السبت، 20 يونيو 2015

ساحة جامع الفنا بمدينة مراكش ... الحُبّ و المغامرة و الجنون البداعي..



خَلدون المسناوي


ساحة جامع الفنا بمدينة مراكش الحمراء ،  من أجمل الساحات المتواجدة في العالم برمته. نعم..إنها الساحة التي لا تنتهي الحركة بها أبدا و التي تضم كل ما لا يمكن لأحد تخيله .. حلقات الفرجة : الأفاعي ،الأعمال الفكاهية، القردة ، الرقصات ، العزف على القيتار ، شد الإيقاع على الطبول. المأكولات الشهية.  كراء الدراجات...إلخ إلخ ... على أن ساحة جامع الفنا،  لها جمال مضاعف مع حلول الليل لاسيما مع اهتزاز الأضواء في كنفها و محيطها ، و كذا النظر لها أثناء ها من فوق سطوح المقاهي المستديرة لها ،هو ذا! هو ذا ،سحر ساحة جامع الفنا الفتّاك بمدينة مراكش ..إلخ إلخ...



كانت الساعة تقترب من الخامسة مساء حينما كنا وسط ساحة جامع الفنا بمدينة مراكش ... الساحة ممتلئة بالناس ،مغاربة و أجانب. الجو حارّ. و الجميع هنا مبتسم أو قل منشرحا بالجو الأنيس المُضمن بكثير من الأشياء الزهية. حلقات ترقيص الأفاعي ، مصورون يحملون على أكتافهم آلات للتصوير تبحث عيونهم عن زبائن ، عربات مستطيلة تنكب على واجهاتها جحافل من الناس ، نقر أو قرع على الطبول يدوي من هنا و  هناك، نساء مراكشيات جميلات يَلُحن بكثرة يقدنَ الدراجات النارية ... 





نحن الآن ،نجلس في "مقهى ـ سطح : فرنسا" ، ساحة جامع الفنا تحت بصري .. الشمس موشكة على الغروب فها هي بدأت تصفر اصفرارا باهتا واهنا تنتشر سهامها بنفاذ  و سطوع مترقق، على كل السطوح البانورامية البادية لبصري : سطح مقهى كلاصي ، سطح مقهى لانصيان ،إلخ إلخ...  الجو حار قليلا هنا بالسطح،و مروحية كهربائية على بعد مسافة قليلة من يساري تبعث رياحها التي تعبث بشعر أجنبيتان بجانبي ...إلخ إلخ... جدران المقهى منقوشة بحس جمالي بالجبس و كذلك سقفها المتبثة فيه مصابيح مغلفة بصفائح فضية مقوسة عليها ..إلخ ... نهضت من الكرسي ، و توكأت بيدي بشيء من القوة على المائدة، حيوية غير منقطعة الحركة على امتداد مساحة الساحة ، التفت يمينا ناحية مدخل قيسارية القصابين ، فبدا لي شبان تحتي أراهم من سطح المقهى، يشرعون في حركات بهلوانية ـ سِركية "أحدهم يقف بقدميه على كتفي الآخر ثم يقفز ثالث على كتفي ...  وهكذا، وسط ذهول جذِل من المارين بجوارهم و الجالسين بالمقهى إلى جانبي ، إذ ها هي أجنبية تشير إلى مرافقها بالمائدة ،  مُمددةً ذراعها صوب أولاء الشبان للنظر نحوهم بل هاهي تفتح حقيبة يدوية موضوعة بقربها على الكرسي و تخرج منها آلة فوتوغرافية و تُقدم مقربة إياها لوجهها ،على تصويرهم ..إلخ إلخ ... 




الشمس التي كانت قبل أزيد من ساعتين تنشر سهامها بترقق مُنعم ، يبدو أنها شرعت "أمام بصري" الآن وأنا متكأ على ظهر الكرسي واضعا  ساق على ساق في تأمل، تتوارى خلف الجبال ، و هاهو  الظلام قد بدأ يهبط من حوالي، بحيث أن الأضواء الناصعة البياض بدأت تشتعل في المحلات و في أكشاك بيع عصير الليمون و أطباق المأكولات الشهية ... و في لحظة ... : الله أكبر ! الله أكبر !! إنه آذان صلاة المغرب الذي يدعو المسلمين للقدوم نحو المساجد ، و الذي يسبغ معنى خاص جدا في ساحة جامع المفنا ، فمسجد "الكتبية" السامق و الملتمع بالأنوار الساطعة في صومعته ، يبت الآذان الذي يجري في دماء الساحة بأسرها إلى جانب مساجد أخرى تتواجد هنا بالمنطقة ، بمعنى يضفي على الساحة أثناء وقت الغروب ،"جمالا صوتيا" خاصا..إنه ذلك الجمال الذي تلتقطه الأذن الذي مضمونه الصوتي المتداخِل : "آذان صلاة المغرب المنبعث من مسجد الكتبية و أصوات الدق على الطبول المتصاعدة ... و لغط الناس الذي لا تميز منه شيئا ...إلخ إلخ... 




اعتدلت في مجلسي، حككت رأسي ثم بدلت موضع المقعد حيث سأصير ناظرا ببصري اتجاه مقهى سطح "لانصيان" ، ارتشفت رشفة قصيرة من فنجان القهوة السوداء المحطوط أمامي ثم استدرت يمينا ناحية تيراس أركانة مستطيلا النظر في واجهتها.. هناك انفجرت قنبلة قبل أربع سنوات خلال احتجاجات الربيع العربي ـ الأمازيغي،فكرت مقطبا حاجبي. جاءني النادل  بحيث كان قد أفزعني فيما أتذكر ،لقد كنت مستغرقا في التفكير حينذاك و أنا أحدق في "أركانة" في مسيرات 20 فبراير، كانت تتردد في ذهني صور المحتجين متهالكين أمام بوابة البرلمان في ذلك اليوم الأول الذي أتذكر و أنا أكتب الآن أنه كان ممطرا حينما انطلقنا  بالصراخ من باب الأحد..إلخ إلخ... قال النادل : "الشباب، خلصني باغي نمشي" ـ كم ـ 15 درهم ـ وقفت وأدخلت يدي في جيبي ثم نقدته الخمسة عشر درهم ...لم تمر سوى لحظات قليلة حتى نهضت لأغادر ... في السلم و أنا نازل لأخرج من المقهى كانت هناك فتاتان مغربيتان صاعدتان إلى "التيراس" ،كانتا تتهامسان في تضاحك ، تنحيت جانبا لأمكنهما من المرور صعودا عبر أدراج السلم ، صعدتا السلم ،إنهما الآن ما زالتا تتضاحكان في غنج ،،تابعت النظر إليهما حتى غابا فوقاً وراء الباب ...إلخ إلخ ... خرجت من مقهى فرنسا ،كان الليل في ذلك الحين لنقل قد اكتمل، السماء قاتمة متخللة بالنجوم   وقليل من الريح يهب من دون أن يكون هناك برد ،اتجهت في طريقي من ناحية "قيسارية القصابين" ، تجاوزتُ  مطعم ـ بار :"لو مراكشي"  عن يميني ، و انصهرت في زخم المارة ...حوانيت المأكولات على الأشكال و حوانيت بيع الآثات و مستلزمات المنازل و... منتشرة يمينا و يسارا... وجدتني بغير إرادة مني في قيسارية "الفتح" ،شأنها شأن قيسارية القصابين ،بيع المنتوجات على الأشكال ... بعد دقائق من التنزه في القيساريات المجاورة لساحة جامع الفنا وجدتني بهذه "أي الساحة" ،بين حلقاتها ،انتقلت من حلقة لأخرى، حينما كنت هاما بالإندماج بين الناس للفرجة على إحدى الحلقات المستديرة "أول الحلقات"،انتبهتُ لالتماعات متفرقة لمصابيح لاقطات الصور "الفلاش" من سطوح المقاهي تلك المحيطة لساحة جامع الفنا ، الحلقة الأولى كانت لترقيص الأفاعي ، أقل من دقيقتين و بارحتها ، الحلقة الثانية ، كان بها رجل و امرأة يرقصان على إيقاع البندير و الكمنجة اللذان كان يتكلف بهما رجل و امرأة كذلك، كان الرجل الأسمر المرتدي سروالا و قميصا و كرافتة، بين فاصل زمني و آخر، يستدير دورتان على نفسه مرتكزا على رؤوس قدم واحدة، كان يدور هذه الدورة على نفسه بشكل يثير ضحك كل المتحلقين عليه، كنت ألحظ في عيون المتفرجين أنهما ينتظران مثلي تلك الدورة من الرجل حول ذاته ليضحكوا!...إلخ...أما الحلقة الثالثة التي انضممتُ لها فلقد كانت فعلا مثيرة ، شاب يعزف على قيتارة  و يضرب في نفس الآن على طبلين أمامه بقدميه،كان  يعزف بينما أنا متوقف أمامه مقطوعة "لاسطيمي كانطاري"  و كان أتذكر، يجيدها عزفا و غناء ا على السواء ، أتذكر أنه كان قد نال مني هذا الشاب فنيا ...إلخ إلخ ... 




تحولت بساحة جامع الفنا بين حلقات متعددة أخرى  لأكثر من ساعتين من الزمن قبل أن أنعطف لزنقة "رياض الزيتون لقديم" ،ثم شققت طريقي نحو رواق "البرانس" ذو الإسفلت الناعم، المتفرع من ساحة جامع الفنا .. جميل  جميل  هذا الرواق ،إنه في هذه اللحظة بالذات التي أتمشى فيها به، يذكرني بإحدى الأروقة الموجودة بالمدينة الجديدة بطنجة ،المقاهي والمطاعم العصرية، الواجهات اللامعة للحوانيت، و الإحساس المفرط بالحميمية الإجتماعية وسط كثرة السائرين ... مررت من قرب سينما مبروكة و استأنفت السير ، سأجد نفسي بعد لحظات قرب سور "البرج" القريب من فندق التازي ،،وراء هذا البرج ينتصب مسجد يعج محيطه بحيوية المارة كل من أراد الترويح عن نفسه يأتي لجانبه،لعلنا نتحدث عن مسجد "مولاي اليزيد"  و الساحة المجاورة له المسماة كذلك باسم مولاي اليزيد، المقتربة من "كومبليكس لارتيزنا" إلخ إلخ...



ساحة جامع الفنا "العَجيبة" بمدينة مراكش الحمراء ، هي ساحةٌ الأجمل ما يكن في الساحات المتواجدة في كل بلاد المغرب الأقصى ، كساحة الهديم بمكناس المهمشة و ساحة باب لمريسة  التي كانت تعج بالحلقات "لقرع مول الحلقة!" التي تم الإجهاز عليها، و ساحات أخرى... ، بل الأجمل ما يكن في كلّ ساحات العالم... إن ساحة  جامع الفنا بمراكش المتوفرة على سحر منقطع النظير و المستقطبة للسياح من كل مناطق العالم،تزخر بأشياء جزيلة ومتنوعة ، تنمي الخيال و تحض على  الحُبّ و الإبداع و المغامرة و  الجنون البداعي ...إلخ إلخ ... 


الصورة : "خ،م" متوقف بساحة جامع الفنا  بمدينة مراكش أمام مطعم "أركانة". 



هناك تعليق واحد:

  1. How do you make money from your own work and get it back in
    If you're 더킹 바카라 looking for some more 바카라 사이트 가입 쿠폰 money to make money online and หาเงินออนไลน์ make money on 슬롯 my favourite casino, check out titanium wire this article. It's all about

    ردحذف