خَلدُون المسناوي
شاطئ الأمم بسلا حقاً،،،تغير كل التغير. كل شيء تبدل فيه: واجهات المباني ، الطرقات ،منعطفات التقاطعات ، الجو بشكل عام... سحنة الشاطئ في الذهن تبدلت ،بالشكل الذي أخذت صورة مباينة كل التباين أثناء تخيلها لما كان عليه الشاطئ قبل أكثر من عامين. جذوع الأشجار و الأجمة امّحت وكأنه لم يسبق أن كان وجود لغابة كثيفة المنبت البتة بين طريق القنيطرة والشاطئ. تبديد غابة من لدن البشر مهما كانت المنافع الإقتصادية التي ستنتج عن موت هذه الغابة ، موجع ومؤلم للغاية و معرب عن علاقة خبيثة بين الإنسان وجمال الغابة ،مهما سُوِّغ و بُرِّر "فرص شغل إلخ..." .. إني أتذكر الآن في هذه اللحظات التي أجلس فيها على كرسي بجانب نافذة البيت المنفتحة و ثياب رمادية منشورة في حبل سطح تحت سياط شمس حارقة ترتعش، تبدو لي من خلال النافذة ... حديث عبدالله العروي عن الغابة،في إحدى كتاباته حيث أنه ينفذ لذهني الآن وأنا أنظر في مائدة قربي إلى اللاشيء ، جزعه الكبير وانقباض قلبه عندما كبر و صار ينظر للغابة تُغتال أمامه ...
في كلمتين : "الغابة مقدسة".
كل الغابة المحتشدة ، بين الطريق المتولدة من الطريق الوطنية الأولى المؤدية للقنيطرة والموصلة إلى مركز شاطئ الأمم، لا أثر لها اليوم . حلت محلها مشاريع بنائية سكنية و ،أخرى سياحية هادئة ضخمة . فيلات بمسابح صغيرة. شقق سكنية لأسر. منشأة الكولف المريحة. فنادق مُصنَّفة فاخرة . لقد تغير شاطئ الأمم فعلا تغيرا هائلاً.
شاطئ الأمم أو " بلاج دِيناصيون" كما ينعته رواده بالفرنسية، أغلب رواده من أبناء سلا، اللهم جزء من القادمين له هم من ، الرباط و كذلك من القنيطرة وذلك باعتمادهم العربات الخاصة والحافلات . الشاطئ يوفر به جماعة من الشبان من أبناء جماعة بوقنادل منافع مادية موسمية لابأس بها، وذلك بتقديمهم بعض الخدمات للناس المصطفين هنا .الشبان هنا و اليافعون ،يقدمون شتى خدمات للحصول على المال. كراء السورف ، النقل بواسطة الدراجات الثلاثية العجلات. بيع المثلجات. بيع المأكولات الخفيفة.إلخ إلخ.. أبناء "جماعة بوقنادل" يعتبرون شاطئ الأمم خاصة لما تم تأهيله اقتصاديا "سياحيا" منطقة مهمة من حيث تجلب لجيوبهم دراهم العيش ، وأنهم الأولى في ملأ فرص الشغل المتاحة من غيرهم لاسيما في الأصياف ..
عباب الأمواج الممتدة على مسافة طويلة من الماء المتدفق نحو رمال الشاطئ ، تلوح أمام زائر ديناصيون حينما يهم نازلا آخر منعرج منزِّل إليه ، منظر باهر جدا . دائما حينما أجيء هنا أسرح بصري لثوان أثناء نزولي من الهبطة المنزلة لمدخل الشاطئ : "ديناصيون" شاطئ طويل أقول مع نفسي. وجدتني أتمشى على رمال الشاطئ الحارقة حافي القدمين. الساعة هِيَ ا لعاشرة صباحا . الجو صحو مشرق و الشاطئ شبه فارغ . أغطس ساقاي إلى الركبة في ماء الأمواج المنكسرة بجانب فتاتين مراهقتين و صبي ولد . انحسر الماء من قدمي للوراء،فانغرستا بالرمل المشبع بماء البحر ،تقدمت في السير بخطى بطيئة منتزعا بشيء من القوة بين الحين والحين قدميّ من الرمل المبلل العالق بقدمي.. مررت بجانب بعض الشبان . كانوا يقذفون كرة . ابتعدت عنهم قرابة مائة متر، صوب ركن قرب خيمتين اثنتين يختلف إليها معلموا سباحة تبدو أجسادهم المضطجعة بتراخٍ من فتحات ثوب خيمتيهم .. مددت الفوطة على الأرض و تبثتُ الواقية الشمسية بدفعة قوية لعصا مقبضها للأسفل في الأرض الرملية وفتحت كرسيّ المطوي ثم، اقتعدته تحت الواقية مضطجعا على ظهري مرتدا للخلف مظللا تماما. أقرب شخص إلي شاب يجلس مقرفصا على بعد نحو خمسين مترا مني على الرمل يدخن بجوار تجهيزات سباحة ...أبعد شيء يلتقطه بصري من موضعِي،قامات غامضة منتصبة بأعالي صخور خشنة مسودة ضخمة ،خلف فندق الفردوس يلوحون بقصباتهم للتحت نحو الأمواج ..إلخ...
"اللي فوتوا أنا مايتصورش فلبال غي ربي كان معايا..." كان صوت "بلال" المبحوح ، ينثره بوق جهاز موسيقي صغير يحمله، شاب من مقبضه الحامل، حدقت إليه يمر بتثاقل أمامي على الرمل بسروال قصير عاري الصدر الملمع بالزيت. حينما التفت بنظرة جانبية نحو حفيف خطى على الرمل، خطفت بصري العضلات نافرةً تحت جلد صدره المزغب. فتحت حقيبتي الرخوة من فمها بفكي للخيط المعقود عليه بإحكام، و أدخلت يدي لجوفها أُوجس متحسسا مادة كطحين . المعجون. ينقصه الآن الشاي الساخن قلت وأنا أحدق إليه ملفوفا كتراب في يدي . أفرغت طحين المعجون في حليب رائب كنت قد أتيتُ به معي، مزجتهما بسرعة وبتسلط بملعقة، و أجهزت عليه ابتلاعا دفعة واحدة. بعد دقائق معدودة سيمر من جواري حصانان أصهبان سمينان يقتعدهما دركيان في نضارة الشباب ،يتجولان ببصرهما في الناس تحت الواقيات بنظرات مستطيلة و متوقدة. كان ماء البحر هائجا شيئا ما لكن ليس بالذروة التي معتاد أن يكون عليها هيجانه. أمواج قوية شيئا ما تبث ريحا هادئة لطيفة بين المصطافين،لكنها ضعيفة الإندفاع بالمقارنة على ما يكون عليه "ديناصيون" و حتى في جو الصيف الحار الذي من المفروض فيه أن يكون أهدأ. الأطفال و الرجال و النساء يكتفون بالسباحة في حافة تدفق مياه الشاطى من دون أن يجرؤوا على غزو ماء الأمواج لداخل البحر ...إلخ...
بشاطئ ديناصيون بسلا ، العديد من مباني المطاعم و المقاهي ليست جاهزة في الوقت الحالي لاستقبال زبائن الشاطئ بالصيف، لكنها على وشك أن تكون كذلك ، فهذه المباني المطلة على عباب أمواج البحر المتدفقة ناحية شريط الرمال الرطبة المبللة ،اكتمل تشييدها و على أعلى مستوى ، و لم يبقى إلا تجهيزها بالأثاث أظن.. بحيث لحتى أنه تبدو لزائر المكان لافتات عريضة فوق أبواب المباني هذه ، مكتوب عليها مثلا : "بيزيريا ديناصيون" أو "كافي ديناصيون" ... لكن التجهيز الرفيع الذي شمل شاطئ الأمم لا في الناحية المشرفة على أمواج ديناصيون المُغرقة ، و لا على طول المسافة الوسيعة المحيطة به ، ليس هو بغرض تجهيز شاطئ فقط . بلى، إن الدولة تعتزم تأسيس منطقة سياحية وسكنية "برجوازية" واسعة بسلا تشكل منتجعا اقتصاديا هاما ..إلخ... بحيث أن التجهيز الذي انخُرط فيه في الشاطئ، منذ قرابة سنتان لا يهم تحيينه ،في فصول الأصياف فحسب، بل في جميع أزمنة السنة ،إذ سيصير المكان قبلة بغاية السكن و السباحة و البحث عن السكينة و الرومانسية ، واحتساء فنجان قهوة على منظر الغروب... إلخ إلخ..
شاطئ "ديناصيون" بإقليم سلا ،أبرز شاطئ من شواطئ سلا "يضاف لهم الشاطئ المتجاور مع قصبة كناوة"، إنه شاطئ شكل النواة الأولى و نضارة مشروع سياحي ترفيهي، قوي ضخم ستتعقبه نتائج جيدة على مستوى جلب فرص شغل ،و كذلك على صعيد الترفيه في فصل الصيف على الخصوص ،بل قل في جميع الفصول ... شاطئ ديناصيون واحد من الشواطئ الذي يمكن أن يكون التفكير في شأن تحسين بنياته ، سبيلا هاما صوب تأسيس تجمع سكني ضخم مجانب لمياه البحر بإقليم سلا على غرار حي اشماعو والأمل "إقليم سلا الذي يضم بدون مبالغة 2 مليون نسمة في مساحة صغيرة مما يُصير سلا ذات أكثف كثافة سكانية ربما بشمال إفريقيا!"...غير أن التجهيز الكبير الذي أشرف على تنفيذه من أشرف بمنطقة الأمم بسلا يجب ألا يكون قد تخلله الفساد كما هومعروف في كافة المستويات الذي يخوض فيها المغاربة!. شاطئ الأمم يقتضي الزيادة في تظافر الجهود من لدن كل الأطراف المكلفة كلٌّ في كنف مسؤوليته ، من أجل مستقبل اقتصادي و ترفيهي واعد لشاطئ الأمم ، أو بالأجدر، للمنطقة الشاسعة"الأمم" بسلا، الذي يعتبر هذا الشاطئ من أجمل و أنظف شواطئها لدى سكان سلا والرباط ...إلخ إلخ...التجمع السياحي "الأمم" القريب من متحف بلغازي بسلا، يجب أن يضفي تطورا اقتصاديا يستفيد منه سكان المدينة الذين يقبع معظمهم في الشغل الموسمي الغير المهيكل بدون لا تقاعد و لا تغطية صحية ولا آمان ولا أي شيء ... إلخ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق