خَلدون المسناوي
على مسافة 60 كلمترا من مدينة بني ملال و على بعد 35 كلم من مركز أزيلال، تستقر جنة على الأرض إسمها "بين الويدان" . بين الويدان هو عبارة عن سد يغزر بمياه كثيرة تنهمر بين جبال عالية لمسافة معينة ، إذ هو ملتقى وادين اثنين : واد العبيد ، و واد أحنصال . تتشكل ساكنة بين الويدان من 11 "دوار" أمازيغي "تاشلحيت" وهي تعتبر ساكنة بين الويدان منذ سنين من الزمن إلى يومنا هذا، على أنها كذلك الفئة التي من المفترض أن تستفيد من أي حركية اقتصادية تشمل المنطقة ...
اقتصاد منطقة "بين الويدان" الذي يستفيد منه ناسها ، يرتكز بالأساس على تربية الماشية "الأبقار،المعز،الجدي..." ثم "الزراعة" تأتي ثانية ،أما النشاط السياحي فلا يندرج عدا في المرتبة الثالثة وذلك بالقياس إلى حجم استفادة سكان المنطقة منه ، إذ هو لا يستفيد منه سكان بين الويدان الأمازيغ عدا بنسبة قليلة، بحيث أن المستفيد من الناحية السياحية ب:بين الويدان، هم أصحاب المشاريع الكبرى المشيدة بها ، أصحاب المركبات السياحية الكبرى الذين لا ينتمون إلى سكان المنطقة.. "المركب السياحى : شمس" و مركبات سياحية ضخمة أخرى في طور البناء ،إذ أن سكان بين الويدان من الناحية السياحية لا تجدهم سوى مالكين لبعض حوانيت المواد الغذائية و المقاهي التقليدية بمكان يدعى "السوق"،ومطاعم متوسطة المستَوَى، و لشقق مفروشة متواضعة ، يؤجرونها للأسر و العائلات والتي غالبا ما تبقى مقفلة بلا طلب عليها عدا في فصل الربيع ... فالقطاع السياحي إذن لا يرجع بفوائده الإقتصادية على الناس القاطنين ببين الويدان "ال 11 دوار الأمازيغي"، عدا بشيء قليل مما يمكن أن تجلبه حوانيت المواد الغذائية و المقاهي و الشقق المتواضعة تلك التي تحدثنا عنها ، فيما تبقى الفوائد الإقتصادية الكبرى تعود إلى الفنادق الكبرى " ذات الأربعة نجوم" الذي يصل المبيت بها ل 1000 درهم لليلة ... إلخ إلخ...
أمال السائق الذي كان يتحدث طيلة الطريق من بني ملال ،بالأمازيغية رأسه نحوي داخل عربة الأجرة، و قال وقد بدأت السيارة تتراجع سرعة سيرها : قلتَ بين الويدان ، لقد وصلنا ، أأتوقف بك هنا أم بعد اجتياز النفق .. ـ قلتُ مستفهما بنبرة صوتي و بوجهي وأنا لا أعرف عن أي نفق يتكلم : هل توجد هنا مساكن للكراء. كان السائق قد شرع يخفض سرعة العربة أكثر. بعدها بلحظات أوقف السيارة في قارعة الطريق ، كان الوادي يبدو لامعا عن يميننا تحت ضياء أشعة الشمس المتوسطة سماء فاتحة الإزرقاق . تابع السائق "الكهل" كلامه من فم متساقط الأسنان و بوجه ينم عن التعاطف ممددا ذراعه بشكل مستقيم نحو حجر متفرِّقة على ناحية من منحدر جبلي مخضر على مسافة قرابة مائة متر من العربة : ــ أرأيت تلك الحُجر ،أدرت وجهي ناحية اتجاه سبابته فلمحت غريفات جميلة نابتة بين شجيرات ..ثم عدت بوجهي إليه ..فقال لتوه : ـ هناك ستجد مساكنا جيدة للتخييم .. شكرته بامتننان ثم صفقت الباب ..إلخ إلخ ... سألتُ في "كِيست هاوس: المكان الذي بعثني له سائق الطاكسي" فلم أجد غرفا لشخص واحد .. سأخرج من هذا التجمع السياحي و سأصعد معروق الجسد عَقَبة جد متحدرة على جانب الطريق تحت شمس قاسية الإشعاع ... إنني ألمح الآن شابا هابطا في اتجاهي المعاكس ، إنه يقترب،هو بقربي جدا الآن ، نتبادل النظرات ... نطقت : السلام عليكم . رد : ـ وعليكم السلام .. ميزت من لسانه الغير المستحكِم للدارجة المغربية و سحنته أنه أوروبي .. ـ سألته مبتسما بكياسة : هل أنت فرنسي. أجاب : نعم. ثم سألته الإرشاد"استرشدته" عن مسكن للكراء لشخص واحد...إلخ إلخ ...
عموما، الكراء بمنطقة بين الويدان الأمازيغية ، يتواجد بمنطقة السوق و بالتجمعات السياحية ،على أن الأمر الذي لا يعرفه سوى القليل هو أن ، بين الويدان لم تعرف بحدة كمكان سياحي الروعة فيما يكن و بالتالي فهو من الأماكن التي يحج لها السواح من داخل المغرب و من خارجه ،إلاّ انطلاقا من الست سنوات الأخيرة ، إذ هو الأمر الذي يؤكده أبناء المنطقة بجزم لا سبيل إلى التشكيك فيه، كما أن درجة الجنوح إلى بين الويدان سياحيا ليست في فصل الربيع بالذات وإنما فصل الصيف ،هو الوقت الذي يأتي فيه السياح أكثر إلى ، هذه الجنة المجسدة على أرض أزيلال ...إلخ إلخ...
الحديث عن بين الويدان، لا ينحصر فقط على ، الكراء بغرض التخييم و اقتصاد المنطقة، إلخ...بل يجب كذلك الكلام عن أشياء أخرى توجد بهذه المنطقة الخلابة المسرفة في التعبير عن الجمال ..إن منطقة "بين الويدان" تحتضن ممارسات ترفيهية جمة توفرها طبيعة المنطقة الجبلية، و المائية "البحيرة" و... ،الممارسات الترفيهية التي غالبا ما تجد الأوروبيين من يمارسونها دون غيرهم،ففي بين الويدان ،ففي بين الويدان : مغامرات التجول في الغابات ،التسلق للأعالي بِالأحجار الصلبة ،الركوب على المراكب السياحية، الجي تسكي..إلخ... التجول في قلب "الغابات" يقوده شخص من أبناء المنطقة مع عدد محدد من السياح، هذا الشخص الذي يجب أن يكون عالما بخفاياها أي "الغابات الجبلية" و الطرق المتخللة لها ...هذا العمل يُمسي من حق أي شخص قاطن بالمنطقة تحت شروط من خلال رخصة يحصل عليها من عمالة أزيلال ..إلخ...و بالنسبة للمراكب السياحية فهي على الأنواع ،إذ توجد هناك مراكب خشبية صغيرة و أخرى هي الأخرى صغيرة ،تنفخ بالهواء "زودياك" ، يعتمدها أبناء المنطقة في جلب لقمة العيش ،بحيث يعرضون على السياح جولات على مسافة من وادي بين الويدان بمبالغ معينة...إلخ...
منطقة وادي سد "بين الويدان" بإقليم أزيلال الأمازيغي "تاشلحيت" ،جمالٌ خاص جدا, باهرٌ أخّاذٌ يأسر العين و القلب و لب الزائر ،و وجهة غاية اللطف والسلام والحب و السكينة و الإستمتاع بمناظر بهية منتهى البهاء... إن منطقة بين الويدان الآسرة تنمي الخيال و تعمق الإحساس و تغذيه بالشعر وبالعاطفة ،إنها تنأى بِكَ عن هموم الحياة و وتفاهاتها، لاسيما إذا كنت تعيش في مجتمعٍ مغربيٍ عليل تعيس مليء بالنفاق و الكره!!، "مُجتمع وْجُوهْ الشّْرعْ!!!" ..إن منطقة وادي سد "بين الويدان" بإقليم أزيلال الأمازيغي هي تلك الجنة على الأرض، التي تعمق إنسانيتك و التي تعلمك شيئا أرقى من الوجاهة،والمنزلة السياسية و العلاقات و الإنزواء للخمارات ،و مداومة العلب الليلية، و لذة الكِبر ! ماذا إذن تعلمك ؟ وَاوْ! التأمل في الطبيعة ! ...
الصورة : وادي "بين الويدان" بأزيلال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق