الاثنين، 10 أغسطس 2015

مَدينة مِيشلفن المغربية ... غريبٌ غريبٌ هذا الكوكب الأرضي! ..?




خَلدُون المسناوي 

في العادة أثناء دخول فصل الشتاء، يبدأ هطول الثلوج في ميشليفن قبل الحاجب و إفران و أزرو، و ذلك يعود إلى كون ميشليفن أكثر ارتفاعا من باقي المدن الثلجية المذكورة بحيث أن انهمال الثلج في ميشليفن يدثر الجبال في الوقت الذي تكون فيه  إفران و أزرو خاليتان من الثلج كلية، على الرغم من اجتياح البرودة أثير هوائهما . ميشليفن واحدة من المدن المميزة جدا بهوائها الصافي بالإطلاق من كل تلوث قد تسبب فيه حياة البشر الصناعية...

بقرب محطة الحافلات بإفران ، تستقر محطة عربات الأجرة. الذهاب إلى ميشليفن بواسطة عربات الأجرة ممكن ، لكن يشترط عليك سائق عربة الأجرة عدم تجاوز ساعة زمن بمشليفن قبل الرحيل، ساعة زمن بمشليفن صحيح لا تكفي ولكن قضاء ساعة بها خير من عدم بلوغها ...إلخ... صفقت الباب الجانبي الأيمن للمقعد الأمامي، وانطلقت العربة.. زلّق السائق بأناقة قرصا بفتحة مشغل الأسطوانات ثم عبث بكفه أزراره فاندفعت موسيقى كلاسيكية مصرية بيننا... قبل الوصول بمسافة قليلة إلى ميشليفن ، لاحت جبال عالية مثلجة مبهجة ، ابتسمنا في جذل وسط العربة ، بحيث قال السائق : هل رأيت ،أنظر هناك رافعا رأس أصبعه ناحية الجبال المغطاة بالثلوج،أومأت برأسي و صمتنا جميعا فترة قصيرة ، لقد كان أتذكر صمتا تملأه رغبة جارفة جدا في وضع أقدامنا في أقرب وقت على ظهر الثلج ..


في آخر منعرج موصل إلى مركز ميشليفن، انتبهت من خلال زجاج النافذة، إلى الضياء المكفهر لسماء يوم  غائم من خلال انفراج مساحة واسعة انبثقت لنا ...

انحرف سائق العربة إلى حافة الطريق الضيِّقة و توقف مطفئاً محرك العربة المهدودة القوى. نزلنا من العربة فيما لبث السائق الرافل في جلباب قطني سميك في مقعده.  كان الهواء شديد البرودة و الضباب منتشر بحدة في الجبل المغطى بالثلج أمامنا ،نظرت إلى الضباب المنثور حولي وقلت في نفسي : "ضباب مميز،ضباب الثلج هذا الذي أراه وليس ضباب غيره" ، كانت لم تمضي سوى بضعة أسابيع على قدومي من  "الزاك العسكرية" المأهولة ب"العتاد العسكري المتطور" التي مكثنا فيها بضعة أيام! ... لم يكن الجبل الثلجي المعروف بميشليفن يضم شخصا ما ،  نحن الإثنان كنا فقط ، أنا و زكرياء. تقدمنا مشيا في الثلج حاملين زلاجة خشبية بأيدينا من طرفيها في ذلك الهواء البارد،بحيث كدنا ننزلق في أرضه في البدء ، كانت منازل ضخمة مقرمدة السطوح تلوح معلقة في جوانب الجبل ، كانت جميلة جدا. صعد زكرياء قمة الجبل حاملا  الزلاجة بجهد ملحوظ في مشيته المتعثرة في الثلج، فيما لبتث أنا تحتْ، أنظر إليه صاعدا بمشقة كبيرة، ثم أستدير بين اللحظة و أختها أحدق بإعجاب في المنازل المقرمدة تلك... و ها هو يتدفق منزلقا نحوي من الأعلى "مقتعدا الزلاجة"  ، متزلجا حتى وصل عندي ، كان السرور باديا في وجهه بوضوح،أتذكّر ... حملت الزلاجة و صعدت  فيما هو ظل ينتظرني حيثما انتظرته ، ظللنا هكذا نتزلج بالتناوب في جو من البهجة  قرابة نصف ساعة... 


كانت طبقة الثلج التي تغطي الجبال رقيقة جدا بحيث انتبهت لذلك من خلال الفراغات الترابية التي تبدو  منقطة للإنتشار الواسع للثلج الناصع البياض على سطح الجبل. داهمني حقا إغراء شديد أن أبقى هنا لساعات. لقد كانت الصحراء التي قضيت فيها قرابة شهر زمن  قد شحنت في كينونتي معنى العزلة ، عزلة الصحراء عند دوستوفسكي ،ربما..  أطلقت بصري في الثلوج على الأرض ثم في التي تكسو جذوع الأشجار ،إنني الآن في هذه اللحظة التي أتوقف معلقا بصري في الفراغ، أتأمل في شأن التكوين  الطبيعي  لهذا العالم : كثبان رمل للصحراء و خضرة الغابة و اصطفاق عباب البحر و براكين و  ثلوج المرتفعات .. غريب غريب هذا الكوكب الأرضي!.  برقت في ذهني في لحظة هذه الفكرة بقشعريرة سرت في جسمي!..

على مسافة أقدام قليلة مني،كانت ندف بيضاء دقيقة  تلوح عابثةً  بأغصان الأشجار المجانبة للطريق  خلف عربة الأجرة المهترئة  التي قدمت بنا أنا و زكرياء لميشليفن. نظرت و فكرت: صوت بلا صورة لا يسمعه أحد.  إنني الآن بينما أحدق متأملا في هذه اللوحة المعبرة عن معنى :"الوحدة" ،تصيبني في مؤخرة رأسي كرة طرية من الثلج . استدرت وبرودة الثلج تتسلل من   قفاي لظهري، فوجدت زكرياء  يضحك  ضحكة شريرة عالية هاما برشقي بكرة ثلج أخرى . انحنيتُ و جمعت حفنة كبيرة من الثلج و رشقته بها بقوة. ظللنا نتقاذف في جو من السرور بكرات الثلج لدقائق معدودة إذ كان وحده سائق الطاكسي المعتمر قبعة الجلباب الذي بدا لي داخل عربته ينظر إلينا  . كان شعر زكرياء يبدو لي مشبعا بالثلج و كذلك ثيابي كانت ...إلخ إلخ... 

مدينة ميشليفن المغربية الكائنة بالقرب من مدينة إفران بحوالي ثلاثين كلمترا، مدينة تشتمل على هواء نقي منتهى النقاء  ،كما تتوفر  على غابة كثيفة تضم خيرة الأجمات و الأشجار  .. إن ميشليفن تجسد جمالية طبيعية يندر وجودها في مجال طبيعي آخر "لا بالمغرب ولا خارجه" .. غير أن عدم توفر مدينتنا على تجهيزات سياحية "فنادق..." يجعل التوجه إليها من لدن عشاقها، لا يتخطى بضعة ساعات في أكثر تقدير ، في الوقت الذي تشتد فيه رغبة العديد من السياح قضاء أسبوع أو أكثر بين جمالها المشتعل،الأمر الذي يُصيِّر أمر بناء مركبات سياحية بها أولوية لا تجادل ،من أجل السياحة والإقتصاد، و أيضا من أجل مستقبل أفضل لسكان المنطقة الأصليين ...إلخ إلخ ... 

الصورة : "خ،م" بمدينة ميشليفن .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق