الجمعة، 4 سبتمبر 2015

مَدينة "العرائش" المغربية : مَدينةٌ بهية بطابع تاريخي مُتعدِّد.





خَلدون المسناوي 

 في تمام الساعة التاسعة صباحاً عبَرتُ بخطوات تابثة مرتديا حقيبة ظهرية،  بوابة محطة سلا للحافلات.  اتجهت رأساً صوب شباك  تذاكر السفر، و خاطبت مادا يدي بورقة خمسين درهما من خلف زجاجة مغلفة بشبك حديدي، شخصا منكفئا  يكتب في دفتر ملاحظات, إلى مكتب صغير بغرفة نصف مضاء ة : تذكرة سفر للعرائش من فضلك.  كنت أعرف مقدما أن هناك حافلة ستتحرك باتجاه العرائش في العاشرة صباحا و لذلك فقد سألته منحي التذكرة  دون أي مقدمات.. كان فناء المحطة  الشبه المظلم خاويا عدا من خمسة كراسي حديدية معوجة مصفوفة على مسافة خطوتين من الجدار المقابل للشباك  تقتعدن ثلاثة منها سيدة و فتاة تضع لسيقانها حقيبتي سفر...إلخ.. تفوه القابض رافعا حاجبيه من داخل الشباك بصوت مَشوب بالإرشاد : لا تُوجد تذاكر. أُخرج إلى ساحة  المحطة ،ستجد حافلة العرائش متوقفة بجانب عربات النقل ،ثم استرسل بنبرة مُفعمة  بالتحذير: ستتحرك  الحافلة في العاشرة .. هززت رأسي له في ابتسامة تنم عن الشكر ،وابتعدت من قرب الشباك..إلخ. سأنتظر بداخل الحافلة أقرأ في "السماء الواقية" لبول بوولز، ريثما تنطلق الحافلة.. الحافلة ستنطلق بالضبط، في تمام الساعة العاشرة و الربع .. إلخ إلخ... 


بعد ساعتين من السير في الطريق ، اجتازت الحافلة طريقا ضيقة تحت قنطرة بحيث أبطأ السائق من سرعة الحافلة  على مقربة من بصري عندما داسَ قدمه برفق على دواسة الكابح تاركا لعربة 205 بوجو آتية من الإتجاه المعاكس فرصة المرور.. ستلوح على حافة الطريق لافتة عريضة تهيب بأننا داخل مجال إقليم العرائش .. عندما تمايلت في لحظة قصيرة الحافلة أثناء سيرها فوق الطريق ،انتبهتُ رافعا رأسي للريح القوية المتسربة من فتحة سقفها المفتوحة، لجوفها بشكل يغمر بيننا صوتا قويا .. ضغط السائق على زر مؤشر اليمين ، و انعطف من طريق نصف دائرية متجاوزا دراجة ثلاثية العجلات باتجاه "القصر الكبير" التابع طبعا لإقليم العرائش ... سيومأ الركاب برؤوسهم  من زجاج النوافذ إلى "بلدة العوامرة"  قبل الوصول إلى العرائش بعد قرابة نصف ساعة من السير ..إلخ إلخ...


... لم ألبث أكثر من خمسة دقائق بغرفة الفندق.. الحيطان مطلية بصباغة باهتة الإصفرار و مصباح طويل متبث بالجدار المقابل للباب و نافذة واحدة ضيقة مغلقة المصراعين بزاوية الحجرة المربعة المنخفضة السقف المغلف بخشب مُخَطّط يلمع بشكل باهر على ضوء المصباح الناصع البياض   فيما نافذة أخرى على يمين الباب تفصل بيني و بين غرفة أخرى من خلال فجوة فارغة ...كان قد صدم بصري  كل هذا الذي في غرفة الفندق في أقل من نصف دقيقة قبل أن أنضو حقيبتي الظهرية بحركة سريعة وأرمي بها فوق السرير . جلست بحافة السرير و فتحت سيور حذائيّ
،أزلتهما بحركة أنيقة.. إلخ إلخ... وخرجت من الفندق .. 

كانت الساعة تشير إلى الخامسة مساء عندما كنت متوقفا قرب باب فندقٍ، بشارع "مولاي محمد بن عبد الله".. تقدمت في السير من جانب صف من الحوانيت و المقاهي و المطاعم ،عبرتُ الطريق إلى مدارة: "باب المدينة" ، نقلت بصري بين الناس الجالسين على المقاعد التي بلا ظهور و بين باعة حلويات الأطفال .. كان الجو جميلا هناك، جميلا جدا بحيويته الخليقة بصنع الانفراج والإنشراح في وجوه الناس ...قطعت الطريق الأخرى  المُدخِلَة من القوس المؤدي إلى "السوق الصغير"، و اقتنيت سروالا قصيرا ب 20 درهما  من محل بيع ملابس ،وذلك من أجل السباحة  ... تقدمت في السير بضع أمتار قليلة. تنفست عميقا عندما أحسست بأنني جائع جوعا متناهيا، فراحت حدقتا عيني تبحثان عن محل مطعم ،"أين سأجد هذا المطعم" كانت هذه الفكرة هي المستبدة بشخصي ..سأدخل محلا شعبيا ، و سأطلب صحن "لوبيا" و صحن "سمك مقلي" . لما سأنقد المُحاسب المرتكن بزاوية المحل ثمن الوجبة ، سأخطو خطوة قصيرة من جانب آلته إلى مقلاة كبيرة الحجم تقع تحت بصري فوق خصري قليلا، يحترق زيتها تحت لهيب نيران ، وسألتقط برأس أصبع كفي قطعة بطاطس مقلية.. كانت لذيذة أحسستها في فمي. سأكون كاذبا إن قلت أن صوت احتراق الزيت تحت النار لم يحدث فيّ شعورا بالرضى و الراحة ! .

خرجت من المطعم. انعطفت من زقاق صغير فوجدتني في ساحة: الحرية ،لقد عرفت أنني في ساحة "الحرية" لما اصطدم بصري عبثا بيافطة مكتوب عليها : "ساحة الحرية" ، قلت في نفسي بشعور ساخر : أية حرية يمكن أن يعيشها البشر مجرد كذب! أية حرية يمكن أن يعيشها البشر فوق هذا الكوكب الأرضي الغريب ! ، الحرية هي الشعور المعتزل الهادئ بالقوة ،برقت في ذهني هذه الفكرة وهي لدوستويفسكي، أعرف أعرف... الحرية هي أن تسيطر على الآخرين هكذا جزمت مع نفسي حينما مررت من جانب مسجد "الكويت" هاما بالخروج من باب القصبة الحجري ،صوب ساحة "دار المخزن" ... 

على بعد مسافة ظئيلة من يميني، لاحت بناية ضخمة تعتليها صومعة سامقة ،إنها "الكومانضانصيا". رفعت رأسي لعلائها ثم مررت أنظاري بين زواياها قبل أن يستقر نظري  ببوابتها الرئيسية . اقتربت منها بحيث تقدم مني حارس كان يرابط إليها ينظر إلي بتساؤول . حييته، ثم قلت له في استفسار: ما هذه البناية. قال رافعا يده بترحيب : إنها بناية "الكومانضانصيا"   و هي الآن بناية ثقافية تدرس بها قواعد الموسيقى..قاطعته مشيرا بيدي ناحية بناية مربعة تقع بجوار "الكومانضانصيا" : و ما هذا .. فرد علي : ـ هذا معهد للموسيقى كان قد بناه المولى "إسماعيل" .. شكرته متصافحين بحرارة ثم تقدمت ناحية مدفع وحيد و مددت ذراعي على قضبان حديدية مستطيلا النظر صوب ميناء العرائش ، سفن الصيد المتوسطة الحجم و القوارب... إلخ إلخ... 

سرَّحتُ بصري بعيدا هناك فوق المرسى"ميناء العرائش"، وسألت شيخا يتوكأ على عكاز ظهر فجأةً بجواري واقفا مادا ذراعي ناحية مرتفعات : ما تلك المرتفعات؟ قال : آه ،إنك تتكلم عن "آثارات الشميش" يا بني ..إنها آثارات جميلة.. نبست بصوت سائلٍ: عبارة عن ماذا هذه الآثار،أنا سائح أتيت قبل أيام إلى هنا... ـ قال بصوت متهدج ينم عن الخبرة: إنها آثار تركها الرومان .. مسرح وبنايات... إلخ... سأستدير على عقبيَّ بعد أن أودعه، و سأحث الخطى من قرب محطة عربات الأجرة منعطفاً من جانب برج "اللقلاق" المطل على  شارع محمد الخامس المليء بالمقاهي ،ثم سأغد السير باتجاه مدارة "كواترو كامينو" ... لقد شوقني هذا الرجل الذي التقيته بالمصادفة كثيرا ،بحيث قررت امتطاء وسيلة نقل للذهاب ل"آثارات الشميش" هذه ... إلخ ...


صعدتُ حافلةً باهتة الإزرقاق قرب مدارة "كواترو كامينو" . كانت الحافلة ممتلئةً بالرجال و النساء و الأطفال،من جميع الأعمار .الواقيات الشمسية "الباراسولات" موضوعة فوق ركبهم وركبهن و الحقائب المحشوة بالسندويتشات منزلة إلى أقدامهم و أقدامهن.. أربعة أشياء في شمال المغرب الأقصى لا تجادل ولا تناقش فيها : النساء الحنونات، وسحنات الأطفال الجميلة ، الحشيش الجيد "الطبيسلة" ، و الشواطئ... اقتعدت مقعدا فارغا بجانب طفل أشقر الشعر ونظرت من النافذة. رهيب رهيب! ،إنني في هذه اللحظة بالذات بينما تتشظى سهام أشعة الشمس من زجاجة جانبية لعربة متوقفة بجوار الحافلة بشكل يجعلني أغمض عيني نصف إغماض ، أتخيلني جالسا أنا و الكاتبة ستيفاني ماير  و الرئيس الفرنسي و بوتين رئيس روسيا و  السيسي رئيس مصر نستدير مائدة نحتسي كؤوس الويسكي فوق سطح مكتب الأبحاث القضائية التابع لمخابرات النظام المغرِبِي و عمي الشاعر عمر الخيام  يحمل كلاشنيكوف يقف بجوارنا يحرسنا! مكشرا بوجهه تكشيرته المألوفة ، و شرفات أفيلال بوجهها الحنون الجذَّاب تسقينا منحنية بأناقة بالغة على المائدة ...  ... "هاه! و الله يعطيني مع ربكم البومبيا ديال المغرب كامل ...". 

نزلتُ مسرعا من الحافلة التي كانت مكتظة عن آخرها قرب المرتفع الغابوي "الشميش" المليء بالآثار بعد تجاوزها  لواد "ليكسوس" وشاطئ واد الرمل..، "الحافلة" التي ستكمل طريقها الممتدة نحو أصيلة إلى شواطئ : ميامي 1و2و3.. عبرت الطريق الجهة الأخرى، و سرت باتجاه أربعة شبان يلبسون قطع ثياب تدل على الأمن الخاص ..إلخ... استفسرني أحدهم سبب قدومي فقلت له أنني سائح ..صعدت المرتفع الجبلي الغابوي بحيث كانت المهمة جد شاقة ... سأبقى دائما في المستقبل أتذكر أنني رأيت حينما صعدت جبل الشميش : "المسرح الروماني الدائري" الباهر جدا و بنايات "تعود لعهد تواجد الفنيقيين بالعرائش" بنايات اقتصادية هي عبارة عن صهاريج كانت تخصص لترقيد الأسماك... إسمعوا .   لن أنسى مهما حييت المسرح الروماني الدائري بمرتفع الشميش ، جبروت عالٍ يشعرك بالإحترام الكبير للحضارة الرومانية و يبهجك أشد البهجة لأنك تنتمي لبلد عظيم إسمه "المغرب الأقصى"... مررت بين الأشجار على طريق مرسومة بينها من العديد من البنايات الأثرية الرومانية و الفينيقية، حتى وصلتُ إلى وسعة مطلة على فراغ واسع جدا تظهر من خلاله العرائش كلها على عرضها في أبهى صورة وراء واد ليكسوس اللامع على شعاع الشمس ...إلخ... 

مدينة العرائش ، لا تتوفر على  شواطئ : ميامي 1و2و3، الثلاثة الشواطئ الجميلة فحسب "المُحاطة بخيام المطاعم"، و إنما كذلك تتوفر على شاطئ "الحجرة المثقوبة" الموجود قرب كليطو المجاورة للسجن المحلي لمدينة العرائش ،و الذي يرتاده الصيادون ...إلخ إلخ... على أن الشاطئ المستقر قرب وسط المدينة والذي لا يبعد سوى بمسافة قليلة عن مدارة باب المدينة ،وهو شاطئ "فارونا" المجاور لبناية تركتها إسبانيا ،بناية: "السبيطار الإسباني" ، تتناثر على امتداد مسافة فوق رماله الرطبة صخور ضخمة بشكل مبعثَر يَنشُر جوا من الإحساس بالجمال الطبيعي ... كانت الشمس تأفل بلطف و وداعة بعيدا هناك أمام بصري وراء منتهى مياه البحر ،السماء كان ازرقاقها يزداد قتامةً نحو الليل بحيث كان يظهر القمر مكتملا باديا بشكل باهت في جناح من السماء.. تقدمت في السير و هبطت أدراجا تنزل من الأعلى إلى الأرض الصخرية على ارتفاع حوالي إحداعشر مترا ... بعد بلوغي الصخور الصلبة المبعثرة ،جذبت بصري أضواء مستقيمة الإمتداد يحركها بشكل عشوائي أشخاص لا تُميَّز وجوههم في الظلمة، في اتجاهات مختلفة .. كان الظلام قد هبط و بدأت منارة العرائش تبعث ضوءها المُرَكَّز بشكل نصف دائري على سطح مياه الشاطئ ،،، ليست إلاّ أقل من نصف ساعة و شرعت سفن صيد صغيرة تطفو فوق الماء تباعاً زاحفة و أضوائها تنضح من نوافذها بروعة مُحدَثَةٍ في الرائي لا مثيل لها ...إلخ إلخ...

مَدينة العرائش الكائنة بشمال المغرب ،مدينةٌ تتميز بهدوئها وسكينتها الدائمين و عدم انتشار جلبة الجريمة  فيها .. إنها مدينة لا تنام في فصل الصيف كلية.. تظل متيقظة إلى الثالثة أو الرابعة صباحا هي التي ينكب عليها عدد لا بأس به من السياح في الأصياف من مدن المغرب لِما تزخر به من شواطئ رفيعة بهيجة تفعل فعلها مع الزائر ..إن مَدينة العرائش من خلال المنطقة السياحية الضخمة التي شُيدت قرب شاطئ "بِلِيكرُوسَا"، تتطور في اتجاه أن تضحي قطبا اقتصاديا"سياحيا" مهما بشمال المغرب ،هي مَدينة العرائش التي يجب أن نتذكر دائما عنها قبل كل شيء, أن أرضها تشهد بتعدد الطابع التاريخي على أرضها ..إلخ إلخ...


مَدينة "العرائش" المغربية : مَدينةٌ ذات طابع تاريخي مُتعدِّد.


خَلدون المسناوي 

 في تمام الساعة التاسعة صباحاً عبَرتُ بخطوات تابثة مرتديا حقيبة ظهرية،  بوابة محطة سلا للحافلات.  اتجهت رأساً صوب شباك  تذاكر السفر، و خاطبت مادا يدي بورقة خمسين درهما من خلف زجاجة مغلفة بشبك حديدي، شخصا منكفئا  يكتب في دفتر ملاحظات إلى مكتب صغير بغرفة نصف مضاء ة : تذكرة سفر للعرائش من فضلك.  كنت أعرف مقدما أن هناك حافلة ستتحرك باتجاه العرائش في العاشرة صباحا و لذلك فقد سألته منحي التذكرة  دون أي مقدمات.. كان فناء المحطة  الشبه المظلم خاويا عدا من خمسة كراسي حديدية معوجة مصفوفة على مسافة خطوتين من الجدار المقابل للشباك  تقتعدن ثلاثة منها سيدة و فتاة تضع لسيقانها حقيبتي سفر...إلخ.. تفوه القابض رافعا حاجبيه من داخل الشباك بصوت مَشوب بالإرشاد : لا تُوجد تذاكر. أُخرج إلى ساحة  المحطة ،ستجد حافلة العرائش متوقفة بجانب عربات النقل ،ثم استرسل بنبرة مُفعمة  بالتحذير: ستتحرك  الحافلة في العاشرة .. هززت رأسي له في ابتسامة تنم عن الشكر ،وابتعدت من قرب الشباك..إلخ. سأنتظر بداخل الحافلة أقرأ في "السماء الواقية" لبول بوولز، ريثما تنطلق الحافلة.. الحافلة ستنطلق بالضبط، في تمام الساعة العاشرة و الربع .. إلخ إلخ... 


بعد ساعتين من السير في الطريق ، اجتازت الحافلة طريقا ضيقة تحت قنطرة بحيث أبطأ السائق من سرعة الحافلة  على مقربة من بصري عندما داسَ قدمه برفق على دواسة الكابح تاركا لعربة 205 بوجو آتية من الإتجاه المعاكس فرصة المرور.. ستلوح على حافة الطريق لافتة عريضة تهيب بأننا داخل مجال إقليم العرائش .. عندما تمايلت في لحظة قصيرة الحافلة أثناء سيرها فوق الطريق ،انتبهتُ رافعا رأسي للريح القوية المتسربة من فتحة سقفها المفتوحة، لجوفها بشكل يغمر بيننا صوتا قويا .. ضغط السائق على زر مؤشر اليمين ، و انعطف من طريق نصف دائرية متجاوزا دراجة ثلاثية العجلات باتجاه "القصر الكبير" التابع طبعا لإقليم العرائش ... سيومأ الركاب برؤوسهم  من زجاج النوافذ إلى "بلدة العوامرة"  قبل الوصول إلى العرائش بعد قرابة نصف ساعة من السير ..إلخ إلخ...


... لم ألبث أكثر من خمسة دقائق بغرفة الفندق.. الحيطان مطلية بصباغة باهتة الإصفرار و مصباح طويل متبث بالجدار المقابل للباب و نافذة واحدة ضيقة مغلقة المصراعين بزاوية الحجرة المربعة المنخفضة السقف المغلف بخشب مُخَطّط يلمع بشكل باهر على ضوء المصباح الناصع البياض   فيما نافذة أخرى على يمين الباب تفصل بيني و بين غرفة أخرى من خلال فجوة فارغة ...كان قد صدم بصري  كل هذا الذي في غرفة الفندق في أقل من نصف دقيقة قبل أن أنضو حقيبتي الظهرية بحركة سريعة وأرمي بها فوق السرير . جلست بحافة السرير و فتحت سيور حذائيّ
،أزلتهما بحركة أنيقة.. إلخ إلخ... وخرجت من الفندق .. 

كانت الساعة تشير إلى الخامسة مساء عندما كنت متوقفا قرب باب فندقٍ، بشارع "مولاي محمد بن عبد الله".. تقدمت في السير من جانب صف من الحوانيت و المقاهي و المطاعم ،عبرتُ الطريق إلى مدارة: "باب المدينة" ، نقلت بصري بين الناس الجالسين على المقاعد التي بلا ظهور و بين باعة حلويات الأطفال .. كان الجو جميلا هناك، جميلا جدا بحيويته الخليقة بصنع الانفراج والإنشراح في وجوه الناس ...قطعت الطريق الأخرى  المُدخِلَة من القوس المؤدي إلى "السوق الصغير"، و اقتنيت سروالا قصيرا ب 20 درهما  من محل بيع ملابس ،وذلك من أجل السباحة  ... تقدمت في السير بضع أمتار قليلة. تنفست عميقا عندما أحسست بأنني جائع جوعا متناهيا، فراحت حدقتا عيني تبحثان عن محل مطعم ،"أين سأجد هذا المطعم" كانت هذه الفكرة هي المستبدة بشخصي ..سأدخل محلا شعبيا ، و سأطلب صحن "لوبيا" و صحن "سمك مقلي" . لما سأنقد المُحاسب المرتكن بزاوية المحل ثمن الوجبة ، سأخطو خطوة قصيرة من جانب آلته إلى مقلاة كبيرة الحجم تقع تحت بصري فوق خصري قليلا، يحترق زيتها تحت لهيب نيران ، وسألتقط برأس أصبع كفي قطعة بطاطس مقلية.. كانت لذيذة أحسستها في فمي. سأكون كاذبا إن قلت أن صوت احتراق الزيت تحت النار لم يحدث فيّ شعورا بالرضى و الراحة ! .

خرجت من المطعم. انعطفت من زقاق صغير فوجدتني في ساحة: الحرية ،لقد عرفت أنني في ساحة "الحرية" لما اصطدم بصري عبثا بيافطة مكتوب عليها : "ساحة الحرية" ، قلت في نفسي بشعور ساخر : أية حرية يمكن أن يعيشها البشر مجرد كذب! أية حرية يمكن أن يعيشها البشر فوق هذا الكوكب الأرضي الغريب ! ، الحرية هي الشعور المعتزل الهادئ بالقوة ،برقت في ذهني هذه الفكرة وهي لدوستويفسكي، أعرف أعرف... الحرية هي أن تسيطر على الآخرين هكذا جزمت مع نفسي حينما مررت من جانب مسجد "الكويت" هاما بالخروج من باب القصبة الحجري ،صوب ساحة "دار المخزن" ... 

على بعد مسافة ظئيلة من يميني، لاحت بناية ضخمة تعتليها صومعة سامقة ،إنها "الكومانضانصيا". رفعت رأسي لعلائها ثم مررت أنظاري بين زواياها قبل أن يستقر نظري  ببوابتها الرئيسية . اقتربت منها بحيث تقدم مني حارس كان يرابط إليها ينظر إلي بتساؤول . حييته، ثم قلت له في استفسار: ما هذه البناية. قال رافعا يده بترحيب : إنها بناية "الكومانضانصيا"   و هي الآن بناية ثقافية تدرس بها قواعد الموسيقى..قاطعته مشيرا بيدي ناحية بناية مربعة تقع بجوار "الكومانضانصيا" : و ما هذا .. فرد علي : ـ هذا معهد للموسيقى كان قد بناه المولى "إسماعيل" .. شكرته متصافحين بحرارة ثم تقدمت ناحية مدفع وحيد و مددت ذراعي على قضبان حديدية مستطيلا النظر صوب ميناء العرائش ، سفن الصيد المتوسطة الحجم و القوارب... إلخ إلخ... 

سرَّحتُ بصري بعيدا هناك فوق المرسى"ميناء العرائش"، وسألت شيخا يتوكأ على عكاز ظهر فجأةً بجواري واقفا مادا ذراعي ناحية مرتفعات : ما تلك المرتفعات؟ قال : آه ،إنك تتكلم عن "آثارات الشميش" يا بني ..إنها آثارات جميلة.. نبست بصوت سائلٍ: عبارة عن ماذا هذه الآثار،أنا سائح أتيت قبل أيام إلى هنا... ـ قال بصوت متهدج ينم عن الخبرة: إنها آثار تركها الرومان .. مسرح وبنايات... إلخ... سأستدير على عقبيَّ بعد أن أودعه، و سأحث الخطى من قرب محطة عربات الأجرة منعطفاً من جانب برج "اللقلاق" المطل على  شارع محمد الخامس المليء بالمقاهي ،ثم سأغد السير باتجاه مدارة "كواترو كامينو" ... لقد شوقني هذا الرجل الذي التقيته بالمصادفة كثيرا ،بحيث قررت امتطاء وسيلة نقل للذهاب ل"آثارات الشميش" هذه ... إلخ ...


صعدتُ حافلةً باهتة الإزرقاق قرب مدارة "كواترو كامينو" . كانت الحافلة ممتلئةً بالرجال و النساء و الأطفال،من جميع الأعمار .الواقيات الشمسية "الباراسولات" موضوعة فوق ركبهم وركبهن و الحقائب المحشوة بالسندويتشات منزلة إلى أقدامهم و أقدامهن.. أربعة أشياء في شمال المغرب الأقصى لا تجادل ولا تناقش فيها : النساء الحنونات، وسحنات الأطفال الجميلة ، الحشيش الجيد "الطبيسلة" ، و الشواطئ... اقتعدت مقعدا فارغا بجانب طفل أشقر الشعر ونظرت من النافذة. رهيب رهيب! ،إنني في هذه اللحظة بالذات بينما تتشظى سهام أشعة الشمس من زجاجة جانبية لعربة متوقفة بجوار الحافلة بشكل يجعلني أغمض عيني نصف إغماض ، أتخيلني جالسا أنا و الكاتبة ستيفاني ماير  و الرئيس الفرنسي و بوتين رئيس روسيا و  السيسي رئيس مصر نستدير مائدة نحتسي كؤوس الويسكي فوق سطح مكتب الأبحاث القضائية التابع لمخابرات النظام المغرِبِي و عمي الشاعر عمر الخيام  يحمل كلاشنيكوف يقف بجوارنا يحرسنا! مكشرا بوجهه تكشيرته المألوفة ، و شرفات أفيلال بوجهها الحنون الجذَّاب تسقينا منحنية بأناقة بالغة على المائدة ...  ... هاه! و الله يعطيني مع ربكم البومبيا ديال المغرب كامل ... 

نزلتُ مسرعا من الحافلة التي كانت مكتظة عن آخرها قرب المرتفع الغابوي "الشميش" المليء بالآثار بعد تجاوزها  لواد "ليكسوس" وشاطئ واد الرمل..، "الحافلة" التي ستكمل طريقها الممتدة نحو أصيلة إلى شواطئ : ميامي 1و2و3.. عبرت الطريق الجهة الأخرى، و سرت باتجاه أربعة شبان يلبسون قطع ثياب تدل على الأمن الخاص ..إلخ... استفسرني أحدهم سبب قدومي فقلت له أنني سائح ..صعدت المرتفع الجبلي الغابوي بحيث كانت المهمة جد شاقة ... سأبقى دائما في المستقبل أتذكر أنني رأيت حينما صعدت جبل الشميش : "المسرح الروماني الدائري" الباهر جدا و بنايات "تعود لعهد تواجد الفنيقيين بالعرائش" بنايات اقتصادية هي عبارة عن صهاريج كانت تخصص لترقيد الأسماك... إسمعوا .   لن أنسى مهما حييت المسرح الروماني الدائري بمرتفع الشميش ، جبروت عالٍ يشعرك بالإحترام الكبير للحضارة الرومانية و يبهجك أشد البهجة لأنك تنتمي لبلد عظيم إسمه "المغرب الأقصى"... مررت بين الأشجار على طريق مرسومة بينها من العديد من البنايات الأثرية الرومانية و الفينيقية، حتى وصلتُ إلى وسعة مطلة على فراغ واسع جدا تظهر من خلاله العرائش كلها على عرضها في أبهى صورة وراء واد ليكسوس اللامع على شعاع الشمس ...إلخ... 

مدينة العرائش ، لا تتوفر على  شواطئ : ميامي 1و2و3، الثلاثة الشواطئ الجميلة فحسب "المُحاطة بخيام المطاعم"، و إنما كذلك تتوفر على شاطئ "الحجرة المثقوبة" الموجود قرب كليطو المجاورة للسجن المحلي لمدينة العرائش ،و الذي يرتاده الصيادون ...إلخ إلخ... على أن الشاطئ المستقر قرب وسط المدينة والذي لا يبعد سوى بمسافة قليلة عن مدارة باب المدينة ،وهو شاطئ "فارونا" المجاور لبناية تركتها إسبانيا ،بناية: "السبيطار الإسباني" ، تتناثر على امتداد مسافة فوق رماله الرطبة صخور ضخمة بشكل مبعثَر يَنشُر جوا من الإحساس بالجمال الطبيعي ... كانت الشمس تأفل بلطف و وداعة بعيدا هناك أمام بصري وراء منتهى مياه البحر ،السماء كان ازرقاقها يزداد قتامةً نحو الليل بحيث كان يظهر القمر مكتملا باديا بشكل باهت في جناح من السماء.. تقدمت في السير و هبطت أدراجا تنزل من الأعلى إلى الأرض الصخرية على ارتفاع حوالي إحداعشر مترا ... بعد بلوغي الصخور الصلبة المبعثرة ،جذبت بصري أضواء مستقيمة الإمتداد يحركها بشكل عشوائي أشخاص لا تُميَّز وجوههم في الظلمة، في اتجاهات مختلفة .. كان الظلام قد هبط و بدأت منارة العرائش تبعث ضوءها المُرَكَّز بشكل نصف دائري على سطح مياه الشاطئ ،،، ليست إلاّ أقل من نصف ساعة و شرعت سفن صيد صغيرة تطفو فوق الماء تباعاً زاحفة و أضوائها تنضح من نوافذها بروعة مُحدَثَةٍ في الرائي لا مثيل لها ...إلخ إلخ...

مَدينة العرائش الكائنة بشمال المغرب ،مدينةٌ تتميز بهدوئها وسكينتها الدائمين و عدم انتشار جلبة الجريمة  فيها .. إنها مدينة لا تنام في فصل الصيف كلية.. تظل متيقظة إلى الثالثة أو الرابعة صباحا هي التي ينكب عليها عدد لا بأس به من السياح في الأصياف من مدن المغرب لِما تزخر به من شواطئ رفيعة بهيجة تفعل فعلها مع الزائر ..إن مَدينة العرائش من خلال المنطقة السياحية الضخمة التي شُيدت قرب شاطئ "بِلِيكرُوسَا"، تتطور في اتجاه أن تضحي قطبا اقتصاديا"سياحيا" مهما بشمال المغرب ،هي مَدينة العرائش التي يجب أن نتذكر دائما عنها قبل كل شيء أن أرضها تشهد بتعدد الطابع التاريخي على أرضها ..إلخ إلخ...







الصورة : "خ،م" متوقف في إحدى الزقاق القريبة من المأثرة التاريخية "الكومانضانصيا" بمدينة العرائش.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق