خَلدُون المسناوي
تالبرجت بمدينة أكادير الأمازيغية المستقرة بمحاذات إنزكان "تاسوسيت"، مِنطقة تحتضن جوا أنيسا أخاذاً مبهرا بمركز المدينة: الفنادق، المطاعم ، الخمارات ، المقاهي العصرية، حيوية التنزه المتوهجة.. إلخ... وهي منطقة تعج بالمارة بالنهار و بالليل، قريبة مساحةً من الكورنيش المستدير على المياه المتدفقة في انبساط إلى جانبه ناحية الفنادق الفخمة و الكازينوات الضخمة ... إلخ...
في الكورنيش مع أفول الشمس تتوافد أعداد هامة من الناس إلى المقاهي المقابلة لماء البحر الدالف ناحيته " الكورنيش" ، يأتون إلى هناك ، كأسر ، فرادى، و كأزواج أيضاً.. المقاهي التي هنا تصل إلى خمسة و عشرين درهما لفنجان القهوة ، المكان جميل من ناحية المنظر ، مراكب عصرية متوسطة الحجم تتمايل فوق ماء البحر المنبسط و الناس يروحون و يجيئون من أمامك ... بين المقهى و الأخرى المتدفقة بموائدها و كراسيها لمسافة صوب الخارج ، تتواجد "بوتيكات" عصرية ، بل قل هناك في ناحية من المكان بوتيكات تأتي الواحد بعد الآخر تعرض أفخم السلع و أغلاها كالثياب آخر الصيحات و الأزياء ، كما أن المكان كذلك يضم فنادقا أربعة نجوم و خمسة نجوم تطل نوافذها على ماء البحر الساطع تحت ضوء المصابيح المتوهجة السطوع إلخ ...
أي شخص آتي من مكان ما ينزل بمحطة الحافلات "المسيرة" لأكادير يبحث عن فندق ، يقال له القدوم إلى تالبرجت فهي المكان المعروف جزيلا بالمدينة ، بالفنادق الواحد بجانب الآخر .. الحياة هنا بتالبرجت من الناحية الإقتصادية مكلفة شيئا ما لكنها و الحق يقال ذروة الحياة العصرية ... كل شيء تجده هنا ... على بعد مسافة ضئيلة من تالبرجت في الطريق نحو الكورنيش ، على يسارك تلمح أدراجا تهبِّط إلى رواق ممتد على مسافة غائرة يرابط إليه رجال بأجسام منتفخة ، إنه رواق تتفرق عليه علب ليلية من مستوى معين كتلك التي تجدها في محج محمد السادس بطنجة، أو بكيليز بمراكش ...إلخ إلخ ...
بجانب الكورنيش أمام صف من الكازينوات و الفنادق الفخمة ،تمتد ساحة عريضة جدا تسطع على أرضها أنوار متموجة ، يجنح نحوها العديد من الشبان تمر إليها من جانب مسجد ضخم يستقر بتالبرجت يتواجد قرب قنصليتي فرنسا و إسبانيا ...ليس ببعيد عنها كثيرا ، بجانب أسواق السلام الكائن بمنطقتنا تتواجد العديد من محلات التجميل و المساج "الصْبَّا" ..إلخ إلخ ...كما توجد أيضا خلف الكورنيش حجر مربعة مرقمة بالتتابع تعرض أطباق سمك أغادير الشهي ...
نحن الآن نتمشى أمام الملهى الليلي "فلير" بكورنيش أكادير ... كان الليل قد انتصف ،ريح معتدلة تعبث بثيابي ..ما زلت متقدما في السير يداي إلى جيبي سروالي، خصلات مقدم شعري ترتعش إلى جبيني ، المقاهي عن يساري ، بدا لي من بينها، "بار" صغير فقصدته، كنت حاملا بيدي آلة تصوير ،هممتُ للدخول من الباب. أوقفني شاب ضخم الوجه مرابط إلى الباب بابتسامة رقيقة مضيئة ..كان ينقل بصره بنفاذ و بُطءٍ بين وجهي و كفي المُحكم لآلة التصوير ..قال : إلى أين بهذه المُصورة ؟ .. قلت و أنا أُزلقها بإحكام داخل الجيب الداخلي للتجاكيطة : نسكب بعض "البيرات" ... قاطعني: و تصور لنا بالمرة كذلك البار ... قلت مومئا برأسي : لاَ لاَ.. ـ قال في جزم مادًا ذراعه نحوي : هات المُصورة ستتركها لدي لِحين أن تخرج ... ـ أسلمتها له بعد تردد خفيف ودخلت... كانت كل الموائد ممتلئة تقريبا بالرجال بلا غيرهم.. جَذَبَتْ مائدة صغيرة فارغة إلى يساري أمام نافذة مدثرة بستارة مثنية ممدودة بصري ، فانزويت لها ، رفعت يدي للنادل الذي عرفته من ملبسه .. قال شخص إلى جانبي بصوت يكاد أن يُسمع في البار المُظلم باعتدال المشتمل على غريفة وحيدة طويلة غائرة وكذا عِلية تضم موائد مقلوبة..إلخ : مرحبا بناس سلا ! .. كان النادل قد وصل إلي ...إلخ إلخ ... لما خرجت من البار أتذكر أنني فكرت لقرابة دقيقتين في فكرة : " الصوت " بحيث أنني كنت قد فكرتُ مع نفسي حينذاك أن تأثير و تعبير الصوت أعمق مما قد يتصور لأول وهلة ، ... لقد كان صوت ذلك الشخص القائل "مرحبا بناس سلا" يحوي طابع المهاجمة و السخرية، على رغم من كون مضمون ما قيل بهذا الصوت كان ترحيبا! ،،، غريب غريب رهيب جدا! .. إن "الصوت" الآن في هذه اللحظة التي أقطع فيها الطريق من رصيف إلى آخر ناحية تالبرجت يبرق في ذهني ك: "فكرة كبيرة" إلى حد أنني لم أتنبه لعربة تمر من جانبي بسرعة كبيرة ها هو صاحبها ينبهني بالمنبه الصوتي ... أشعلت سجارة دخنتها أثناء سيري بشراهة .. دخلتُ الفندق ثم نِمت.
بمنطقة تالبرجت المحاذية للكورنيش بأكادير الأمازيغية "تاسوسيت"، الفوارق الإجتماعية جد صارخة.. جدا جدا. فهناك من تجده و من الأمازيغ ، ينال أكثر من عشرون مليون سنتيما في الشهر الواحد و هناك من لا يتجاوز ال500 درهم في الشهر ! أمر رهيب ، نعم ، غياب الطبقة الوسطى ،غياب التوازن ، ليس ذلك بتالبرجت وحدها وإنما بأكادير كلها "حي السلام ـ شاطئ تغزاوت..." الفوارق الإجتماعية كبيرة..
عندما تلتقي ، بأمازيغي "سوسي" بمدينة أكادير أو تزنيت أو قرية ميرلفت أو الدواوير المجاورة لِ:"سواسة" بأكادير الجميلة و كل المناطق السوسية، ليس هو عندما تلتقي "سوسيا" أمازيغياً بالدار البيضاء أو فاس أو مكناس أو طنجة أو الرباط أو كل المدن إطلاقا.. إن أغلب "سواسة" ولاسيما بأكادير بلد المشاريع العائدة عليهم بالمال الوفير، و لنقلها صراحة : لهم موقف من الإنسان العربي " الغنيمة ـ نقد العقل العربي ـ الجابري " في دواخلهم ، إن كل الأمازيغ "سواسة" بأكادير إذا تكلمت معهم بالدارجة العربية في أكادير ، يتكلمون معك بتحفظ كبير ، بل " وهذا لا يجب أن يقلق أي "سوسي" لأنها الحقيقة تقال نعم ، بل إنهم قد يصلون معك إلى درجة "العنصرية" و الإحتقار الشديد و الكراهية! لدى بعضهم لا كلهم يشيحون عنك أبصارهم،يكشرون وجوههم ...إن الأمازيغ "تاسوسيت ، تاشلحيت ، تاريفيت" بالمغرب الأقصى ، وهو ما لا يعرفه الكثير من العرب ، لا يتفاهمون بين بعضهم البعض في التصورات ، إذ أن ما يوحدهم هو "هاداك عْرْبي" أي هو اختلافهم عن العرب، و في هذا الإطار لابد أن نقول أن أن التنافر بين "الريفي و الشلح" و العربي ليس هو التنافر القائم بين "السوسي" و العربي .. فالسوسي أكثر استياء ا من العربي .. إن الأمازيغي يفق في الرابعة صباحا و يشتغل أما العربي فيسرق أكثر مما يشتغل! .. إن أمازيغيين كثر "تاسوسيت ، تاشلحيت ، تاريفيت" يبحثون عن الغنائم في الأحزاب و التنظيمات بشكل عام و يتلمقون في حياتهم كمغاربة! مثلهم مثل العرب. لكن بخصوص السرقة : العربي لص أكثر من الأمازيغي "تاسوسيت ، تاشلحيت ، تاريفيت"!. إن ما يجعل السوسي في المدن الآهلة بالعرب "يستبدل" سلوكه معهم الذي يسلكه في أكادير ،هو التواجد الكبير للعرب! ، إذ هنا يضحي التعايش يفرض نفسه ، ليس كما الحال حينما يكون العرب أقلية قليلة في أكادير التي أغلب من يسكنها "سواسة" ! ..وهو الأمر الذي يمكن أن يقال بشكل معكوس في مستوى معين ، وهو كذلك إن كان في مدينة الأمازيغ أقلية و العرب أكثرية فلا بد من المناوشات .إلخ إلخ...
منطقة تالبرجت بمدينة أكادير الأمازيغية التي يعشقها الأوروبيون بشكل كبير، منطقة بهية محتضنة لحيوية عيش الأزهى ما يكن ، و كأنك بالكورنيش تتجول في أعتى الأماكن الأوروبية .. لكن الفوارق الإجتماعية الصارخة المكتنفة لها ولأكادير كلها،تُصَيِّر الكلام عن منطقة تالبرجت، عن عدم قبول واقع أكاديريين كثيرين يعيشون في ظل العوز و الفاقة الكبيرين يمرون بجانب أشخاص ينفقون الألوفات بشكل يومي ..أي واقع هذا وكيف ستكون حالة من يحصل 10 دراهم في اليوم عندما سيحدق في شخص من سنه يركب عربة يبلغ ثمنها أكثر من مائة مليون. الإيديلوجيا هنا، ولكن! : لا بد من التوزان...
الصورة : "خ،م" متوقف في إحدى الشوارع القريبة من منطقة تالبرجت بأكادير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق