه الناس لاسيما من إفني و من كلميم...هذا الضريح تستديره بعض البيوت المهترئة التي يقطن فيها بعض سكان هذه القرية الهادئة ..



غير أن القرية المستقرة في مكان لا يمكن لعين أي إنسان  إلا أن تبهر بجماله و زهوه المفرط ،أهم ما  تشتمل عليه إلى جانب عين أباينو، هو المسبح الساخن ، الذي يستقدم على طول العام عددا مهما من الزوار الذين يجيئون إليه من أجل غسل أجسادهم داخل أحواض مملوئة بالمياه الساخنة باعتبارها مياها ذات نتائج  صحية جيدة على جلد و عظام السابح فيها ،،، هذا المسبح يتكون من حوضين للسباحة ،واحد للرجال و آخر للنساء، الدخول إلى هذين المسبحين هو مقابل مبلغ عشرة دراهم ،من المشاكل التي يعرفها هذا المسبح الساخن الشبيه بمسبح مولاي يعقوب أو سيدي حرازم هو ،أنه لا يتوفر على الدش بحيث أن على كل من قدم إليه  أن يستعد كي يغتسل في الدش خارجه بعد بلوغه كلميم ...،إِذِ الحامتين الكائنتين هنا ضعيفتين  مقارنة بتجهيز حامات مولاي يعقوب أو سيدي حرازم  أو...



من التحديات  التي تواجهها قرية  "أباينُو" بإلحاح كبير ، هي ، مشكل ضعف التجهيزات ،لسنا هنا نتحدث عن تجهيز الحامات التي ذكرنا وإنما نتكلم عن تجهيز القرية ككلّ،   فالقرية لا تتوفر على المقاهي و المنتجعات السياحية التي يمكن أن تستضيف الزوار المتدفقين على هذه المنطقة بشكل هائل،بحيث يُحس بقوة عند حط الأقدام هنا، احتياج الناس إلى أماكن كالمقاهي يرتاحون على موائدها بعد استمتاعهم بالإستحمام  ،كما تعاني "القرية" بحدة ،من مشكل انتشار الأزبال بمحيطها و بين طرقاتها الغير المُعتنى بها ،فكل من جرته أقدامه إلى هنا يلاحظ بقوة التهميش الملحوظ من حيث الإنتشار الغير المحدود للنفايات والأزبال في كل مكان ،بقرب ضريح سيدي سليمان ،بجانب المسبح على حافة الطريق ،بجوار بعض المساكن القليلة هنا وبكل مكان  في الحقيقة ...كما أن من أبرز المشاكل التي تتخبط فيها قرية أباينو هي غياب الحدائق التي يجب أن تستقبل المتدفقين على القرية، لشم النسيم الطيب  الذي ينتجه الإمتداد الأخضر الجبلي الملتف بها ...إلخ.. 



قرية "أباينُو" الكائنة على بعد  12 كلمترا من  مدينة كلميم في اتجاه طريق سيدي إفني ، محاطة من ناحية الجهة المؤدية و القادمة من وإلى سيدي إفني ، بكثبان رملية صحراوية ذات جمال ذهبي باهر تتخللها في تحديقك إليها شجيرات صحراوية جذابة بين المساحة و الأخرى تضفي على القرية بعدا صحراويا  يزيدها إلى جانب الإمتداد الأخضر للأجمة المكتسحة للمحيط القريب لبنايات المسبح الساخن الزاحفة  جبالا في الطريق المؤدية إلى منطقة "تكونفل" ،جمالا على جمال..  إن قرية "أبيانو"  واحدة من القرى التي تتوفر على تنوع مذهل في النسق الطبيعي ،رمال صحراوية و أجمة خضراء.. من الصعوبة  أن يوجد مثله في منطقة أو قرية أخرى ...



الشمس صيفاً جميلة في كل مكان ،و لكنها أكثر من جميلة في قرية أباينو ..أباينو في الربيع أجمل منها في فصل الشتاء لأنها تخلو فيه من أوحاله و أنوائه المُبَعثِرة ،و لكونها  لا تغرق في أمطاره  جراء هوان بنيات الصرف الصحي المُجحف..



للقدوم إلى قرية "أباينُو"  من كلميم أو للرجوع من أبيانو إلى كلميم، هناك سيارات الأجرة.  التوصيلة ب: 7،5 درهم ،هناك أيضا الخطافة الذين يختلطون بعرباتهم بسيارات الأجرة بحثا عن لقمة العيش ،العربات لا عربات الأجرة ولا عربات الخطافة،يقلون ركابهم في جو من الضيق  داخل العربات، التي تقف على قارعة الطريق على بعد أمتار من المسبح المذكور ،عربات النقل هذه ليست دائما تجدها متوفرة من أبيانو إلى كلميم ،مما يطرح مشكلا حقيقيا أحيانا كثيرة في العودة بالنسبة لزوار المسبح و الأماكن الخضراء الملتفة به ...



الإعتناء بقرية "أباينُو" الجماعة القروية التابعة لإقليم كلميم  من الناحية التجهيزية وكشط الأزبال بانتظام و إزالتها من بين أحضانها،سيمكِّن  هذه القرية لا محالة من اجتذاب أموال مهمة من  السياح،ستدفع حتميا لرؤية تطويرية  للبعد السياحي للقرية مستقبلا،كما سيُصَيِّر سكانها وكذا زوارها أكثر استفادة من جوها الطبيعي الصحي الذي يسطع به سحراها الصحراوي و الأخضر..   قرية "أباينو"  الكلميمية قرية تستحق صرف مجهود كبير من طرف المنتخبين ,حفاظا على ثروتنا الطبيعية و كذا اهتماما بالسياحة ، أبرز الأساسات المُرتكز عليها لرفع اقتصادات الدول ..







الجمعة، 12 ديسمبر 2014

مَدينة سيدي إفني ...المدينة المُهمشة لأكثر من أربعة عقود من لدن الدولة

خَلدون المسناوي


تعيش مدينة سيدي إفني المغربية الكائنة بين مدينتي كلميم و تزنيت و القريبة من قرية ميرلفت،وضعية متأزمة في كافة المجالات ،فالفقر منتشر بين الجميع لدرجة الهول ، و البنيات التحتية للصرف الصحي قاصرة ،و التجهيزات و المرافق بمختلف مستوياتها ضعيفة،إنها مدينة ظل يعيش سكانها أسوأ الأوضاع وأتعسها  في كل الأصعدة جراء التهميش الذي عرفته مدينتهم منذ استرجاعها من أيدي العسكر الإسبان عام 69 إلى اليوم ،،،مدينة سيدي إفني المُناظلة التي أغلب من يشتغل بمؤسساتها العمومية أبناء الداخل !،حقّاً مدينة  أُقصيت بشكل لا يُصَدّق حيث لا شيء شُيِّد فيها عدا ما بناه الإسبان خلال الإستعمار،،سيدي إفني،إنها مدينة تتلاشى يوما بعد يوم في إطار مسلسل إقصائي  تنهجه الدولة المغربية ضد "الباعمرانيين"  ...إلخ..


القطاع الثقافي بمدينة سيدي إفني :

تعيش الثقافة في مدينة سيدي إفني وضعية أزرى مما يمكن أن تكون عليه الثقافة في أي مدينة في المغرب، الكلام عن ضرورة الأنشطة الثقافية  هنا للمواطنين الإفنيويين يُشعرهم بالإشمئزاز و النفور مقابل احتياجهم الكبير  للقوت اليومي..  الجمعيات المتواجدة بالمدينة لا تعمل إطلاقا  في الجانب الثقافي عدا ولدرجة متواضعة، الجانب الإجتماعي .،بحيث تغيب اللقاء ات الثقافية إطلاقا إلا نادراجدا ما قد تحتضن المدينة ندوة أو لقاء اً أو ...

بالنسبة للمؤسسات المُنتجة للفن و الثقافة، سِيدي إفني للأسف لا يتوفر على مبنى "مسرح" لساكنته ،أما القاعات السينمائية ،فهناك قاعتين سينمائيتين كلتاهما أُسّستا من لدن إسبانيا ،السينما الأولى:سينما "إفنيدا" بشارع محمد الخامس، هُمشت منذ الثمانينات حتى تحولت إلى مجرد بناية  تاريخية تجر بصر الزوار،،أما السينما الأخرى فهي السينما القائمة بجانب المارشي بشارع الداخلة بحي للامريم ،، أُغلقت قبل سنوات عدة قبل أن تُعتمد  من لدن شركة إنوي للإتصالات  منذ 9 أشهر تقريبا وتتحول بالتالي قاعة سينمائية كان يُنتظر أن يلجها الإفنيون للتذوق الفني إلى شركة اتصالات ...بحيث نشير هنا إلى حقيقة أنه لم يسبق ل"النظام المغربي" أن شيد قاعة سينمائية بسيدي إفني ...

دار الشباب المُطِلّة على جبل البوعلام المنقوش على صفحته شعار المملكة المغربية  تعيش فراغا عظيما لا نظير له جراء الغياب المطلق للأنشطة الثقافية و كذلك سوء التنظيم الإداري داخلها ،كما تعيش وضعا كارثيا في بنياتها التجهيزية لدرجة تثير الغثيان  ، "مراحيض بدون أبواب ،أنابيب وصنابير مُكسّرة... " ،دار الشباب "الشهداء" هذه كما عاينها من الداخل، مكان تمتزج فيه روائح الخراء والبول التي تزداد قوة مع تنفسك، لا يلجها في الغالب إلا  الكلاب و القطط ...




الإستشفاء الصحي بسيدي إفني :

تتوفر مدينة سيدي إفني على مؤسسات صحية جد عليلة يتخبط السكان جراء ضعفها في معاناة كبيرة تضع صحة الإفنيين في وضع لا يحسدهم عليه أحد ،بحيث أن المدينة لا تتوفر سوى على المستشفى الكبير "المتواجد بقرب مقر العمالة بجوار حي الموظفين "و "المستشفى الصغير" بشارع محمد الخامس اللذان شيدا من لدن إسبانيا!طبعا، إظافة إلى "مستوصفات الأحياء" ،،،كل هذه المؤسسات هي عبارة عن مؤسسات صحية جوفاء ،تنخرها الرشوة الكبيرة لنيل العلاج و الفساد الإداري، هذان المشكلان اللذان يتسببان عميقا  في  إهانة المرضى الفقراء من لدن الممرضين ...



قطاع الشباب و الرياضة بسيدي إفني :

يتواجد بسيدي إفني ،ملعب واحد و وحيد ،يستقر بمخرج المدينة عند  الطريق المؤدية إلى كلميم ،لعله الملعب التي بنته إسبانيا وليس غيرها ،ملعب سيدي إفني هذا لا يلجه أحد من أبناء المدينة بحيث لا يسمح بالولوج إليه إلا من لدن فرقة المدينة  "إتحاد سيدي إفني"  حينما تواجه فريق كرة قدم آخر ،،،إذ يبقى هذا الملعب موصدا في وجه شباب، المدينة لا يفتح عدا للفريق الرسمي لها ...فعموما، بالنسبة للرياضة هناك، ملعب سيدي إفني  "كما يسميه السكان هنا" فقط ،عدا ذلك فهناك رمال شاطئ البحر المنحدر عن سطح بنايات المدينة بقرابة 12 مترا ...




المآثر التاريخية بسيدي إفني :

ـ "الخرب ديال إسبانيا"  : هما عبارة عن بيتان مستقران في قلب مياه شاطئ البحر "بريفريك" ،تركتهما إسبانيا قبل أن تغادر المدينة..
ـ المنارة أو "الفار" كما يسميها أبناء المدينة ، و للمرور إليها هناك طريقان إما الطريق الآتية من شارع محمد الخامس من ناحية فندق الصفاء  و إما الطريق المائلة المتربة المصعدة من رمال الشاطئ إلى مركز المدينة...
ـ الثكنة العسكرية : هي عبارة عن حامية عسكرية  تقع بقرب حي الكريبو  في مرتفع عال جدا فوق مقر "ضريح سيدي إفني" ببعض الأمتار ، هذه الحامية العسكرية بعد مغادرة إسبانيا أرض إفني سنة 69  دخلها المغرب ببعض السنوات،بحيث لم تُهدم إسبانيا أسوارها قبل خروجها منها ،إذ سيقوم المغرب باستغلال الحامية العسكرية التي بنتها إسبانيا و في الشأن العسكري نفسه! ، شيء واحد قام به المغرب بعد دخوله للحامية  هو أنه تبث العلم المغربي على سطح  هذه البناية العسكرية المشيدة من ألفها إلى يائها من طرف الإسبان ..!..

_____..وقفتُ أمام ضريح "سيدي إفني" ذو القبة الخضراء،قرص الشمس منتصب بمنتصف السماء فوقي ينفث سهاما  حارقة يتصفد جسمي عرقا لها و مياه البحر  ممتدة أمام بصري تصرخ بموج عاتٍ عويلاً فهمته في نفسي في لحظة: التوعد لي بالشر!،أشرت  بعيني اليمنى إيماءة لنفسي بعدم الإكثرات لذلك،استدرت هازا رأسي ناحية الثكنة العسكرية ، آه إنها هناك تأتلق بجبروتها  في القمة،انخرطت صاعدا في جبل ترابي أُهِيل قدميَّ في التراب،إلى أن وصلت معروقا بشدة لاهثا أنفاسي في تسارع إلى القمة بجوار السور  الجانبي الأصفر الباهت للثكنة، و سيدي إفني كلها في منظر بهي زاهٍ أمام عيني لا ينعتق  منها جزء عن نطاق بصري...حقّاً جميلة جدا سيدي إفني ،قلت في نفسي.. 
هَوْ هَوْ هَوْ ... ،عواء كلب صغير يجتذب سمعي الآن، أدرت ناظريّ يسارا مُجتذَباً بصدى عواء هذا الكلب وتقدمت للتو نحو مأتاه ، حتثت الخطى بضع أذرع على أرض حصباء نحوه،خطف بصري  كلب صغير  يتوسد الأرض بجنب ركام حجر قدام بوابة الحامية العسكرية لسيدي إفني ،وقد استحكمت القروح جسمه المهزول ،نظرت إلى وجهه الجميل و الحنون طويلا موسعا بسمتي حنوا عليه و هو يومئ برأسه الصغير و يمسح وجهه بقائمتيه الأماميتين ...،بصدق، لقد أثر علي هذا الكلب! ،،، وهاهو الآن  يرمقني بعينين يتخللهما الصدق البشري ، اقتربت  منه حتى بت على مقربة نصف متر منه  و جثوت على ركبتي ،و جعلتني أمسد جلده بعطف ثم دسست يدي في جيب التجاكيطة الجلدية و أخرجت منه بقية قطعة خبز محشو بالسمك و شرائح طماطم كنت قد التهمتها قبل قرابة ساعة زمن بمطعم سمك راق و قدمته له نابسا في جهر و كأن الكلب هذا يفقه كلامي : خُذْ ، كُل ،  تجدك جائعا منذ البارحة أو أكثر.   يا لك من شخص ! ، الكلب هذا أثر عليك و كل المعدمين المتسولين الذين اجتزتهم في طرقات سيدي إفني لم يستدروا عطفك  ،قلت في نفسي مشعلا الولاعة،نيرانها تفترس بنفتثها  طرف السجارة المُتبث في فمي والكلب تحت ملمس يدي  يلتهم في سرعة مبعثها شدةالجوع ، ..نهضت و استرسلت في السير قاصدا الجانب الورائي للثكنة المشرف على البحر، فخطف سمعي مجددا من قربي صوت رجل ،أطللت على مصدر الصوت من جدار الثكنة هنا  بحذر سارق، فألفيت رجلا طاعنا في السن   متشحا في أطمار بالية  مضطجعا على جنبه على ثوب عريض ممزق يتكأ بدهره جدار  الثكنة محياه  يشع  معاناةِ أعوام طويلة مع الآخرين !،مررت من جنبه أسترق التحديق  إليه ،فتحامى النظر إلي عندما تنبه لوجودي ،إنه الآن بجواري يومئ برأسه إيماءة استياء من مضيي بجواره.     إرحل عني،لا أريد نقودا منك،اتركني وشأني ،هذا ما فهمته من نظراته حينما التقطتها و استطلت التفكير فيها زائغا ببصري في اللاشيء،،،،،ستلبث  لوحدك  ،وما الغريب في تعبيرك هذا؟،فقد جئتَ لهذا العالم وحيدا،و ستمضي وحيداً!،فكّرت مُلتقطا قطعة حجر من الأرض بصوت خافت أسمعه وحدي مُتبعا في نفسي منقلا بصري بين الرجل بجواري وقطعة الحجر في كفي  ثم محَدقا فيه ،ما الفرق بينك و بين قطعة الحجر هاته! ،ثم ما لبثت وجدتني أفكر ناظرا إلى عباب البحر في أعماقه"البحر"، في حقيقة كون الإنسان أخبث كائن فوق سطح هذه الأرض ..._______



اقتصاد المدينة : 

يعتمد اقتصاد سيدي إفني بدرجة أولى على "مرسى الأسماك" المتواجدة قرب حي المنطلق ، باعتبارها منهلا ينفث  ثروة مهمة من السمك بالمدينة ،إظافة إلى كونها تخلق عددا مهما من فرص الشغل لشبابها، غير أن احتكاكنا الميداني بعمال المرسى سوف يتأكد لنا منه أن، جلّ  العاملين في المرسى مستغَلين في عملهم المنتج للثروة السمكية داخل ميناء سيدي إفني إذا ما انطلقنا من وضعيتهم الإجتماعية مقارنة بالمداخيل المالية التي يجنيها أصحاب رؤوس الأموال ،هذا ناهيك عن   المحسوبية و  الزبونية القائمة بين أصحاب مراكب الصيد  ، وبعض العمال الصغار كوسيلة لإخضاع باقي العمال و ذلك بتأثير المَرشيين منهم عليهم ضمانا لاستمرارية العملية الإنتاجية ،،إلخ،،،هذه العملية التي تتم من خلال تحالف رجال الأعمال "أصحاب مراكب الصيد " مع "المخزن السياسي" بعمالة سيدي إفني ، رجال الأعمال هؤلاء الذي هم في الغالب  من خارج  إفني،خاصة من أكادير ...



فرص الشغل المتوفرة لشباب المدينة،ليست في "المرسى" فحسب،كذلك في المطاعم والأسواق ،و لاسيما في المقاهي ...بحيث أن أي مشروع يفكر فيه أي واحد له رأس مال يصل إلى 200 مليون سنتيم ،هو المقهى، إذ المقاهي كثيرة جدا بسيدي إفني وهي دائما ممتلئة عن آخرها ...فرص الشغل أيضا تتوفر في قطاع النقل وسط المدينة و منها إلى خارجها.. بداخل سيدي إفني وسائل النقل لا تنحصر فقط في عربات الأجرة المرخصة والحافلات، و إنما أيضا في عربات السلع "الهوندات" التي تُنقل البشر أكثر مما تنقل  السلع ..

السياحة : 

... بالنسبة لقطاع السياحة بسيدي إفني ،يتوافد عدد من السياح على المدينة و لاسيما من الإسبان ، حيث أن للعديد من الإسبان علاقة حميمية مع سيدي إفني و معالمها التي بناها أجدادهم ،سياحتهم هنا التي لم تبدأ منذ سنوات قليلة،بحيث على الأغلب يتوافد الإسبان، لكن المشكلة الحقيقية بخصوص السياحة هي أن سيدي إفني لا تتوفر على تجهيزات سياحية مهمة تمكنها من استقطاب سياحا كثر و ذلك حتى تتمكن المدينة من إدخال الأموال على ساكنتها و توفير فرص شغل لشبابها هذا في الوقت الذي تتوفر فيه سيدي إفني على مؤهلات سياحية لا يمكن نكرانها "الجبال و روعتها ـ شاطئ البحر، الساحل ـ الهواء النقي ـ الهدوء ..." ،إلا أن الإلمام بفهم قطاع السياحة هنا يستدعي منا القول بأمر مهم ،و هو ،أن  قدوم السياح للمدينة "خاصة الإسبان"،لم يعد في الأعوام الأخيرة،  يرافقه  انتثال نفس حجم الأموال التي كانت تُصب  في جيوب القطاع الخاص بالمدينة ،ولكي نوضح الأمر عميقا ،نقول، أنه ، بعد الأزمة الإقتصادية العالمية، لم يعد السياح ينفقون المال كثيرا بسيدي إفني ،و بالتالي لم تعد هذه الأخيرة تستفيد كثيرا من السياحة مثلما كانت تستفيد قبلذاك من ذات القطاع ،السياحة في سيدي إفني المُتسمة نُقر بطابع الموسمية لشهور محددة في السنة ...

بالنسبة للفلاحة بإفني ، فهي تستقر كحقول للزراعة و بيوت حقيرة لتربية الخرفان و الأبقار بجوانب و أطراف المدينة لاسيما في القرى الصغيرة  المحاذية للمدينة و القريبة من مدخليها الوحيدين، في سفوح الجبال و في قممها ،بحيث لا تدر هذه الأنشطة الفلاحية  فوائد مالية على أصحابها و ذلك راجع لضآلة هاته الأنشطة وإنتاجيتها ،هاته الأنشطة المعيشية يمكن القول التي لا تفعل عدا أنها تسد رمق الناس من دون أن توفر لهم أي دخل زائد يمكن أن يستزيدوا به في حياتهم...

 المساحات الخضراء بسيدي إفني : 

التحدث عن المساحات الخضراء بسيدي إفني يكشف بجلاء المستوى الذي وصل إليه إقصاء المدينة على مر أزيد من أربعة عقود من الزمن ، بحيث أن كل المساحات الخضراء  المتواجدة بهذه المدينة المحكُورة بامتياز، شُيدت من طرف الإسبان ، إذ و لا حديقة واحدة تستقر بسيدي إفني بنتها السلطات المغربية لا المنتخبة ولا المعينة، لتبقى المدينة تقبع في جو من النقص من المساحات الخضراء لاسيما و أن الحدائق الوحيدة التي بنتها إسبانياوالتي لا تتجاوز الأربعة حدائق هي التي بقت إلى حدود اليوم !.. 
حديقة ساحة الشهداء ،الحديقة القريبة من الحفرة ،الحديقة القريبة من  ملعب دخلة كلميم : كانت في القديم تحتضن بعض الحيوانات الأليفة ،و أخيرا،الحديقة القريبة من المسجد القديم..
الإستجمام و الترويح في سيدي إفني ،إما أن تقتعد لك مقعدا في مقهى، أو تجلس في حديقة من الحدائق هذه التي تركتها إسبانيا ،أو تذهب إلى الشاطئ ...



لماذا تهميش الدولة لمدينة "سيدي إفني" ...   : 

في سيدي إفني الفاقة تتعاظم بلا حدود، تنخر الأجساد و تسلب "الكرامة" ،في سيدي إفني أجساد مهترئة  يقطنها الموت بجوار الحياة، هناك رمقتها نعم في أكثر من شارع وزنقة مستلقية فوق الأرصفة في انتظار لاشيء،    هنا الحكرة  في أعمق معانيها ، هنا سيدي إفني التي  تعيش  ،وضعية أكثر من  كارثية وعلى جميع الأصعدة ،ولا نقاش في ذلك،  فالمدينة لاشيء فيها سوى ما تركه المستعمر الإسباني ،ماذا بنى المغرب منذ 69 غير شيء ظئيل .. لاشيء يذكر تقريبا،،،غير أنه كلما استفسرت  أثناء تواجدي بسيدي إفني إفنيويا عن أسباب الوضع المتأزم للمدينة صرخ في وجهي بكلام كثير في تبريره لواقع التراجع بالمدينة هذا ،  عن الإنتقام و التآمر من لدن المخزن ضد قبيلة آيت باعمران ...
من الكلام الذي يروج بين الإفنيين فيما بعضهم البعض حول ،واقع "تهميش المدينة التاريخي" منذ سنة 1969 "عام استرجاع سيدي إفني" إلى يومنا هذا ، هو أنه لما اندلعت مقاومة أهل الجنوب بقيادة الشيخ ماء العينين ضد الإحتلالين الفرنسي و الإسباني ،،،في أول الأمر حقق الشيخ ماء العينين انتصارات عليهما بفضل مساندة القبائل التي مر بها"من بينها و أهمها قبائل آيت بّا عمران "  إلى أن وصل مراكش حيث دارت معركة فاصلة "سيدي عثمان" ،غير أن خيانة قواد المخزن القائمين على قبائل الجنوب و تحالفهما مع الإستعمار ضد المجتمع، أجهض مقاومة الشيخ ماء العينين  و أدى بها إلى التراجع نحو الوراء "السمارة" ، و من هنا فإن السلطة المركزية أثارت هذا المشكل بعد 69 سياسيا، ففي الوقت الذي كان يجب أن يحاسب المخزن على خيانته للمجتمع و للوطن ،عوقبت ساكنة المدينة و ما زالت تعاقب إلى اليوم بتهميشها اقتصاديا و الحلول دونما تحقيق التنمية بين أبنائها... كما أن هناك رواية أخرى لا تلبث تنقشع البتة من أفواه الكبير و الصغير من الباعمرانيين ،تحديدا منهم ،للأسباب الكامنة وراء السياسة الإقصائية الكبيرة  التي تنهجها الدولة المغربية ،ضد سكان سيدي إفنى ،و هي الرواية التي لها علاقة بالرواية الأولى،وهي، أن زعماء و شيوخ قبيلة اباعمران الذي سبق أن اضطهدهم المخزن وقت الإستعمار الفرنسي ،ظلوا رافضين للحكم السياسي الملكي ـ المخزني حتى بعد خروج إسبانيا سنة 69 باعتبارهم إياه حكما خائنا للمقاومة و للوطن ،حيث  وصل الأمر إلى درجة التطلع إلى اغتيال الملك "الحسن الثاني" ،وهذا المشكل بالضبط هو تلك النقطة التي أفاضت الكأس ،و أغضبت الحسن الثاني ،و جعلت النظام يدخل جديا في بلورة تخطيط مستحكم لتهميش أبناء و أحفاد الباعمرانيين الثائرين بإقصائهم من كل سبل العيش  في جميع الأصعدة ...




أسواق سيدي إفني : 

تتوفر سيدي إفني على أربعة أسواق مهمّة  ، تبث دينامية تجارية غير مهيكلة لايستهان بها  في المدينة بحيث تتوفر العشرات من فرص الشغل الغير القارة للشباب هنا و للشيوخ ،،إلخ،هذه الدينامية التجارية التي ليس إلا أنها تسد رمق العيش "اللي تجمع فالنهار يديه الليل " ،، ،الأربعة أسواق الكائنة  بسيدي إفني هي كالتالي: 

 سوق "السبت و الأحد":
هو عبارة عن سوق ، يضم  مجموعة من باعة السلع من كل صنف ،باعة الملابس القديمة على الأفرشة،أصحاب عربات الخضر و الفواكه ، باعة الأجهزة الإلكترونية المُستعملة ،،،إلخ.. السوق يبدأ كل يومي سبت و أحد انطلاقا من الساعة التاسعة صباحا و ينتهي مع أفول الشمس ،التجار الذين يأتون إليه يتوافدون من  مناطق أخرى تقع خارج سيدي إفني ،الخضر و الفواكه التي تأتي لسيدي إفني تُستقدم من أكادير ،،،إلى جانب حركة السوق الكثيفة لتجار   الملابس  و الخضر و الفواكه و الأجهزة الإلكترونية و ...، يجتذب السوق أيضا مجموعة من "المُهرِّجين" الذين ينزوون إلى جانب الباعة و ينخرطون في تجسيد عروضهم المُضحِكة وكذلك المُثيرة "من حين لآخر حلقات رقص الأفاعي"  ،وذلك لإضفاء طابع الفرجة على السوق ... 

سوق "كولومينا"  :
يشتغل هذا السوق  كل يوم إثنين حيث ،أن المزاولين لأنشطة التجارة في سوق السبت و الأحد المطل على الشارع الرئيسي للمدينة ،ينتقلون لإتمام نشاطهم التجاري إلى سوق كولومينا قرب مدرسة النهضة..

سوق "الجوطية" : 
هو تجمع من الدكاكين ، يبيع أصحابها الخضر و الفواكه بشكل يومي،يشتغل فيه شبان و شيوخ و نساء،تتدلى سلعهم ضعف مساحة حوانيتهم للخارج ، يعتبر السوق الأساسي لبيع  الخضر و الفواكه بالمدينة... 

مارشي الأسماك بشارع الحسن الثاني :
سوق كائن قرب ملتقى شارع الحسن الثاني مع شارع محمد الخامس ،الأسماك التي تباع لزبائن السوق هذا يؤتى بها للسوق من المرسى ،عملية بيع الأسماك للناس تتم كل مساء،إذ  الصباح هو وقت محدد لجلب الأسماك من المرسى،  بيع السمك داخل السوق شيء يتم بشكل يومي عدا يوم الأحد فهو يوم عطلة،لا بالنسبة لباعة السمك و لا لعمال المرسى ...




نحن الآن و عقارب الساعة في معصمنا  تشير إلى التاسعة و النصف ليلاً ، بقلب حي تامحروشت ،بالتحديد  قرب مسجد أبو بكر الصديق ،حي تامحروشت الذي قدمنا إليه في حافلة ربع سقفها مُقتلع لحتى في مقدورك أن تنظر لنجم ما يتلمع في  السماء من خلال رفع رأسك  لسقف الحافلة،أنظروا  الكارثة!،  و هاهو الآن جوفها المتآكلة صباغته  يهتز في حدة  بعويل ينفثه محركها يململ الركاب من مقاعدهم،الشارع الذي نحن فيه على مدى تسريح البصر في ضوء خافت منبجس من جانبيه  من أبواب الحوانيت  وسترات النوافذ، محفرة طريقه غير مرصوفة  بكآبة لا ريب أنها  تخفض  معنويات السكان هنا ،كل أزقة ودروب هذا الحي كذلك وضعاً وحالةً، لا طرق معبدة ولا مصابيح للإنارة ولا أي تجهيز يثيرك في تجولك بين زقاقه ،،،تنحيتُ إلى درب مظلم عن آخره ،أتمشى ببطء على أرض حصباء أنظر فيما حولي في مَسيري ،نوافذ مساكن تهجع في ظلام شبه مطلق ، تنبعث منها أصوات نشرات إخبارية ،جذبت الولاعة من جيبي ضغطت على زرها مومئا برأسي ناحيتها  في صمت مطبق " طق طق ..." لمع وجهي على نفتثها اللهيبية، ثوانٍ ولم يبقى سوى الطرف الأحمر للسجارة يضطرب في الهواء مزركشا في أديم   الليل الداكن المخَيم بثقل على  الزقاق إياه ،،،استوقفت كهلاً بقرب جامع  أبو بكر الصديق الذي عرجت إلى شارعه  مشياً بعد قضائي ساعة ونصف الساعة في أحضان هذا الحي ،سألته مومئا بسبابة يمناي إلى حفرة كبيرة بجانبنا : لماذا حيكم مهمش لهذه الدرجة ؟أجاب والحسرة تندلق بغزارة من عينيه: دائما سيدي إفني على هذا الحال  ! صمت قليلا ثم تابع بحركة عصبية من يديه  وكاتب هذه الأسطر يصطنع حدما استطاع  وجها متعاطفا معه : إسمع يا أخي !  لاشيء في هذه المدينة شُيد ،سيدي إفني اليوم هي سيدي إفني قبل سنين ،وبنبرة يتخللها معنى الضياع : ،،،وهي سيدي إفني الغد !  ،،،أومأت برأسي إيماءة تفهم  و ودعته بقبضة حارة من كفي حاثا الخطى بعد ذاك  و الهواء النقي للمدينة يهب في وجهي نحو الفندق ..





التساقطات المطرية الكثيرة جدا، التي انهملت على سيدي إفني الصنديدة،مؤخرا "2014" و التي باحت بجلاء بواقع تردي البنيات التحتية و قصورها الكبير وما نتج عنه من خسائر مادية و بشرية،لا يجب إطلاقا أن يقصينا"يبعدنا" و يعمينا عن واقع ،التعسف و الإقصاء المتماديان اللذان انتهجتهما الدولة المغربية منذ 69 إلى اليوم ضد هذه المدينة..   لقد بات من الوضوح الساطع القول، بأن ساكنة "ابا عمران" لديها مشكل حقيقي مع الحاكم  الفعلي في هذه البلاد ،فعلى الرغم من أن العوامل الفكرية و التاريخية المنتجة لأسس تحقيق قفزة نهضوية تنموية حقيقية لمجتمعنا لم تتحقق بعد، إلا أن مجموعة من المناطق و  في الجنوب حتى، نالت حظا وفيرا من المشاريع التنموية التي يفعلها الملك و حاشيته ،إلا سيدي إفني،نعم ،إلا هذه المدينة ... 




إسمع يا عامل سيدي إفني !   فلتسمع أيضا الأجهزة الأمنية و القوات المسلحة الملكية! ،،،إن ما اقترفه رجال أكثرهم بتكوين عسكري سنة 2008 بأبناء سيدي إفني ، من إهانة لم تمارس شبيهتها في جميع الإنتفاضات التي عرفها المغرب في زمن حكم الملك محمد السادس ،لن تثني الباعمرانيين عن الإستمرار في "الصراع" مستقبلا، من أجل انتزاع حقوقهم الأساسية في الحياة، مدينة كسيدي إفني تمتلك مؤهلات شتى، سكانها يجب أن يعيشوا في الرخاء و الأمن يجب أن يحمي حياتهم، لا أن يعيشوا مُعدمين يتخبطون في الفاقة الكبيرة ،و أن يُلطموا بعصي الأمن و يُركلوا بأقدام العسكر الخشنة...



وأخيرا...، فما  يمكن استخلاصه ،من كل ما قيل و سوف يبقى يقال طبعا، هو أن هذه المدينة الصغيرة التي حبتها الطبيعة بنعمة في غاية الأهمية ،ألا و هي أنها مدينة ساحلية تنعم بخيرات بحرية مهمة إظافة إلى عليل هوائها و خلوه من عوامل التلوث أيضا هدوئها و طيبوبة أبنائها و كرمهم ،تحتاج اليوم قبل غد، إلى تخطيط تنموي جدي مستعجل هادف للنهوض بالأوضاع المحلية الراكدة هنا في جميع المستويات ،  من أجل خلق فرص الشغل لأبناء الباعمرانيين و تحيين دينامية ثقافية و فنية بينهم ترتقي بكياناتهم،وذلك حفاظا على "الكرامة" و إنسانية الإنسان بمدينة من أجمل المدن المغربية هيَ في الواقع.. إنها ،سيدي إفني.. 




السبت، 15 نوفمبر 2014

" المَدِينة العتِيقة " لمَدِينة طَنجة ... قَلعةٌ سِياحية ساحرة تكتنفها أصرخ الفوارق الإجتماعية








خَلدُون المسناوي


مدينة طَنجة ،مدينة حيّة و صاخبة بالحياة ’ و شلال متدفق بلا انقطاع بالمعنى  ، إنها طَنجة التي تجتذب على طول الحول تعداداً مهما من السياح من داخل الوطن  و من خارجه.   طَنجة تسأل عن مزاجها ’  بلا تردد..  :   مُتكبرة. طنجة أعماقُها حيوات مرئية للنفوس الشاعرة. طنجة عمقا تسمو دائما و بإلحاح نحو التّأندلس.  تُطارد البؤس والغبن. الطنجاويون مُأَوربون . أوروبا تُنادي طنجة في كل جزء المائة ، طنجة تتسمع, تستثير للنداء ،طنجة أوروبا بقدر ما يغمرها صوت نداء الأندلس ! .. معا طبعا’سنجول بقلب زقاق "المدينة العتيقة"  لطنجة ،و سنتعرف على أنحا ئها و اختلالاتها وكذلك نستشف قيمتها السياحية والتاريخية كمنطقة وحدها تجلب عددا لا بأس به من الزوار الذين تبهرهم جمالية المنطقة و بهائها  بما تزخر و تعج به  به من تراث ...و ،بما تكتسيه من سحر أوروبي منقطع النظير وبما هي منطقة مشرفة على منظر امتداد البحر اللامتناهي و زرقته الهادئة الجذابة تمخرها السفن الضخمة  القادمة من ضفة أرض الإفرنج, بعكس المدينة القديمة بفاس مثلا أو مكناس أو... إلخ..




)))"... بعد ساعاتٍ من السير ليلاً، وصل القطار  محطة القطار طنجة،،، ودّعت بتقدير  مكسيكيةً و أمريكيًا في مقتبل العمر تجالسنا على طول مسافة السفر"سلا ـ طنجة" نتناقش الأوضاع في العالم ، وهممت للنزول من القطار   ،،،شددت قامتي و اندفعتُ في خُطىً سريعة في زحمة  المسافرين المغادرين للمحطة، من بابها   إلى عربة  من عربات الأجرة  الراكنة قرب  مدخل المحطة، و باشرت مومئا رأسي سائقها المتهالكِ مُغمض العينين مائل الرأس على مسند المقعد   أمام عجلة القيادة من زجاج النافذة الجانبية المُنزل للنصف،  بالحديث :المرسى القديمة من فضلك. حك عينيه قليلا  ثم تمطط مادا ذراعيه عن آخرهما جانباً لثوانٍ قائلا مُرخٍ ذراعيه للأسفل بفتور بصوت منفعل يستدر به الإسراع في ركوبي  : ـ إركب إركب  .استدرت ناحية الباب الأيمن الذي انفتح للحال من الداخل من لدنه ،و انحشرت داخل العربة باسطا حقيبة السفر فوق فخداي في إعياء ملح من مفاصلي.. وصلت سيارة الأجرة قرب المدينة القديمة بعد دقائق من السير،نقدت سائقها عشرة دراهم كما بين لي العداد و نزلت مصفقا الباب ورائي ،،،عبرت الطريق  بين السيارات المارة بتثاقل من محج محمد السادس ، وتقدمت بخطى تابثة مستحوذا بقبضة صارمة بيسراي على  حقيبتي بضع مسافة نحو عقبة "صلاح الدين الأيوبي" ،،، في برهةلاح يافع متسخ الهيأة من يساري ، ينظر إلي ، أنظر إليه ، نتناظران على إشعاع أصفر خفيف  منبعث من شمس منتصبة في سماء الشروق  ، دنوتُ منه و حييته باللسان ،ثم استطردت في استفهام : فندق رخيص ... قال و هو يشير بيمناه المتسخة و يصوب بعينيه اليائستين  ناحية" باب ميريكان " : إصعد ذلك الدرج و اسأل ستجد فنادقا بتلاثون درهما لليلة ... لا زال يرشدني الى الفندق مرت امرأة من جانبنا في أكثر من  الأربعين من عمرها "سمعتها تتكلم اللغة الاسبانية"،أثارني  "عنقها المغضن" جنسيا حتّى انتفخ قضيبي إلى عشر انتصابه الكلي  !،استعطفها أمامي،فأعطته ورقة خمسون درهما مكرمشة .. طار بالفرحة، حيث هاهو أمامي يحدق بعينين لامعتين بالبهجة في الورقة النقدية المكرمشة  في كفه ويفردها على طولها ثم يقلبها بفرحة في محياه وكأنها ورقة التأشيرة إلى بلد اسكندنافي! ،انقض متشردين اثنين عليه للتو يتنازعانه على ورقة الخمسين درهما تلك، دفعه أحدهما في صدره بقوة حتى سقط على دهره متفوها المرة تلو الأخرى في تهديد ممعن "هاتِ الخمسين درهما لِدينِ أُمِك يا ابن الفاعِلة ..."صرخت فيهم وفي داخلي أصرخ في وجه المجتمع كله  : : كلكم أولاد الفاعِلة... أيها اللصُوص...!  ...تركتهم تلاتثهم يتعاركون هناك   في صخب، وأكملت طريقي ،،  باحثا عن الفندق...")))




السّاعة الآن تشير الى الثانية عشر ليلا، رياح الشرقي قوية ترتعش بفعلها الكراسي والموائد ، حتى تكاد تُطير كراسي المقاهي والمطاعم من حول بصري،المكان مقهىً  قرب المركز الصحي  أمام كافتريا :  "" بساحة 9 أبريل ،الساحة تتوسطها نافورة لا تنفث مياها طيلة اليوم بحكم كونزوارها يقتعدون حافتها الدائرية المحيطة بها بعد امتلاء الكراسي العريضة المتبثة في أرضها و امتلاء مساحات العشب الاخضر المكسرة بالممرات الاسمنتية ، الساحة ليست  مساحة للتنزه و الاستجمام فحسب،كذلك هي فضاءيتدفق إليه باعة الفراشة و الحلويات و الهواتف النقالة طلبا للقمة اليوم،،، وسط الساحة تنتصب نخلات " بعلو 13 متر تقريبا " تبهج البصر و أعمدة سامقة تلاثية المصابيح متناثرة على الساحة تشع ضوء ًا مهتزا يميل الى الاصفرار ،،،زلفتُ ناحية النافورة و مسجد سيدي بوعبيد أمام عيني بساعته المتبثة في أقصى يسار واجهته الرئيسية أبصرت في العقارب مرور ربع ساعة على مجيئي هنا ثم تهالكت بظهري على جزء فارغ من العشب عاقدا كفيّ وراء رأسي مُسرِّحاً بصري فيما حولي، عربات الأطفال تنبثق هنا و هناك ،أمهات تنحنين على عربات الباعة  تقتنين  الحلويات لأطفالها ، يافعون يهزون العجلات الأمامية لدراجاتهم الهوائية وجوههم تُشع الغبطة و عدم التجربة، نقلت بصري بين الأطفال طويلا  ،فاسترجعت  لتوي موقفا كان قد وقع لي مع امرأة حول ابنها فيما مر من الزمن، و عمري إثناعشر سنة أمام باب بيتنا ،قرصتني امرأة فيفخدي قائلة لي في تأنيب  أني "أشلقم" في ابنها ذو الأربع سنوات حينما أقبله في خده أمامها ، كنت بالأيام قد علمت أنها دفعت بكذلك اتهام جائر من جارة لها أمقتها إلى اليوم ،اللعنة عليها واللعنة على ابنها و على "القوا.." الأُخرى التي شحنت لها أذنيها ..


تسللت من هذا الإحساس الجاف الذي سيطر عليّ بسجارة أشعلتها، وترجلت أنفث بين الآونة و الأخرى دخانا نَافِخَهُ بشيء من العصبية من وجهي  متلافيا المارةفي سيري نحو باب الفحص ...





توقفت قرب باب الفحص المقوس المطل على ساحة 9 أبريل ،انسللت من بابه الجانبي الأيمن الضيق من بين امرأتين باحتكاك طفيف  لطّف عصبيتي!  وانعطفت من زنقة "ايطاليا" قاصدا مقهى "ك..." جلست و،طلبت حليبا ممزوجا بالقهوة ثم جذبت من جيب قميصي "سجارة محشوة"وأشعلتها للحال ،،بعد برهات جلس شخص على مقعد بجانبي"يساري"  مرسل الشعر إلى القفا، أسمر البشرة قوي البدن واسع العينين حاد نظراتهم،عادي الملبس لن يفوق عمره خمسة وعشرين سنة مهما كان ، لم يطلب شيئا وكذلك لم يطلب منه النادل الذي مر بجانبه مرات أن يطلب شيئا !،في لحظة مال برأسه نحوي وقال و التذمر يتدفق من عينيه بشفتين زرقاوتين مرتعشتين : لْخوا شي جْوان تمة ماعندكشي ؟،،،أجبت مسددا بصري بمودة بين عينيه بلهجة مرحبة لكن بنبرة تعمدت أن أشيع فيها شيئا من التمنع :ستُدخن ستُدخن معي ،،،أدار وجهه وسكت ... مررت له السجارةالمحشوة بعد إنفاذي نصفها فالتقطها ،كان الوقت ليلا و النوم قد أثقل علي ،وقفت،حييته بِفَمِي دون أن أتنبه إن كان قد رد مومئا برأسه أو هازا يده أونابسا بشفتيه !! و انصرفت شاردا إلى الفندق ...بعد ظهر يوم الغد جلست في نفس المقهى .. أتلفت إلى النادل  بصينيته يجول الموائد رافعا يديَّ مُطئطئا رأسي ناحيته عله يجنح ببصره نحوي،،. إلى أن انبثق بغتة متسول شيخ متهدل الجسد بوجه فلاح أمامي ، يشع نظرة جافة مُستعطفةً من عينين ضيقتين مادًا يده نحوي،قلت : الله يرزق ،قال متماديا في استجدائه :درهم فقط يا بني, لدي أطفال!،أضفت بحركة دائرية من كفي في إشارة إلى قاعة المقهى :لو كان بيدي لملكتك هذه المقهى،صدِّقني ! وأضفت في لهجة آمرة : هَاهْ وأنا لست إبنك، إبنك هو أي واحد من أطفالك!  ثم ،أشحت عيني من وجهه وتجاهلته معتدلا في مقعدي بالشكل الذي لا أواجهه، فأردف بصوت يرن بكل ضروب الحقد و الصفاقة : سيماهم على وجوههم! كرهته بشدة  لكني لم أُجِبه ، أظاف في سخرية :مِسكين يحتاج للعلاج ! ،،،وقفت مهتاجا و قد استحالت يداي قبضتان من الغضب وقلت:عَّجوز! شهور يا ابن القح... أتشرد أحمقا في الشوارع حتى أبواب بيتي بعتها بعد أن بعت كل اتاثه كي أوفر  الزاد لأعيش, شهور عرفتكم جيدا من تكونون ،بات علي أن أقول لكل من أصادف، إياك أن تُصدِّق هرائهم! عيون المارة تتجه نحوي الآن أتكلم وحدي لأن المتسول الجريء! زحف من أمامي ...تهالكت ،هززت رأسي نحو السائرين أمامي في لامبالات من أمره و رحت مستعذبا الشرود فيهم و في بعض العربات التي ها هي تزحف أمامي  ببطء من زنقة إيطاليا..




فجأة كفّ تمسكني في ذراعي من الخلف،استدرت مفجوعا  ناهضا من المقعد ،إنه هو ، "مصطفى" كما قال لي بلسانه ليلة البارحة ،تسالمنا باليد،ثم تقهقر  الى الخلفحانيا رأسه داخل قاعة المقهى و انزوى في مائدة وحيدا لا يبسط فوقها شيئا...
ناديت على النادل لأنقده ثمن القهوة لأغادر ،لم أعي إلاّ و "مصطفى" قربي حينذاك،جلس بجانبي وقال : أستذهب؟. إلى أين ؟، إجلس إجلس أريد ان أحدثك ،كان يتكلم وعيناه تشع كل معاني الإحتيال ’ثم استطرد في كلامه بعد أن ارتشف مما بقي في كأس القهوة المحطوط أمامي على الطاولة و ازداد بكتفه التصاقا بكتفي : عندي ما يصعد الى السماء،،ثُم دس يده في جيبه و أخرجها مليئة بأربعة أقراص مخدرة مختلفة الصنف ، و انخرط يتكلم لي على الصنف الذي يحارب الاكتئاب تم الذي يجعلك مسرورا تشعر بالسعادة تم الذي ... ،تم أدخل يده الاخرى في الجيب الآخر و جذب قارورتين طبيتين صغيرتين من صنف لاروكسيل ،و قال بشيء من الإنفعال وهو يشد عليها بقوة وكأنه يتولى تحطيمها بيده : هذه، تقطر 10 قطرات في كوب للماء تحس نفسك طائرا ... قلت : هل ما معك هنا للبيع؟ ،أجاب : لا كل مامعي الآن مباع ،ولكن إذا أردت شيئا منها نذهب الى مكان محدد هنا في المدينة القديمة و نقتنيه ،،، ثم بادرني بجرأة أحسستها كسيطرة المرأة  في علاقة حميمية علىالرجل ! : كم عندك من المال ؟! ،قلت بلهجة مستسلمة وكأني موافق على صفقته : مائة درهم. حك ذقنه وقال و وجهه يلمع بآمارات التفكير : سأنهض و سأمشي في هذا الاتجاه وستتبعني بين الأزقة،إتفقنا. قلت في تردد مبعثه الحذر : اتفقنا. ختم كلامه بعبارة "الطريق قصيرة " و انتفض واقفا و مشى أمامي،ما أن بعد عني بضع أذرع حتى وقفت و مشيت في إثره ،،إلى أن دخلنا زنقةً متعرجة من الأزقة المحاذية ل "السوق الداخلي" ،و كاتب هذه الأسطر متأنق شعره يلمع يستطيل النظر "داخل الزنقة" في فتاة جميلة الوجه واقفة أمام عتبة منزلهم، و يتأمل قوامها الممشوق وشعرها الأصفر المسترسل وراء ظهرها وهي تبتسم له مستهيمة به في تحديقها له !. و ها نحن سائرين بين باعة الفراشة ثم دالفين زقاقا آخر ،حتى انتهينا الى درب ضيق يؤدي الى باب حديدي بال ... طلب مني "مصطفى" أن أمنحه المائة درهم فرفضت ، انتشرت علامات القلق في تقاطيع وجهه ثم قال : إنتظرني هنا ريثما أعود،لن أتأخرّ . خطا نحو الباب تعداه ثم توارى وراء جدران البيت، عاد بعد قرابة دقيقتين و طلب مني أن أدخل معه الى البيت إياه ،رفضت بشكل قاطع. كنت قد دخلت فيما مضى الى منزل تاجر "كيف" بالمدينة العتيقة لسلا ووجدت فيه شخصان، واحد يقص الكيف فوق جذع شجرة ، و آخر مجنون يهذر، يشوي السردين على موقد صغير ، ما إن رآني حتى هاجمني ب"الشواية" في يده ، لم أخرج من المنزل إلاّ بجهد جهيد و بعد وقت ! ،استرجعت منه ورقة المائة درهم وتحركت من المكان ...اختلست الطريق ل "ساحة سوق الداخل" من زنقة مدينة سلا ،فوجدتني أمام "مقهى سنطرال"،خففت خطواتي منقلا بصري في أنحاء جوفها"المقهى" ،جرت بصري من خلال زجاج المقهى صورة للكاتب الأمريكي الوجودي العملاق "بول بوولز" معلقة في الجدار ، تقدمت في السير واتخذت مجلسي على كرسي بداخل مقهى "طنجيس" قرب مقهى سنطرال،،،الأقراص المهلوسة المسموح بيعها بداخل دروب المدينة القديمة بطنجة ليست فقط تباع لأبناء المدينة القديمة بل إن هذه، منبع من المنابع المهمة لها في طنجة كلها كما تحققنا من ذلك بعد تأكدنا من أن جحافل من الشباب تزحف على المدينة القديمة يوميا لاقتناء هذه الأقراص المهيجة...معلوم ان التعاطي للحشيش في المدينة القديمة كمافي طنجة كلها، شيء عادي و مألوف في المقاهي كما في نواصي الشوارع و الأزقة كما في عتبات المنازل ...الخ ، لا يمنع استهلاكه رجال الأمن..فالكل يعيش في طنجةعِيشة:عِشْ وَ دَع غيرك يَعِش.إذ لا يمكن إطلاقا مقارنة التعامل الأمني إزاء المخدرات مثلا الذي بطنجة مع الذي بفاس ،،،في فاس قد يصل الأمر لفافة "زيك زاك" قد تؤدي بك إلى 24 ساعة من الحراسة النظرية!،في طنجة تَحشش و لا تُعربِد،وإن عربدت تُقبَض  في ثوان غير ان من التعاطي للحشيش تدخل دراهم مهمة من أجانب على طنجة ،بحيث تستهلك كميات مهمة من الحشيش من أوروبيين و مغاربة من خارج طنجة في فصل الصيف عند قضائهم لعطلهم ...




في زنقة "عقبة" صلاح الدين الايوبي ،بالتحديد قرب المدارة المتواجدة في الزنقة نفسها، يتواجد سوق الأسماك الموجه لسكان المدينة القديمة لطنجة ، السوق يعرف رواجا لا بأس به على الرغم من أن الأسماك تباع أيضا خارجه على قارعة الطريق في بعض الزقاق ، بجانب السوق هذا تقوم ساحة واسعة تستشف من إجالة بصرك في أنحائها ،معالم حديقة لسكان الزنقة المذكورة "الحديقة تقع خلف السفارة الأمريكية القديمة"،لكن في الحقيقة المدينة العتيقة لطنجة تعاني خصاصا هائلا بخصوص المساحات الخضراء ،خاصة إذا قارناها بالشجيرات المكتسحة للكورنيش القريب منها و الجو الأخضر الرائق المكتنف له بحيث لا يمكن تبرير ذلك بضيق الأزقة إذ من الممكن تأهيل أزقتها بالمناظر الخلابة على الرغم من ضيقها،هذه الساحة التي يجب تأهيلها اليوم قبل غد ، مخصصة لمتشردي المدينة ،مخصصة بالتدقيق لاجتماعات خاصة بهم يقومون بها يتحادثون فيها عن محاصيلهم من التسول أو لعلهم يتقاسمونها،،،المتشردين في المدينة العتيقة بطنجة ليسوا هم متشردوا المدينة العتيقة لسلا أو أو أية "مدينة عتيقة" لا تدبها حيوية سياحية كالتي مثلا تتخلل المدينة العتيقة لطنجة،فالتدفق المهم للسياحة على هذه الاخيرة طيلة العام و خاصة في الصيف يرخي ظلاله على كافة سكان المدينة العتيقة بما فيهممتشرديها!، متشردي المدينة العتيقة بطنجة متحدين!، لا يسمحون بمتشردين من خارج المنطقة في أرضهم !،"الإجتماعات" بالساحة الملتصقة بسوق الأسماك ! ، والسياح الإسبان و الفرنسيين القادمين للمدينة العتيقة بطنجة على طول العام أهم مصادر للمال في عالم تسولهم بالنسبة لهم إذا وصلت إلى المدارة القريبة من ساحة الحديقة المذكورة في صعودك من عقبة صلاح الدين الأيوبي،إما أن تحث خطاك فوقاً إلى "السوق دبرا" ،وإما أن تُعرج الطريق يمينا من الزنقة المحاذية للمقبرة اليهودية "زنقة البرتغال " في اتجاه "باب ميريكان" المؤدي إلى مقر السفارة المشار إليها "حاليا مبنى تاريخي"،و إما أن تطلق رجلك يسارا ناحية سوق ضام لدكاكين المواد الغذائية
الحركة طيلة اليوم مستأنفة على أرض مائلة ،،،باعة يبيعون و متسوقون يقتنون و سائقوا عرباتٍ ودراجاتٍ يزحفون





الالتواء على أقدامنا ببضع أزقة بالمدينة القديمة بطنجة قادنا  الى مكان يسمى ب: " دار البارود " ،عبارة  عن برج تاريخي واسع موضوعةفي نوافذه مدافع بالية يطل على مسجد "أبو الحسن" و أشغال بناء الميناء الجديد من ناحية الطريق المؤدية الى الشاطئ ،المكان جميل من الناحية التاريخية و هو المكان الذي يبت و يُشيع المعنى العسكري في قلعة المدينة القديمة هذه المنطقة الرائعة الجذابة، غير أن مشكلة هذا المكان بصرف النظر عن عدم الإعتناء بمرافقه بالكيفية التي يستحقها مكان تاريخي مثل هكذا مكان ،هو أن الدخول الى " دار البارود " مسموح بالليل طبعا لأن بابه يبقى مفتوحا لأنه ببساطة ليس به حارس يمكث طيلة أوقات الليل و يلتزم إغلاق الباب في الأوقات المحددة عند إماتة الظلام لنور النهار،وبالتالي فالتقدم نحو " دار البارود " في ساعة متأخرة من الليل بدون حراسة قد يُسبب مشكلة لشخص ما لاسيما إذا لم يكن من سكان المنطقة "سائحا من الداخل أو الخارج"، و حتى إن افترضنا أن منطقة  المدينة القديمة بطنجة مراقبة أمنيا بالشكل الذي يليق فذلك لا يبرر بقاء دار البارود مفتوحة الأبواب، كل من سولت له نفسه إطلاق رجله لها ،يفعل ، و ذلك فقط تجنبا لأي مشكل يمكن أن يقع لسائح من السياح أثناء تنزهه، نحن في غنى عنه ...





ساحة إسبانيا :

تمتد ساحة إسبانيا من رأس الكورنيش الى واجهة دار البارود المطلة على مسجد أبو الحسن،وسط هذه الساحة نافورة تستديرها كراسي طويلة و بالجانب الملتصق بالمدينة العتيقة،تنتثر بعض المقاهي المتدلية بكراسيها و مظلاتها نحو وسط الساحة ،المقاهي هذه يقصدها صيفا السياح من كل صوب للإسترواح و الإستجمام،،، "محطة القطار القديمة" الكائنة قبالة المقاهي هذه "والتي أصبحت بناية تراثية"،قربها من المدينة القديمة يبث مساهمة تكميلية لتراث المدينة العتيقة بطنجة عند الرائي، الساحة أيضا تستضيف دينامية تجارية  غير مهيكلة ، عربات الدفع بالأيدي عليها البيض المسلوق و علب لاداند المصبرة و دوائر الخبز و أخرى عليها الصوصيص و الكفتة ،المقاهي تلك تمتلأ عن آخرها في الصباح كما في المساء كمافي الليل المتأخر  بأبناء طنجة كما بزوار المدينة من مدن أخرى أو من الخارج بحيث يستغرقون وقتهم في التضاحك و السهر إلى أكثر من التالثة صباحاً ...




أسواق المدينة القديمة لِطَنجَة :

ينتشر بيع السلع الأجنبية سواء الداخلة إلى المغرب قانونيا، أو المهربة، في بعض أزقة المدينة العتيقة بطنجة ،بحيث توفر دينامية رواج هذه السلع فرص شغل للعديد من الناس هنا في المدينة القديمة ،إذ يقوم مجموعة من الشبان بعرض مواد غذائية من إسبانيا و دول أوروبية أخرى للبيع على الأرض في وسط الأزقة وفي نواصيها ، كما تتغلغل المنطقة أيضا بباعة السجائر المهربة من الجزائر "كولواز ـ كاميل"...أما في  زنقة: مالابطا و أزقة أخرى  ،فينتشر العديد من باعة الصنادل الجلدية و الأواني النحاسية المزركشة بنقش الحرفة التقليدية وكذلك باعة القطع الخشبية المصنوعة من العرعار والأرز وكل ما يتعلق بالصنعة التقليدية في حوانيت ،مثلها مثل الدكاكين الممتدة على كل زقاق و دروب السوق الداخلي التي تضم كل أنواع السلع "الفطائر والبسكويت والحلويات وعلب الشكولاطة الإسبانية والجزائرية، دكاكين الجلابيب و القفطان إلخ ..."  لاسيما التقليدية منها ...




في السوق الخارجي "دْبرّا" هناك الكثير من الأزقة المتوسطة العرض المتفرعة من ساحة 9 أبريل  التي تضم محلات منها الصغيرة ومنها الواسعة، تعرض سلعا من أصناف متنوعة،  السوق الخارجي "دْبرّا" ليس كالسوق الداخلي من حيث حجم المنتوجات المعروضة للبيع لكنه سوق يرجع إلى ماضي مهم له زبائنه الذين يقصدونه و إن كان لا يعج بالمتسوقين المتدافعين بالمناكب بالدرجة التي هم بها  بالسوق الداخلي..  من ساحة 9 أبريل المذكورة تتفرع زنقة طويلة  تتوزع على طولها وعلى كِلا جانبيها ،محلات بيع و إصلاح الآلات و الأجهزة  الإلكترونية "الهواتف،الحواسيب...إلخ..."،وكأنك بالضبط في سوق كازابرطا قرب الجامع السعودي ،أشخاص يمرون من جانبك حاملين بأيديهم أجهزة إلكترونية  ،آخرون مُنكَبين على واجهات الحوانيت لعرض آلاتهم المعطوبة أو لابتياع آلات  إلكترونية جديدة إلخ،، لعلها دكاكين في الواقع توفر على سكان المدينة العتيقة لطنجة قطعهم مسافة طويلة من المدينة العتيقة إلى سوق كزبراطا أثناء حاجتهم إصلاح أجهزتهم الإلكترونية أو ابتياعها لاسيما إن كان الأمر يتعلق بعطب   بسيط أو بشراء أصناف مُحددة من الآلات الإلكترونية ...إلخ.....  





مطاعم للأسماك يبتز أصحابها الزبائن شراء ما يبغون لهم من أطباق:

المحلات التي تعرض صحون السمك أمام ساحة إسبانيا بالمدينة القديمة بطنجة ،يتعاملون مع الزبائن معاملة خاصة "غير مقبولة" في فصل الصيف،بحيث أنهم يرفضون تقديم بعض الأنواع من الأكلات تلك التي لا يتجاوز ثمنها 20 درهما ،ذلك أن عدد الوافدين على المنطقة من سياح الداخل و الخارج يكثر في هذا الفصل و أوطوماتيكيا يكثر عدد المرتادين على مطاعم السمك هذه وفي الأكثرمن الإسبان، بحيث يفضلون عرض الأطباق غالية الثمن أمام التدفق الهائل لزبائن الأورو ...كنت مقتعدا إلى مائدة بداخل مطعم السمك بساحة إسبانيا ،تناولت قائمة الوجبات من فوق المائدة و ناديت على النادل طالبا إياه سندويتشا ب20 درهم و هو السندويتش الذي لم أخترعه من عندي بل المتواجد بالقائمة، ذهب عند الطباخ شرع هذا أمام عيني يعد لي في السندويتش ،إلى أن انبثق شخص يبدو أعلاهم شأنا في المحل ،،،و طلب في غطرسة من الطباخ خلفواجهة المأكولات الإدبار عن إعداد سندويتش 20 درهما الذي طلبت ! ،سمعته فذهبت إليه ،واستفسرت رفضه هذا ،،،فأجابني غير مكترث بي "يتكلم و يهز الصحون من الموائد" : ستضيع لنا الوقت ! ... فهمت أنني شبه مطرود ،فإما أن آكل ما يريد صاحبنا و إما أن أخرج من المحل ،نظرت إليه طويلا "نصف دقيقة" كي لا أنساه! ،احتقرته في غيض بعيني ،و انصرفت باصقاً في حنق بجوار المحل  ... إذا جئت لمطعم السمك هذا في فصل الشتاء مثلا السياح قلة سوف لن يرفض صاحبه عرض الوجبات الغذائية كلها بما فيها سندويتش ال 20 درهم،ببساطة لأن تراجع عدد الوافدين عليه من السياح الأجانب يجعله يقبل بيع الوجبات الغذائية التي يرفض بيعها في الصيف المتغلغل بسياح الأورو!،،، ... إنها حقيقة  سلوكات ماسة بالكرامة تعترض الزبائن بداخل المطاعم،سلوكات تتفشى بتعاظم في مطاعم كثيرة بطنجة و بخارجهاأكيد داخل البلاد...





  كورنيش طنجة :


الساعة في مِعصَمي تُشير إلى الواحدة و النصف ليلاً ،،الجو بارد نسبيا ،والضباب خفيف ومُنسّم  للهواء  ،نحنُ في هذه اللحظات  في  رصيف كورنيش طنجة "محج محمد السادس" نتمشى الهوينا بلا غاية تُذكر،الشعر مُلَمّع بالجِّيل ممشوط بحدّة للخلف ، الدجينز الأزرق الفاتِح الضيق على الفخدين  ويداي  محشوة في مِعطف أسود مُعطّر بعطر "سكوربيون" للرجال   أتمشى مُشِعّاً في اختيال!،القمر المكتمل في هذه اللحظة بالضبط ، انبثق أمامي ببياضه السلطوي! من بين الغيوم، أنظر إليه ينظر إلي! ،إنه يتحداني! نظرت إليه قرابة نصف دقيقة بتركيز وبعمق  ،ففهمت أن الحرية تقع في التمرد على القانون!  ، شعرت بالآسى لأنني فهمت أنني لن أكون حرا في يوم ما!  ،وهانحن بجانب علبة "555" الليلية نسير بخطوات خفيفة والنوم قد بدأ يتسرب إلى رأسي، فككت أزرار معطفي الأسود مددت يدي إلى جيبه الداخلي،وأخرجت تلاثة سجائر وضعت إثنين منهم  في جيب سروالي وتناولت بشفتي السجارة الباقية من يدي،أشعلتها،واستأنفت السير أنفخ الدخان من شفتي  وأتخيل مشهدَ ،بركان ضخم ينفجر بحممه النارية على كلّ البشر و الكلّ يموت محروقا بالنار ثم تنفجر في الأخير  الكرة الأرضية بُّووومْ،أُوووه أذهلني إعجابا هذا المشهد! ،  جذبت الدخان من السجارة في يدي بلذة وكأنني ذلك البركان أستمتع بحَرق "الإنسان" ،أحسست بنفسي في لحظة إلاها!،بصدق أتكلم!!..


في كورنيش طنجة ،هناك من يدخل لحانة ليلية يحتسي بداخلها زجاجة فودكا ب1000 درهم و قد يُخرج في تلك الليلة مليون سنتيم دون أية مشكلة، و هناك من تجده يبيع سجائر الكولواز و الكاميل المهربة بجوار الحانة ذاتها ، وهناك أيضا جحافل من المعدمين ينفخون "السلسيون" ذارعين شارع محمد السادس جيئة و ذهابا ، وهناك فئات كثيرة من الشبان لا تستطيع الولوج إلى حانات و مراقص كورنيش طنجة بسبب غلاء ثمن الدخول إليها...

طفلات لا يتجاوزن 6 سنوات يتعقبنك في سيرك و يبتسمن في محياك، و بأكفهم علب صغيرة ل"كلينكس"،يستعطفنك ابتياعها من عندهم بلهجة شمالية رخوة :"شري من عَندي كلينكس آعَمِي..." ،تُدير وجهك أربعة أمتار أو خمسة،شاب في العشرينات من عمره ينزل من سيارة ثمنها أكثر من 120 مليون سنتيم و يتوجه إلى علبة ليلية من العلب الموجودة بالكورنيش...إسمعوا! إن الفوارق الإجتماعية الواسعة القائمة في مدينة طنجة ،فوارق جد صارخة لا توجد مثلها "بكل واقعية" عدا بأكادير كما لاحظنا ذلك،إن الأمر يصل في طنجة إلى مستوى لا يمكن أن يؤدي إلا إلى الحمق ، هناك من يوفر 15 درهم في اليوم و هناك من يستنزف 5000 درهم في اليوم فقط في علبة "سنوب" الليلية أو علبة "أوكسيجن"  من الحادية عشر ليلا إلى الرابعة صباحا "كما تحققنا من ذلك!" ،غير أن النظر لا يجب أن يُصَوَّب فقط إلى كاتب هذه الأسطر باعتباره ماركسيا في تقديره للوضع الإجتماعي بطنجة ، فعلى الأقل يجب أن نقول أن الإقتصاد في حياة البشر أحد المحددات التي تحدد المجالات الأخرى إلى جانب العوامل الأخرى طبعا،بحيث أن الحفاظ على الطبقة الوسطى في المجتمع بات أمرا ضروريا لترسيخ  العدالة الإجتماعية ولإقرار التوازن أساس الإستقرار ومطلبا ينادى به للإجتماعات البشرية ومن لدن أعداء الماركسية حتى...إلخ







من فوق سطوح منازل وفنادق " المَدِينة العتِيقة "  بمَدِينة طَنجة’ من أي سطح تلوح في النهار للناظر أبدع و أصفى المناظر على النفس ،يبدو للناظر،شاطئ البحر "البلايا" برماله الذهبية الملتصق بالمرسى القديمة برواده الكثر "أثناء  الصيف" ، و كذلك العمارات الشاهقة الزجاجية اللامعة الواجهة المصفوفة بجوار مقر "ماكدونالدز" "المضفية لروح الحداثة و المعاصرة"،ثم الإمتداد الكبير  لمياه البحرأمام العين المتناهي بزرقة السماء في الأفق، أما في الليل فالإطلال من سطوح " المَدِينة العتِيقة " من الفنادق في الأغلب, له روعة وعظمة  أعمق و أكثر إمتاعا للبصر ، بحيث تتدثر المناظر التي تطل عليها في النهار من السطوح تلك، بالأضواء المتلألئة اللامعة التي تفعم ليل طنجة ببريق ملتمع جذّاب صافٍ ينطق بكل ألوان الزهو و يُعبِّر عن "السمو المُلح نحو التأورب"  و الإختيال ...إلخ ..
  •  


  •  
  • "المدينة العتيقة" لطنجة ، بلا ريب  مِن أَنْضر و أَبْهى وأزهى المُدن العتيقة المستقرة على أرض المغرب الأقصى ،إنها مدينة عتيقة  تعبق من حولها  جمالا  تاريخيا مُحتدما لا مثيل له باسترسال و بلا حُدُود، جمالٌ أخّاذٌ لا يتوانى البتّة الخوض  باندفاع في شوارع  طنجة إلى أعماقِهَا المُكتنَفة بتوهج و احتدام "العالمية" ، "المدينة العتيقة" لطنجة ،  شجرة نظِرة فاتنة مائلة على البحر المتوسِّط تنظر إلى الضفة الأندلسية في  ابتهال مُفرط   لملاحقتها والإنصهار المطلق معها ،إنها مدينة عتيقة تحتاج في الحقيقة إلى ردٍّ كبير للإعتبارِ يليق بصفائها و ماضيها و مُستقبلها الذي يجب أن يكون مُضاهياً لهذا الماضي العميق في حاضرها و سكانها و سماء الحياة في أرضها ،نَعم كذلك يجب طَنجة العتيقة