خَلدُون المسناوِي
مدينة أصيلة القائمة بين مدينتي طنجة و العرائش، لها صيت في كل أنحاء المغرب ،فهي المدينة التي يستعذب الجميع القدوم إليها في فصل الصيف،الكلّ يقلْ لك أصيلة أصيلة في الأصياف ،نعم. : ...حبّاً في شواطئها الجذابة ، الحميمية المكتنفة لشوارعها ، و كذلك لسحر أسوارها العتيقة ..إلخ...
أصيلة تلبث طيلة العام فارغة من الزوار ..الإنجراف إليها لا يكون سوى ثلاثة أشهر الصيف ، ولا يشتد بحدة سوى في شهر شتنبر الذي و كأنه يتصور لك وأنت في خضمها أن المغرب كله يوجد بأصيلة هذه ،في الشتاء و في الربيع يمضي بعض قليل جدا من المغاربة، يومان أو ثلاثة بين جمالها ،يستلطفونها هادئة بمعزل عن جلبتها التي تصل ذروتها في شتنبر ،السكان الأصليون لأصيلة يلمسون بشكل جليّ، تدفق الناس عليهم في الصيف بعكس الفصول الأخرى التي يلحظون أن مدينتهم فيها تكون خاوية سوى منهم.. البعض من السكان الأصليين لأصيلة تتغير تركيبات كينوناتهم في فصل شتنبر ، أشباه سلاطين تراهم مُدخلين أكفهم في جيوبهم رافعين رؤوسهم في عنترة برؤوس الزقاق!، آه سحقا لتلك النظرات الكريهة المستعلية لبعض "الأصيليين" في رؤوس الأزقة التي تقول لك : البراني يستمتع بمدينتنا !.
دلفت من البوابة الرئيسية للمدينة العتيقة لأصيلة "بوابة: الحومر" ،استدرتُ نصف دورة لليسار، جُلتُ في زقاقها الجميلة الغنية بأريج التاريخ ، الزقاق مليئة بالمارة الأجانب لكن أجزلهم، مغاربة، سأظل أتجول زقاق المدينة العتيقة لأكثر من ستين دقيقة ، الجو أنيس هنا أنيس جدا ، لقد رأيت كثيرين من المارة ينجرون في زقاق متعرج وراء بعضهم البعض ، انجررت بدوري وراءهم، لما استدرت من زقاق طويل غائر اعتلى بصري قوس تاريخي يدخل و يخرج منه الناس، تقدمت منه حازرا أنه منشأة تاريخية، خطوات قليلة و اجتزت بوابة القوس التاريخي ، كان شخص أسمر خارج يسير في اتجاهي المعاكس ، ابتدرته بالكلام : السلام ، أريد أن أسألك يا أخي، ما هذه البناية .. توقف عن السير و قال ناظرا برصانة إلى عينيّ: هذه البناية هي : "قصر الريسوني" . ثم تابع كلامه بنبرة شارحة متقدما بضع خطوات لبهو القصر ،بحيث باتت تفصلني بيني و بينه مسافة ظئيلة : هنا كان يقف الريسوني ،مشيرا بيده ناحية زاوية على يسار مدخل القصر ،ثم لوّح بيده قبالة الزاوية وهو يحدق في قائلا : و هنا كان يقف شيوخ القبائل المجاورة لأصيلة يبايعونه، إلخ إلخ...سأرى هذه السطور بمعنى حقيقي وبشعور خاص عندما ستمر السنين وسأرى هذه السطور وسأتذكر أننا قبل أن نتبادل تحية الوداع أنا و هذا الشخص الذي قال لي أنه يبلغ السابعة و الأربعين و أنه عاطل ، أننا تناقشنا حول الوضعية العامة في المغرب و اتفقنا أن المجتمع المغربي "متأخر تاريخيا" وأنه لا يقابل حتى دستور 2011 وأنني مددت له قنينة كوكا كولا مبتسما في وجهه كان قد بقي فيها أكثر من ربعها قليلا ، لقد انطبعت صورة وجهه في ذاكرتي ، لن أنساها مهما حييت ،إسمه أحمد.
خَرجتُ من الباب الجانبي ل "المدينة العتيقة" ل:"مدينة أصيلة" المنتصبة لصقه لافِتة التوجيه السياحي، و حتثت الخطى من خلال زحمة النَّاس فوق الرصيف ناحية امتداد طويل شاطئي ،كانت الساعة تشير إلى الخامسة والنصف فلقد كان الرصيف ناضحا بأكشاك المثلجات و السندويتشات وأصوات الموسيقى المرتفعة.. قفزتُ بأناقة، سوراً واطئا و غمرتُ قدميَّ في رمال رطبة .. اقتربتُ مشيا من مياه البحر ، خُضتُ فيها ، إنها الآن تصل إلى خصري ، بل إلى عنقي ،،، أحس بحجر زلق يمس تحت قدمي ، إنني الآن أحيا ،الناس قدام عيني يسيرون ، استدرت ناحية داخل البحر وسبحت ،،، ثم استدرت ناحيتهم مرة أخرى ، إنهم يتباعدون ،كانت امرأة عن بعدي بقرابة عشرة أمتار، تلف رأسها في منديل ترش زوجها الملتحي بالماء ...إلخ ... عدت سابحا فوق سطح الماء نحو اليابسة ،نشفت جسمي بفوطة بحركة سريعة وأنا أرتعد من ريخ خفيفة ، و خرجت من رمال الشاطئ الرطبة بخطوات هادئة خفيفة ...
سرت على أقدامي من محطة عربات الأجرة باتجاه المدينة العتيقة ، سأمر من جانب ساحة "عبد الله كنون" ثم من جوار حديقة واسعة تسطع بالخضورة الخفيفة اللامعة تتدلى أغصان أشجارها المصفوفة لصق جدرانها مِن خلال القضبان الحديدية المُسيجة لها من فوق علاء الجدار، حديقة بوابتها مكتوب بجانبها الأيسر "محمد عابد الصابري" ،كان الشارع الذي أتمشى عليه مائلا بحيث كانت قدمي تنزلق هابطة نحو الأسفل قليلا ، حينما مررت من جوار طفلة تسوق سيارة بلاستيكية صغيرة تبتسم ببراءة ، لم أنحني على الطفلة الصغيرة لأقبلها قبلة بريئة رغما أنني أحسستُ برغبتي الجارفة في فعل ذلك ، الأطفال كان دوستويفسكي النافذ في تاريخ البشر في هذا الكوكب بشكل أبدي ، يكلمهم بشكل جدي بغير استعلاء ومثل ذلك يفعل كاتب هذه الأسطر ،لقد ظللت إلى يومنا هذا و لا أدري إن كنت سأبقى ، أقسو على قلبي عندما أقابل طفلا صغيرا بصحبة شخص أعرفه ، أقول لنفسي في ذلك الوقت : " تحكم في نفسك! لا تقبله مهما أثر عليك ببراءته!! ، إكتفي بلمس رأسه برقة كي لا يقلق ذويه أمامك من عدم اعتبارك لابنهم ... أنَسيتَ المرأة التي قرصتك في فخدك بجوار باب المنزل التي صرخت في وجهك : أنت تُشلقم إبني!!! " المرأة ـ الجارة هذه لم أعد أراها منذ عدة أشهر ، عرفت أنها رحلت ... نقرتُ هذه الفقرة في لوحة الحاسوب الذي أمامي و نهضت للتواليت ...
أصيلة في الليل صيفا عنوان آخر تماما، فالليل بأصيلة شهر شتنبر ، هو ليل زاه تتخلله حيوية جد متضخمة ،المقاهي المطاعم الحوانيت :ممتلئة عن آخرها، شارع الحسن الثاني مكتظ بالمارة منتهى الإكتظاظ لحد التدافع بالأكتاف ، أنا الآن جالس على مقعد بداخل "بار شعبي" ملقيا ذراعيَّ على مائدة أمامي ، على بعد خطوة عن يميني شاب و فتاة ينحنيان بانكفاء بالغ على مائدتهما ، دَفعتُ كُرسِيَّ ناحيتهما ثم ملت نحوهما محاولا النظر من فوق كتفيهما ، كانت الفتاة ترسم رجلا عاريا ، انتبهت الفتاة إلي فاستدارت نحوي حتى قفزت من انكشاف فضولي أمامها، أتذكر أن وجهها في تلك اللحظة بالذات لم يكن يعبر عن أي قلق اتجاه فضولي بل كان استعذاب من لدنهما كلاهما ، اعتدلت في مجلسي و طلبت بيرتين ثانيتين، سكبت الأولى في الكأس أمام شخص بيساري عيناه تلمع بنشوة الخمر ...كان بوق موسيقى البار أثناء ها ينثر :"وقتاش تغني يا قلبي إيلا مغنيتي اليوم" ل محمد الحياني .
مدينة أصيلة بشمال المغرب ، مدينة جميلة تاريخية، يشتعل التدفق إليها ، مع كل فصل صيف من دون أن يكون أي توافد عليها في الفصول الأخرى بعكس الشاون "شفشاون" أو أقشور مثلا اللتان تجتذبان الزوار طيلة السنة وليس في الصيف فقط كشأن أصيلة الممسوسة بتكبر طنجة بالشيء القليل .. أصيلة مدينة يبقى اقتصادها السياحي يعتمد على ذلك القدوم الهائل لها لكن المنحصر في الصيف فحسب ،و الذي لذلك يجنح أصحاب الفنادق بها الذين يظلون بالشتاء و الربيع و الخريف من دون أي عمل تقريبا،إلى رفع أثمنة المبيت، ومثل ذلك يقترف أصحاب المطاعم ومحلات المأكولات ،،،إلخ...
الصورة : "خ،م" متوقف بجانب السور العتيق للمدينة القديمة بأصيلة.
خَلدون المسناوي
في تمام الساعة التاسعة صباحاً عبَرتُ بخطوات تابثة مرتديا حقيبة ظهرية، بوابة محطة سلا للحافلات. اتجهت رأساً صوب شباك تذاكر السفر، و خاطبت مادا يدي بورقة خمسين درهما من خلف زجاجة مغلفة بشبك حديدي، شخصا منكفئا يكتب في دفتر ملاحظات, إلى مكتب صغير بغرفة نصف مضاء ة : تذكرة سفر للعرائش من فضلك. كنت أعرف مقدما أن هناك حافلة ستتحرك باتجاه العرائش في العاشرة صباحا و لذلك فقد سألته منحي التذكرة دون أي مقدمات.. كان فناء المحطة الشبه المظلم خاويا عدا من خمسة كراسي حديدية معوجة مصفوفة على مسافة خطوتين من الجدار المقابل للشباك تقتعدن ثلاثة منها سيدة و فتاة تضع لسيقانها حقيبتي سفر...إلخ.. تفوه القابض رافعا حاجبيه من داخل الشباك بصوت مَشوب بالإرشاد : لا تُوجد تذاكر. أُخرج إلى ساحة المحطة ،ستجد حافلة العرائش متوقفة بجانب عربات النقل ،ثم استرسل بنبرة مُفعمة بالتحذير: ستتحرك الحافلة في العاشرة .. هززت رأسي له في ابتسامة تنم عن الشكر ،وابتعدت من قرب الشباك..إلخ. سأنتظر بداخل الحافلة أقرأ في "السماء الواقية" لبول بوولز، ريثما تنطلق الحافلة.. الحافلة ستنطلق بالضبط، في تمام الساعة العاشرة و الربع .. إلخ إلخ...
بعد ساعتين من السير في الطريق ، اجتازت الحافلة طريقا ضيقة تحت قنطرة بحيث أبطأ السائق من سرعة الحافلة على مقربة من بصري عندما داسَ قدمه برفق على دواسة الكابح تاركا لعربة 205 بوجو آتية من الإتجاه المعاكس فرصة المرور.. ستلوح على حافة الطريق لافتة عريضة تهيب بأننا داخل مجال إقليم العرائش .. عندما تمايلت في لحظة قصيرة الحافلة أثناء سيرها فوق الطريق ،انتبهتُ رافعا رأسي للريح القوية المتسربة من فتحة سقفها المفتوحة، لجوفها بشكل يغمر بيننا صوتا قويا .. ضغط السائق على زر مؤشر اليمين ، و انعطف من طريق نصف دائرية متجاوزا دراجة ثلاثية العجلات باتجاه "القصر الكبير" التابع طبعا لإقليم العرائش ... سيومأ الركاب برؤوسهم من زجاج النوافذ إلى "بلدة العوامرة" قبل الوصول إلى العرائش بعد قرابة نصف ساعة من السير ..إلخ إلخ...
... لم ألبث أكثر من خمسة دقائق بغرفة الفندق.. الحيطان مطلية بصباغة باهتة الإصفرار و مصباح طويل متبث بالجدار المقابل للباب و نافذة واحدة ضيقة مغلقة المصراعين بزاوية الحجرة المربعة المنخفضة السقف المغلف بخشب مُخَطّط يلمع بشكل باهر على ضوء المصباح الناصع البياض فيما نافذة أخرى على يمين الباب تفصل بيني و بين غرفة أخرى من خلال فجوة فارغة ...كان قد صدم بصري كل هذا الذي في غرفة الفندق في أقل من نصف دقيقة قبل أن أنضو حقيبتي الظهرية بحركة سريعة وأرمي بها فوق السرير . جلست بحافة السرير و فتحت سيور حذائيّ
،أزلتهما بحركة أنيقة.. إلخ إلخ... وخرجت من الفندق ..
كانت الساعة تشير إلى الخامسة مساء عندما كنت متوقفا قرب باب فندقٍ، بشارع "مولاي محمد بن عبد الله".. تقدمت في السير من جانب صف من الحوانيت و المقاهي و المطاعم ،عبرتُ الطريق إلى مدارة: "باب المدينة" ، نقلت بصري بين الناس الجالسين على المقاعد التي بلا ظهور و بين باعة حلويات الأطفال .. كان الجو جميلا هناك، جميلا جدا بحيويته الخليقة بصنع الانفراج والإنشراح في وجوه الناس ...قطعت الطريق الأخرى المُدخِلَة من القوس المؤدي إلى "السوق الصغير"، و اقتنيت سروالا قصيرا ب 20 درهما من محل بيع ملابس ،وذلك من أجل السباحة ... تقدمت في السير بضع أمتار قليلة. تنفست عميقا عندما أحسست بأنني جائع جوعا متناهيا، فراحت حدقتا عيني تبحثان عن محل مطعم ،"أين سأجد هذا المطعم" كانت هذه الفكرة هي المستبدة بشخصي ..سأدخل محلا شعبيا ، و سأطلب صحن "لوبيا" و صحن "سمك مقلي" . لما سأنقد المُحاسب المرتكن بزاوية المحل ثمن الوجبة ، سأخطو خطوة قصيرة من جانب آلته إلى مقلاة كبيرة الحجم تقع تحت بصري فوق خصري قليلا، يحترق زيتها تحت لهيب نيران ، وسألتقط برأس أصبع كفي قطعة بطاطس مقلية.. كانت لذيذة أحسستها في فمي. سأكون كاذبا إن قلت أن صوت احتراق الزيت تحت النار لم يحدث فيّ شعورا بالرضى و الراحة ! .
خرجت من المطعم. انعطفت من زقاق صغير فوجدتني في ساحة: الحرية ،لقد عرفت أنني في ساحة "الحرية" لما اصطدم بصري عبثا بيافطة مكتوب عليها : "ساحة الحرية" ، قلت في نفسي بشعور ساخر : أية حرية يمكن أن يعيشها البشر مجرد كذب! أية حرية يمكن أن يعيشها البشر فوق هذا الكوكب الأرضي الغريب ! ، الحرية هي الشعور المعتزل الهادئ بالقوة ،برقت في ذهني هذه الفكرة وهي لدوستويفسكي، أعرف أعرف... الحرية هي أن تسيطر على الآخرين هكذا جزمت مع نفسي حينما مررت من جانب مسجد "الكويت" هاما بالخروج من باب القصبة الحجري ،صوب ساحة "دار المخزن" ...
على بعد مسافة ظئيلة من يميني، لاحت بناية ضخمة تعتليها صومعة سامقة ،إنها "الكومانضانصيا". رفعت رأسي لعلائها ثم مررت أنظاري بين زواياها قبل أن يستقر نظري ببوابتها الرئيسية . اقتربت منها بحيث تقدم مني حارس كان يرابط إليها ينظر إلي بتساؤول . حييته، ثم قلت له في استفسار: ما هذه البناية. قال رافعا يده بترحيب : إنها بناية "الكومانضانصيا" و هي الآن بناية ثقافية تدرس بها قواعد الموسيقى..قاطعته مشيرا بيدي ناحية بناية مربعة تقع بجوار "الكومانضانصيا" : و ما هذا .. فرد علي : ـ هذا معهد للموسيقى كان قد بناه المولى "إسماعيل" .. شكرته متصافحين بحرارة ثم تقدمت ناحية مدفع وحيد و مددت ذراعي على قضبان حديدية مستطيلا النظر صوب ميناء العرائش ، سفن الصيد المتوسطة الحجم و القوارب... إلخ إلخ...
سرَّحتُ بصري بعيدا هناك فوق المرسى"ميناء العرائش"، وسألت شيخا يتوكأ على عكاز ظهر فجأةً بجواري واقفا مادا ذراعي ناحية مرتفعات : ما تلك المرتفعات؟ قال : آه ،إنك تتكلم عن "آثارات الشميش" يا بني ..إنها آثارات جميلة.. نبست بصوت سائلٍ: عبارة عن ماذا هذه الآثار،أنا سائح أتيت قبل أيام إلى هنا... ـ قال بصوت متهدج ينم عن الخبرة: إنها آثار تركها الرومان .. مسرح وبنايات... إلخ... سأستدير على عقبيَّ بعد أن أودعه، و سأحث الخطى من قرب محطة عربات الأجرة منعطفاً من جانب برج "اللقلاق" المطل على شارع محمد الخامس المليء بالمقاهي ،ثم سأغد السير باتجاه مدارة "كواترو كامينو" ... لقد شوقني هذا الرجل الذي التقيته بالمصادفة كثيرا ،بحيث قررت امتطاء وسيلة نقل للذهاب ل"آثارات الشميش" هذه ... إلخ ...
صعدتُ حافلةً باهتة الإزرقاق قرب مدارة "كواترو كامينو" . كانت الحافلة ممتلئةً بالرجال و النساء و الأطفال،من جميع الأعمار .الواقيات الشمسية "الباراسولات" موضوعة فوق ركبهم وركبهن و الحقائب المحشوة بالسندويتشات منزلة إلى أقدامهم و أقدامهن.. أربعة أشياء في شمال المغرب الأقصى لا تجادل ولا تناقش فيها : النساء الحنونات، وسحنات الأطفال الجميلة ، الحشيش الجيد "الطبيسلة" ، و الشواطئ... اقتعدت مقعدا فارغا بجانب طفل أشقر الشعر ونظرت من النافذة. رهيب رهيب! ،إنني في هذه اللحظة بالذات بينما تتشظى سهام أشعة الشمس من زجاجة جانبية لعربة متوقفة بجوار الحافلة بشكل يجعلني أغمض عيني نصف إغماض ، أتخيلني جالسا أنا و الكاتبة ستيفاني ماير و الرئيس الفرنسي و بوتين رئيس روسيا و السيسي رئيس مصر نستدير مائدة نحتسي كؤوس الويسكي فوق سطح مكتب الأبحاث القضائية التابع لمخابرات النظام المغرِبِي و عمي الشاعر عمر الخيام يحمل كلاشنيكوف يقف بجوارنا يحرسنا! مكشرا بوجهه تكشيرته المألوفة ، و شرفات أفيلال بوجهها الحنون الجذَّاب تسقينا منحنية بأناقة بالغة على المائدة ... ... "هاه! و الله يعطيني مع ربكم البومبيا ديال المغرب كامل ...".
نزلتُ مسرعا من الحافلة التي كانت مكتظة عن آخرها قرب المرتفع الغابوي "الشميش" المليء بالآثار بعد تجاوزها لواد "ليكسوس" وشاطئ واد الرمل..، "الحافلة" التي ستكمل طريقها الممتدة نحو أصيلة إلى شواطئ : ميامي 1و2و3.. عبرت الطريق الجهة الأخرى، و سرت باتجاه أربعة شبان يلبسون قطع ثياب تدل على الأمن الخاص ..إلخ... استفسرني أحدهم سبب قدومي فقلت له أنني سائح ..صعدت المرتفع الجبلي الغابوي بحيث كانت المهمة جد شاقة ... سأبقى دائما في المستقبل أتذكر أنني رأيت حينما صعدت جبل الشميش : "المسرح الروماني الدائري" الباهر جدا و بنايات "تعود لعهد تواجد الفنيقيين بالعرائش" بنايات اقتصادية هي عبارة عن صهاريج كانت تخصص لترقيد الأسماك... إسمعوا . لن أنسى مهما حييت المسرح الروماني الدائري بمرتفع الشميش ، جبروت عالٍ يشعرك بالإحترام الكبير للحضارة الرومانية و يبهجك أشد البهجة لأنك تنتمي لبلد عظيم إسمه "المغرب الأقصى"... مررت بين الأشجار على طريق مرسومة بينها من العديد من البنايات الأثرية الرومانية و الفينيقية، حتى وصلتُ إلى وسعة مطلة على فراغ واسع جدا تظهر من خلاله العرائش كلها على عرضها في أبهى صورة وراء واد ليكسوس اللامع على شعاع الشمس ...إلخ...
مدينة العرائش ، لا تتوفر على شواطئ : ميامي 1و2و3، الثلاثة الشواطئ الجميلة فحسب "المُحاطة بخيام المطاعم"، و إنما كذلك تتوفر على شاطئ "الحجرة المثقوبة" الموجود قرب كليطو المجاورة للسجن المحلي لمدينة العرائش ،و الذي يرتاده الصيادون ...إلخ إلخ... على أن الشاطئ المستقر قرب وسط المدينة والذي لا يبعد سوى بمسافة قليلة عن مدارة باب المدينة ،وهو شاطئ "فارونا" المجاور لبناية تركتها إسبانيا ،بناية: "السبيطار الإسباني" ، تتناثر على امتداد مسافة فوق رماله الرطبة صخور ضخمة بشكل مبعثَر يَنشُر جوا من الإحساس بالجمال الطبيعي ... كانت الشمس تأفل بلطف و وداعة بعيدا هناك أمام بصري وراء منتهى مياه البحر ،السماء كان ازرقاقها يزداد قتامةً نحو الليل بحيث كان يظهر القمر مكتملا باديا بشكل باهت في جناح من السماء.. تقدمت في السير و هبطت أدراجا تنزل من الأعلى إلى الأرض الصخرية على ارتفاع حوالي إحداعشر مترا ... بعد بلوغي الصخور الصلبة المبعثرة ،جذبت بصري أضواء مستقيمة الإمتداد يحركها بشكل عشوائي أشخاص لا تُميَّز وجوههم في الظلمة، في اتجاهات مختلفة .. كان الظلام قد هبط و بدأت منارة العرائش تبعث ضوءها المُرَكَّز بشكل نصف دائري على سطح مياه الشاطئ ،،، ليست إلاّ أقل من نصف ساعة و شرعت سفن صيد صغيرة تطفو فوق الماء تباعاً زاحفة و أضوائها تنضح من نوافذها بروعة مُحدَثَةٍ في الرائي لا مثيل لها ...إلخ إلخ...
مَدينة العرائش الكائنة بشمال المغرب ،مدينةٌ تتميز بهدوئها وسكينتها الدائمين و عدم انتشار جلبة الجريمة فيها .. إنها مدينة لا تنام في فصل الصيف كلية.. تظل متيقظة إلى الثالثة أو الرابعة صباحا هي التي ينكب عليها عدد لا بأس به من السياح في الأصياف من مدن المغرب لِما تزخر به من شواطئ رفيعة بهيجة تفعل فعلها مع الزائر ..إن مَدينة العرائش من خلال المنطقة السياحية الضخمة التي شُيدت قرب شاطئ "بِلِيكرُوسَا"، تتطور في اتجاه أن تضحي قطبا اقتصاديا"سياحيا" مهما بشمال المغرب ،هي مَدينة العرائش التي يجب أن نتذكر دائما عنها قبل كل شيء, أن أرضها تشهد بتعدد الطابع التاريخي على أرضها ..إلخ إلخ...
مَدينة "العرائش" المغربية : مَدينةٌ ذات طابع تاريخي مُتعدِّد.
خَلدون المسناوي
في تمام الساعة التاسعة صباحاً عبَرتُ بخطوات تابثة مرتديا حقيبة ظهرية، بوابة محطة سلا للحافلات. اتجهت رأساً صوب شباك تذاكر السفر، و خاطبت مادا يدي بورقة خمسين درهما من خلف زجاجة مغلفة بشبك حديدي، شخصا منكفئا يكتب في دفتر ملاحظات إلى مكتب صغير بغرفة نصف مضاء ة : تذكرة سفر للعرائش من فضلك. كنت أعرف مقدما أن هناك حافلة ستتحرك باتجاه العرائش في العاشرة صباحا و لذلك فقد سألته منحي التذكرة دون أي مقدمات.. كان فناء المحطة الشبه المظلم خاويا عدا من خمسة كراسي حديدية معوجة مصفوفة على مسافة خطوتين من الجدار المقابل للشباك تقتعدن ثلاثة منها سيدة و فتاة تضع لسيقانها حقيبتي سفر...إلخ.. تفوه القابض رافعا حاجبيه من داخل الشباك بصوت مَشوب بالإرشاد : لا تُوجد تذاكر. أُخرج إلى ساحة المحطة ،ستجد حافلة العرائش متوقفة بجانب عربات النقل ،ثم استرسل بنبرة مُفعمة بالتحذير: ستتحرك الحافلة في العاشرة .. هززت رأسي له في ابتسامة تنم عن الشكر ،وابتعدت من قرب الشباك..إلخ. سأنتظر بداخل الحافلة أقرأ في "السماء الواقية" لبول بوولز، ريثما تنطلق الحافلة.. الحافلة ستنطلق بالضبط، في تمام الساعة العاشرة و الربع .. إلخ إلخ...
بعد ساعتين من السير في الطريق ، اجتازت الحافلة طريقا ضيقة تحت قنطرة بحيث أبطأ السائق من سرعة الحافلة على مقربة من بصري عندما داسَ قدمه برفق على دواسة الكابح تاركا لعربة 205 بوجو آتية من الإتجاه المعاكس فرصة المرور.. ستلوح على حافة الطريق لافتة عريضة تهيب بأننا داخل مجال إقليم العرائش .. عندما تمايلت في لحظة قصيرة الحافلة أثناء سيرها فوق الطريق ،انتبهتُ رافعا رأسي للريح القوية المتسربة من فتحة سقفها المفتوحة، لجوفها بشكل يغمر بيننا صوتا قويا .. ضغط السائق على زر مؤشر اليمين ، و انعطف من طريق نصف دائرية متجاوزا دراجة ثلاثية العجلات باتجاه "القصر الكبير" التابع طبعا لإقليم العرائش ... سيومأ الركاب برؤوسهم من زجاج النوافذ إلى "بلدة العوامرة" قبل الوصول إلى العرائش بعد قرابة نصف ساعة من السير ..إلخ إلخ...
... لم ألبث أكثر من خمسة دقائق بغرفة الفندق.. الحيطان مطلية بصباغة باهتة الإصفرار و مصباح طويل متبث بالجدار المقابل للباب و نافذة واحدة ضيقة مغلقة المصراعين بزاوية الحجرة المربعة المنخفضة السقف المغلف بخشب مُخَطّط يلمع بشكل باهر على ضوء المصباح الناصع البياض فيما نافذة أخرى على يمين الباب تفصل بيني و بين غرفة أخرى من خلال فجوة فارغة ...كان قد صدم بصري كل هذا الذي في غرفة الفندق في أقل من نصف دقيقة قبل أن أنضو حقيبتي الظهرية بحركة سريعة وأرمي بها فوق السرير . جلست بحافة السرير و فتحت سيور حذائيّ
،أزلتهما بحركة أنيقة.. إلخ إلخ... وخرجت من الفندق ..
كانت الساعة تشير إلى الخامسة مساء عندما كنت متوقفا قرب باب فندقٍ، بشارع "مولاي محمد بن عبد الله".. تقدمت في السير من جانب صف من الحوانيت و المقاهي و المطاعم ،عبرتُ الطريق إلى مدارة: "باب المدينة" ، نقلت بصري بين الناس الجالسين على المقاعد التي بلا ظهور و بين باعة حلويات الأطفال .. كان الجو جميلا هناك، جميلا جدا بحيويته الخليقة بصنع الانفراج والإنشراح في وجوه الناس ...قطعت الطريق الأخرى المُدخِلَة من القوس المؤدي إلى "السوق الصغير"، و اقتنيت سروالا قصيرا ب 20 درهما من محل بيع ملابس ،وذلك من أجل السباحة ... تقدمت في السير بضع أمتار قليلة. تنفست عميقا عندما أحسست بأنني جائع جوعا متناهيا، فراحت حدقتا عيني تبحثان عن محل مطعم ،"أين سأجد هذا المطعم" كانت هذه الفكرة هي المستبدة بشخصي ..سأدخل محلا شعبيا ، و سأطلب صحن "لوبيا" و صحن "سمك مقلي" . لما سأنقد المُحاسب المرتكن بزاوية المحل ثمن الوجبة ، سأخطو خطوة قصيرة من جانب آلته إلى مقلاة كبيرة الحجم تقع تحت بصري فوق خصري قليلا، يحترق زيتها تحت لهيب نيران ، وسألتقط برأس أصبع كفي قطعة بطاطس مقلية.. كانت لذيذة أحسستها في فمي. سأكون كاذبا إن قلت أن صوت احتراق الزيت تحت النار لم يحدث فيّ شعورا بالرضى و الراحة ! .
خرجت من المطعم. انعطفت من زقاق صغير فوجدتني في ساحة: الحرية ،لقد عرفت أنني في ساحة "الحرية" لما اصطدم بصري عبثا بيافطة مكتوب عليها : "ساحة الحرية" ، قلت في نفسي بشعور ساخر : أية حرية يمكن أن يعيشها البشر مجرد كذب! أية حرية يمكن أن يعيشها البشر فوق هذا الكوكب الأرضي الغريب ! ، الحرية هي الشعور المعتزل الهادئ بالقوة ،برقت في ذهني هذه الفكرة وهي لدوستويفسكي، أعرف أعرف... الحرية هي أن تسيطر على الآخرين هكذا جزمت مع نفسي حينما مررت من جانب مسجد "الكويت" هاما بالخروج من باب القصبة الحجري ،صوب ساحة "دار المخزن" ...
على بعد مسافة ظئيلة من يميني، لاحت بناية ضخمة تعتليها صومعة سامقة ،إنها "الكومانضانصيا". رفعت رأسي لعلائها ثم مررت أنظاري بين زواياها قبل أن يستقر نظري ببوابتها الرئيسية . اقتربت منها بحيث تقدم مني حارس كان يرابط إليها ينظر إلي بتساؤول . حييته، ثم قلت له في استفسار: ما هذه البناية. قال رافعا يده بترحيب : إنها بناية "الكومانضانصيا" و هي الآن بناية ثقافية تدرس بها قواعد الموسيقى..قاطعته مشيرا بيدي ناحية بناية مربعة تقع بجوار "الكومانضانصيا" : و ما هذا .. فرد علي : ـ هذا معهد للموسيقى كان قد بناه المولى "إسماعيل" .. شكرته متصافحين بحرارة ثم تقدمت ناحية مدفع وحيد و مددت ذراعي على قضبان حديدية مستطيلا النظر صوب ميناء العرائش ، سفن الصيد المتوسطة الحجم و القوارب... إلخ إلخ...
سرَّحتُ بصري بعيدا هناك فوق المرسى"ميناء العرائش"، وسألت شيخا يتوكأ على عكاز ظهر فجأةً بجواري واقفا مادا ذراعي ناحية مرتفعات : ما تلك المرتفعات؟ قال : آه ،إنك تتكلم عن "آثارات الشميش" يا بني ..إنها آثارات جميلة.. نبست بصوت سائلٍ: عبارة عن ماذا هذه الآثار،أنا سائح أتيت قبل أيام إلى هنا... ـ قال بصوت متهدج ينم عن الخبرة: إنها آثار تركها الرومان .. مسرح وبنايات... إلخ... سأستدير على عقبيَّ بعد أن أودعه، و سأحث الخطى من قرب محطة عربات الأجرة منعطفاً من جانب برج "اللقلاق" المطل على شارع محمد الخامس المليء بالمقاهي ،ثم سأغد السير باتجاه مدارة "كواترو كامينو" ... لقد شوقني هذا الرجل الذي التقيته بالمصادفة كثيرا ،بحيث قررت امتطاء وسيلة نقل للذهاب ل"آثارات الشميش" هذه ... إلخ ...
صعدتُ حافلةً باهتة الإزرقاق قرب مدارة "كواترو كامينو" . كانت الحافلة ممتلئةً بالرجال و النساء و الأطفال،من جميع الأعمار .الواقيات الشمسية "الباراسولات" موضوعة فوق ركبهم وركبهن و الحقائب المحشوة بالسندويتشات منزلة إلى أقدامهم و أقدامهن.. أربعة أشياء في شمال المغرب الأقصى لا تجادل ولا تناقش فيها : النساء الحنونات، وسحنات الأطفال الجميلة ، الحشيش الجيد "الطبيسلة" ، و الشواطئ... اقتعدت مقعدا فارغا بجانب طفل أشقر الشعر ونظرت من النافذة. رهيب رهيب! ،إنني في هذه اللحظة بالذات بينما تتشظى سهام أشعة الشمس من زجاجة جانبية لعربة متوقفة بجوار الحافلة بشكل يجعلني أغمض عيني نصف إغماض ، أتخيلني جالسا أنا و الكاتبة ستيفاني ماير و الرئيس الفرنسي و بوتين رئيس روسيا و السيسي رئيس مصر نستدير مائدة نحتسي كؤوس الويسكي فوق سطح مكتب الأبحاث القضائية التابع لمخابرات النظام المغرِبِي و عمي الشاعر عمر الخيام يحمل كلاشنيكوف يقف بجوارنا يحرسنا! مكشرا بوجهه تكشيرته المألوفة ، و شرفات أفيلال بوجهها الحنون الجذَّاب تسقينا منحنية بأناقة بالغة على المائدة ... ... هاه! و الله يعطيني مع ربكم البومبيا ديال المغرب كامل ...
نزلتُ مسرعا من الحافلة التي كانت مكتظة عن آخرها قرب المرتفع الغابوي "الشميش" المليء بالآثار بعد تجاوزها لواد "ليكسوس" وشاطئ واد الرمل..، "الحافلة" التي ستكمل طريقها الممتدة نحو أصيلة إلى شواطئ : ميامي 1و2و3.. عبرت الطريق الجهة الأخرى، و سرت باتجاه أربعة شبان يلبسون قطع ثياب تدل على الأمن الخاص ..إلخ... استفسرني أحدهم سبب قدومي فقلت له أنني سائح ..صعدت المرتفع الجبلي الغابوي بحيث كانت المهمة جد شاقة ... سأبقى دائما في المستقبل أتذكر أنني رأيت حينما صعدت جبل الشميش : "المسرح الروماني الدائري" الباهر جدا و بنايات "تعود لعهد تواجد الفنيقيين بالعرائش" بنايات اقتصادية هي عبارة عن صهاريج كانت تخصص لترقيد الأسماك... إسمعوا . لن أنسى مهما حييت المسرح الروماني الدائري بمرتفع الشميش ، جبروت عالٍ يشعرك بالإحترام الكبير للحضارة الرومانية و يبهجك أشد البهجة لأنك تنتمي لبلد عظيم إسمه "المغرب الأقصى"... مررت بين الأشجار على طريق مرسومة بينها من العديد من البنايات الأثرية الرومانية و الفينيقية، حتى وصلتُ إلى وسعة مطلة على فراغ واسع جدا تظهر من خلاله العرائش كلها على عرضها في أبهى صورة وراء واد ليكسوس اللامع على شعاع الشمس ...إلخ...
مدينة العرائش ، لا تتوفر على شواطئ : ميامي 1و2و3، الثلاثة الشواطئ الجميلة فحسب "المُحاطة بخيام المطاعم"، و إنما كذلك تتوفر على شاطئ "الحجرة المثقوبة" الموجود قرب كليطو المجاورة للسجن المحلي لمدينة العرائش ،و الذي يرتاده الصيادون ...إلخ إلخ... على أن الشاطئ المستقر قرب وسط المدينة والذي لا يبعد سوى بمسافة قليلة عن مدارة باب المدينة ،وهو شاطئ "فارونا" المجاور لبناية تركتها إسبانيا ،بناية: "السبيطار الإسباني" ، تتناثر على امتداد مسافة فوق رماله الرطبة صخور ضخمة بشكل مبعثَر يَنشُر جوا من الإحساس بالجمال الطبيعي ... كانت الشمس تأفل بلطف و وداعة بعيدا هناك أمام بصري وراء منتهى مياه البحر ،السماء كان ازرقاقها يزداد قتامةً نحو الليل بحيث كان يظهر القمر مكتملا باديا بشكل باهت في جناح من السماء.. تقدمت في السير و هبطت أدراجا تنزل من الأعلى إلى الأرض الصخرية على ارتفاع حوالي إحداعشر مترا ... بعد بلوغي الصخور الصلبة المبعثرة ،جذبت بصري أضواء مستقيمة الإمتداد يحركها بشكل عشوائي أشخاص لا تُميَّز وجوههم في الظلمة، في اتجاهات مختلفة .. كان الظلام قد هبط و بدأت منارة العرائش تبعث ضوءها المُرَكَّز بشكل نصف دائري على سطح مياه الشاطئ ،،، ليست إلاّ أقل من نصف ساعة و شرعت سفن صيد صغيرة تطفو فوق الماء تباعاً زاحفة و أضوائها تنضح من نوافذها بروعة مُحدَثَةٍ في الرائي لا مثيل لها ...إلخ إلخ...
مَدينة العرائش الكائنة بشمال المغرب ،مدينةٌ تتميز بهدوئها وسكينتها الدائمين و عدم انتشار جلبة الجريمة فيها .. إنها مدينة لا تنام في فصل الصيف كلية.. تظل متيقظة إلى الثالثة أو الرابعة صباحا هي التي ينكب عليها عدد لا بأس به من السياح في الأصياف من مدن المغرب لِما تزخر به من شواطئ رفيعة بهيجة تفعل فعلها مع الزائر ..إن مَدينة العرائش من خلال المنطقة السياحية الضخمة التي شُيدت قرب شاطئ "بِلِيكرُوسَا"، تتطور في اتجاه أن تضحي قطبا اقتصاديا"سياحيا" مهما بشمال المغرب ،هي مَدينة العرائش التي يجب أن نتذكر دائما عنها قبل كل شيء أن أرضها تشهد بتعدد الطابع التاريخي على أرضها ..إلخ إلخ...
الصورة : "خ،م" متوقف في إحدى الزقاق القريبة من المأثرة التاريخية "الكومانضانصيا" بمدينة العرائش.