الجمعة، 11 سبتمبر 2015

مدينة أصيلة : اقتصاد سياحي يرتكز على الأصياف.




خَلدُون المسناوِي 

مدينة أصيلة القائمة بين مدينتي طنجة و العرائش، لها صيت في كل أنحاء المغرب ،فهي المدينة التي يستعذب الجميع القدوم إليها في فصل الصيف،الكلّ يقلْ لك أصيلة أصيلة في الأصياف ،نعم. : ...حبّاً في شواطئها الجذابة ، الحميمية المكتنفة لشوارعها ، و كذلك لسحر أسوارها العتيقة ..إلخ...

أصيلة تلبث طيلة العام فارغة من الزوار  ..الإنجراف إليها لا يكون سوى ثلاثة أشهر الصيف ، ولا يشتد بحدة سوى في شهر شتنبر الذي و كأنه يتصور لك وأنت في خضمها أن  المغرب كله يوجد بأصيلة هذه ،في الشتاء و في الربيع يمضي بعض قليل جدا من المغاربة، يومان أو ثلاثة بين جمالها ،يستلطفونها هادئة بمعزل عن جلبتها التي تصل ذروتها في شتنبر ،السكان الأصليون لأصيلة يلمسون بشكل جليّ، تدفق الناس عليهم في الصيف بعكس الفصول الأخرى التي يلحظون أن مدينتهم فيها تكون خاوية سوى منهم.. البعض من السكان الأصليين لأصيلة تتغير تركيبات كينوناتهم في فصل شتنبر ، أشباه سلاطين تراهم مُدخلين أكفهم في جيوبهم رافعين رؤوسهم في عنترة برؤوس الزقاق!، آه سحقا لتلك النظرات الكريهة المستعلية لبعض "الأصيليين" في رؤوس الأزقة التي تقول لك : البراني يستمتع بمدينتنا !.

دلفت من البوابة الرئيسية للمدينة العتيقة لأصيلة "بوابة: الحومر" ،استدرتُ نصف دورة لليسار،  جُلتُ في زقاقها الجميلة الغنية بأريج التاريخ ، الزقاق مليئة بالمارة الأجانب لكن أجزلهم، مغاربة، سأظل أتجول زقاق المدينة العتيقة لأكثر من ستين دقيقة ، الجو أنيس هنا أنيس جدا  ، لقد رأيت كثيرين من المارة ينجرون في زقاق متعرج وراء بعضهم البعض ، انجررت بدوري وراءهم، لما استدرت من زقاق طويل غائر اعتلى بصري قوس تاريخي يدخل و يخرج منه الناس، تقدمت منه حازرا أنه منشأة تاريخية، خطوات قليلة و اجتزت بوابة القوس التاريخي ، كان شخص أسمر  خارج يسير في اتجاهي المعاكس ، ابتدرته بالكلام : السلام ، أريد أن أسألك يا أخي، ما هذه البناية .. توقف عن السير و قال ناظرا برصانة إلى عينيّ: هذه البناية هي : "قصر الريسوني" . ثم تابع كلامه بنبرة شارحة متقدما بضع خطوات لبهو القصر ،بحيث باتت تفصلني بيني و بينه مسافة  ظئيلة : هنا كان يقف الريسوني ،مشيرا بيده ناحية زاوية على يسار مدخل القصر ،ثم لوّح بيده قبالة الزاوية وهو يحدق في  قائلا : و هنا كان يقف شيوخ القبائل المجاورة لأصيلة يبايعونه، إلخ إلخ...سأرى هذه السطور بمعنى حقيقي وبشعور خاص  عندما ستمر السنين وسأرى هذه السطور وسأتذكر  أننا قبل أن نتبادل تحية الوداع أنا و هذا الشخص الذي قال لي أنه يبلغ السابعة و الأربعين و أنه عاطل ، أننا تناقشنا حول الوضعية العامة في المغرب و اتفقنا أن المجتمع المغربي "متأخر تاريخيا" وأنه لا يقابل حتى دستور 2011 وأنني مددت له قنينة كوكا كولا مبتسما في وجهه  كان قد بقي فيها أكثر من ربعها قليلا ، لقد انطبعت صورة وجهه في ذاكرتي ، لن أنساها مهما حييت ،إسمه أحمد.

خَرجتُ من الباب الجانبي ل "المدينة العتيقة" ل:"مدينة أصيلة" المنتصبة لصقه لافِتة التوجيه السياحي، و حتثت الخطى من خلال زحمة النَّاس فوق الرصيف ناحية امتداد طويل شاطئي ،كانت الساعة تشير إلى الخامسة والنصف فلقد كان الرصيف ناضحا بأكشاك المثلجات و السندويتشات وأصوات الموسيقى المرتفعة.. قفزتُ بأناقة، سوراً واطئا  و غمرتُ قدميَّ في رمال رطبة .. اقتربتُ مشيا من مياه البحر ، خُضتُ فيها ، إنها الآن تصل إلى خصري ، بل إلى عنقي ،،، أحس بحجر زلق يمس تحت قدمي ، إنني الآن أحيا ،الناس قدام عيني يسيرون ، استدرت ناحية داخل البحر  وسبحت ،،، ثم استدرت ناحيتهم مرة أخرى ، إنهم يتباعدون ،كانت امرأة عن بعدي بقرابة عشرة أمتار، تلف رأسها في منديل ترش زوجها الملتحي بالماء ...إلخ ... عدت سابحا فوق سطح الماء نحو اليابسة ،نشفت جسمي بفوطة بحركة سريعة وأنا أرتعد من ريخ خفيفة ، و خرجت من رمال الشاطئ الرطبة بخطوات هادئة خفيفة ...


سرت على أقدامي من محطة عربات الأجرة  باتجاه المدينة العتيقة ، سأمر من جانب ساحة "عبد الله كنون" ثم من جوار حديقة واسعة تسطع بالخضورة الخفيفة اللامعة تتدلى أغصان أشجارها المصفوفة لصق جدرانها مِن خلال القضبان الحديدية المُسيجة لها من فوق علاء الجدار، حديقة بوابتها مكتوب بجانبها الأيسر "محمد عابد الصابري" ،كان الشارع الذي أتمشى  عليه مائلا بحيث كانت قدمي تنزلق هابطة نحو الأسفل قليلا ، حينما مررت من جوار طفلة تسوق سيارة بلاستيكية صغيرة تبتسم ببراءة ، لم أنحني على الطفلة الصغيرة لأقبلها قبلة بريئة رغما أنني أحسستُ برغبتي الجارفة في فعل ذلك ، الأطفال كان دوستويفسكي النافذ في تاريخ البشر في هذا الكوكب بشكل أبدي ، يكلمهم بشكل جدي بغير استعلاء ومثل ذلك يفعل كاتب هذه الأسطر ،لقد ظللت إلى يومنا هذا و لا أدري إن كنت سأبقى ، أقسو على قلبي عندما أقابل طفلا صغيرا بصحبة شخص أعرفه ، أقول لنفسي في ذلك الوقت : " تحكم في نفسك! لا تقبله مهما أثر عليك ببراءته!! ، إكتفي بلمس رأسه برقة كي لا يقلق ذويه أمامك من عدم اعتبارك لابنهم ... أنَسيتَ المرأة التي قرصتك في فخدك بجوار باب المنزل التي صرخت في وجهك : أنت تُشلقم إبني!!! " المرأة ـ الجارة هذه لم أعد أراها منذ عدة أشهر ، عرفت أنها رحلت ... نقرتُ هذه الفقرة في لوحة الحاسوب الذي أمامي و نهضت للتواليت  ...



أصيلة  في الليل صيفا عنوان آخر تماما، فالليل بأصيلة شهر شتنبر ، هو ليل زاه تتخلله حيوية جد متضخمة ،المقاهي المطاعم الحوانيت :ممتلئة عن آخرها، شارع الحسن الثاني مكتظ بالمارة منتهى الإكتظاظ لحد التدافع بالأكتاف ، أنا الآن جالس على مقعد بداخل "بار شعبي" ملقيا ذراعيَّ على مائدة أمامي ، على بعد خطوة عن يميني شاب و فتاة ينحنيان بانكفاء بالغ على مائدتهما ، دَفعتُ كُرسِيَّ ناحيتهما ثم ملت نحوهما محاولا النظر من فوق كتفيهما ، كانت الفتاة ترسم رجلا عاريا ، انتبهت الفتاة إلي فاستدارت نحوي حتى قفزت من انكشاف فضولي أمامها، أتذكر أن وجهها في تلك اللحظة بالذات لم يكن يعبر عن أي قلق اتجاه فضولي بل كان استعذاب من لدنهما كلاهما ، اعتدلت في مجلسي و طلبت بيرتين ثانيتين، سكبت الأولى في الكأس أمام شخص بيساري عيناه تلمع بنشوة الخمر ...كان بوق موسيقى البار أثناء ها ينثر :"وقتاش تغني يا قلبي إيلا مغنيتي اليوم" ل محمد الحياني . 

مدينة أصيلة بشمال المغرب ، مدينة جميلة تاريخية، يشتعل  التدفق إليها ، مع كل فصل صيف من دون أن يكون أي توافد عليها في الفصول الأخرى بعكس الشاون "شفشاون" أو أقشور مثلا اللتان تجتذبان الزوار طيلة السنة وليس في الصيف فقط كشأن أصيلة الممسوسة بتكبر طنجة بالشيء القليل .. أصيلة مدينة يبقى اقتصادها السياحي يعتمد على ذلك القدوم الهائل لها لكن المنحصر في الصيف فحسب ،و الذي لذلك يجنح أصحاب الفنادق  بها الذين يظلون بالشتاء و الربيع و الخريف من دون أي عمل تقريبا،إلى رفع أثمنة المبيت، ومثل ذلك يقترف أصحاب المطاعم ومحلات المأكولات ،،،إلخ...

الصورة : "خ،م" متوقف بجانب السور العتيق للمدينة القديمة بأصيلة. 




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق