الاثنين، 23 مارس 2015

مدينة "وَاد لاو" بشمال المغرب ...مؤهلات طبيعية مُهمة تتطلب مواكبةً تنموية ...






خَلدُون المسناوِي   


شاطئ "واد لاو" المُطِلّ على مياه البحر الأبيض المتوسط ،من الشواطئ المولهة للزوار من كل صوب و حدب و في الصيف من دون وقت آخر ،إنه الشاطئ الذي يمتد "كورنيشه" لمسافة جد طويلة ،و يقذف أسماكا ذات جودة  من كل الأنواع ، الصيادون يدلفون لداخل مياهه  بمراكبهم الصغيرة و يرمون بالشباك لقعر الماء ثم يرفعونها ملأى بشتى أنواع السمك ... 




من  شارع الدار البيضاء بمركز مدينة تطوان  قرب المدينة العتيقة  تمتطي ، الحافلة المتوجهة ل: "واد لاو" ، ... تذكرة الحافلة يبلغ ثمنها 7 سبعة دراهم ، المسافة من تطوان إلى واد لاو تصل إلى 40 أربعين كلمترا .. الطريق مرتفعات فمنحدرات مرتفعات فمنحدرات و هكذا إلى أن تلوح لك واد لاو تحت بصرك،تتخلل هذه المرتفعات عدة منعرجات شديدة الإلتواء  ،الجبال تظهر لك على مدى أكثر من 45 دقيقة من السير من يمينك و من يسارك من خلال زجاج الحافلة الشفاف، الأشجار مكتسحة لسفوح  الجبال حتى قِنَنِها  تنبجس  بينها بين الحين و الحين ، مساكن هزيلة المساحة  "للفقراء طبعاً"، و ، فيلات للأغنياء و كذلك ،مساكن في طور البناء، كذلك على طول الطريق تنبثق لك مياه بحر منبسطة رطبة ذات أثر رائق على العين ،تنتثر مراكب للصيد هنا وهناك  على  سطحها...





بعد قطع قرابة مسافة 3 تلاثة كلمترات من مركز تطوان في الطريق نحو شاطئ واد لاو ،تتسرب طريق إلى واد آخر ليس واد لاو ،و إنما واد الخميس والذي يلزمك قطع 7.5 سبع كلمترات و نصف لبلوغه من مخرج متفرع من  الطريق المؤدية لواد لاو ...، من زجاج الحافلة الشفاف تبدو لك من حين لآخر مساجد  و بئر مسورة بسياج سلكي ، المساجد هذه لابد أن نقول أنها المنتج الوحيد للمعنى و الفكر للأفراد الساكنين في هذه الجبال عدا طبعا الراديو و التلفاز و بعض المدارس التي لا تتعدى المستوى الإبتدائي ... 





على طول فترة رحلة الحافلة ،يلوح لك  أطفال يرتدون "محفظات " على ظهورهم يصعدون المنحدرات الوعرة على جنب الطريق أجبنتهم معروقة ، و كذلك نساء يحملن أعواد الأشجار على ظهورهن ...،بعد قطعهن لها بأدوات حادة من الأشجار  ،أعواد الأشجار التي تستخدم في طهي الخبز والأكل بعد إذكاء النار فيها و أيضا التي تحمل في حاويات الشاحنات الخلفية، ويتم القدوم بها صوب أفران مدينة تطوان و بعض معاملها الخشبية ..إلخ...



في الطريق نحو واد لاو من مركز تطوان ، تستقر قريتان إثنتان  وهما : "أوشتام" و "تمرباط"،  القريتان تنتصبان لك على الجبال في طريقك ،القريتان اللتان  تتوفران على مقاهي صغيرة و على حوانيت لا توفر كل الحاجيات الغذائية، لذلك يجنح سكان هاتان القريتان الذين يبلغون بعض المئات لسوق الخميس لاقتناء سلعهم.. إلخ ... لعله السوق الذي يتدفق نحوه الناس من تطوان و من واد لاو للغرض ذاته ... 



نحن الآن على مقربة من الوصول إلى واد لاو ،إذ هاهي يافطة على قارعة الطريق تشير  أنه يلزمنا قطع 4 كلمترات أخرى للبلوغ له ، و هاهي الحافلة تهيم نازلة في انحدار عميق على آخر  منحدر تنبثق واد لاو خلفه بجمال لا يتصور ،أوه! إنه "جمال واد لاو" الشاطئ المتوفر على أطول كورنيش لا مراء في ذلك ... 




...في الحافلة مقتعدا كرسياً ،أمام رجل  و امرأة متشحة في ملبس جبلي ، الرجل يبسط   إلى قدميه قارورات مملوءة بالماء ،إنه قادم بها من مكان ما ،بادرت أسأله  الوقت الذي تستغرقه الحافلة للوصول لواد لاو ، دفع يدي بعنف و قوة كبيرين، انصعقت !، لماذا تصرف على هذا النحو  ،ماذا فعلت له،ألن أكون قد بدوت له من ملامحي ولهجتي إبن الداخل كما يتفوه أغلب  الشماليون!،أبناء الداخل "العروبيون" كما يقول أكثرهم بين بعضهم البعض!، سكتُ و استدرت ناحية النافذة زائغاً ببصري منخرطا في تفكيري هذا ...، قبل وصول الحافلة إلى واد لاو ببعض الطريق ،تفوه بجانبي شخص في نحو الخمسين من عمره  بلهجة استنكارية  لشخص أمامه خمنت أنه من ذويه،: لماذا سنهاجر إلى أوروبا قل لي  ،ماذا يوجد عندهم لا يوجد عِندنَا !،   ،،،بسبب عجب هؤلاء الأوروبيين لم تعد تجد  حتى من تكلمه في البيت!،اللعنة! ،كل منا في الأسرة منفرد بنفسه ، مخفضا رأسه  على لوحة إلكترونية أو ... !..




بقرب المكان الذي تتوقف فيه الحافلات ،بواد لاو بعد قدومها من شارع الدار البيضاء  بمركز تطوان ، ليس ببعيد عنها، تقريبا بعض الأمتار القليلة ، تتواجد محطة عربات الأجرة الكبيرة مرسديس 240 المنقلة من واد لاو نحو تطوان و كذلك العكس ، عربات الأجرة هذة التي تذهب بالركاب  من تطوان إلى واد لاو أو العكس ب 20 عشرين درهما ،عكس الحافلة التي تقطع هذة المسافة ،وفي كلا الإتجاهين ، فقط ب 7 سبعة دراهم ، على أن الحافلة لم ينطلق ارتيادها إلا قبل قرابة سنة من الزمن ،حينما انكبت أصوات الإحتجاج و الشكوى على الإدارة المحلية لواد لاو من لدن سكانه،، بحيث تمت الإستجابة لهم وذلك نظرا للفقر المنتشر بكثرة بينهم .. إلخ...



تعتمد واد لاو ، من بين ما ترتكز عليه في حركيتها الإقتصادية ، على كراء المنازل للسواح الراغبين بالإستمتاع بجوها الصيفي الجميل و كذلك ،بيع المأكولات الغذائية في مطاعم متخصصة في الأسماك المشوية و المقلية إلخ إلخ ...، و كذا بيع الأسماك المستخرجة من مياه البحر بواسطة المراكب ،إلخ ... ،أيضا ، هناك الكثير من المقاهي التي تجدها مكتظة بالناس في فصل الصيف و التي تعاني قلة الزبائن في الفصول الأخرى التي يكون فيها "واد لاو" محتضنا فقط لسكانه من دون غيرهم ...زد على ذلك المثلجات و كؤوس العصائر التي لعرضها علاقة أساسية بجو الصيف ،بحيث يوفر هذا الأخير إمكانية  الإنخراط في بيع مجموعة من الأشياء لزوار واد لاو ...



... قفزت جدارا إسمنتيا وتيراً ، و أطلقت الخطى بسطح رمال شاطئ واد لاو ، كان الفصل فصل شتاء و الشاطئ فارغ إلا من بضع أشخاص هم في الغالب رجال بحر ..، وكان ازرقاق السماء متوار خلف سحب رمادية متلبدة ، وكانت مياه البحر تتهادى منبسطة في هدوء على رمال الشاطئ بقرب صف من المراكب مصفوفة أمام بصري.. وكانت عن يميني ، جبال تبدو عن بعد صغيرة منتصبة في شموخ نصف متوارية وراء الضباب ،، المراكب تلك، مربوطة في تسلط  بحبال سميكة إلى مرساة متبثة إلى سطح الرمل .. ،،بجوارهم بحارة بقبعات قشية  يفكون الشباك و يبسطونها ،و آخرون بجانبهم يعتلون المراكب الصغيرة المصطفة على رمال الشاطئ ، و ينحنون بظهورهم على الشباك يفكون عقدها و يسطحونها متلقفين في استحكام  الأسماك المهدهدة بأكفهم المحشوة في القفاز...إلخ... 



رجل مسن يرفل في معطف متسخ مثقل على جسده المعظم ،مر من جانبي محني الظهر يشع بوجهه الكثير الغضون ، أمارات  التعاسة..  توقف بجانبي للحظات مستطيلا النظر إلي  لعله كان يريد استجدائي  ،أشحت بصري عنه ، فاستأنف سيره مُطرقاً مُتأسيا...،وهاهي ذي طيور اللقلاق تحوم ناشرة أجنحتها تخفق بها في أنس أشعة الشفق المُنتشِرة فوق بيوت متراصة  في جانب من الشاطئ " بيوت سكنى البحارة ".. نقلت بصري بين الرجل المسن المُعدم ، و البحارة ، و السماء المغطاة بالغيوم  التي كانت عندئذ تقذف  رذاذاً من المطر ،وتخيلت أن أجتمع و الرجل الطاعن في السن و البحارة تحت هذا المطر نتحادث عبثاً في حلقة رغما  كوننا لا نعرف بعضنا البعض !،ثم يشتد المطر إلى غيث، ونلبث تحته بغير اكتراث للسماء و للبشرية! ،يا لها من فكرة!! ... كانت الشمس قد أوشكت على الغروب ،وكان البرد قد بدأ يشتد ،و كانت باخرة صيد صغيرة تلوح عميقا في البحر تَمخره مخلِّفة خلفها خطاً مترقرقاً... ، و كان هر قد انبثق من بين المراكب المصطفة أمامي و نط إلى وركي، فأمسكته بكلتا يداي وظللت أمسد يدي على شعره في صدري خارجا به من رمال الشاطئ نحو الطريق ...



"واد لاو"،المدينة التابعة لعمالة تطوان القائمة بين مدينتي شفشاون و الحُسيمة ، هي مدينة زاخرة من الناحية الطبيعية بثروة جبلية وبحرية"البحر الأبيض المتوسط" خلابة استثنائية  تحيط بالمدينة من كل النواحي ، إلا أن الجدير بالقول ، هو ،انعدام المواكبة التنموية الناجعة للجمال الطبيعي لهذه المدينة ،المواكبة التنموية طبعا،التي من الممكن أن تدفع بصداها السياحي "لمدينة واد لاو" لدى السياح و لاسيما الأوروبيون منهم "بحكم قربهم" ،لأبعد حدّ ،،،إن مدينة واد لاو ،هي عبارة عن مدينة تحتاج لمقاربة تنموية  تتخذ من البعد السياحي الأساس والمدخل الجوهريان لإصلاح شأنها المحلي ...إلخ إلخ...




الصورة : "خ،م" بشاطئ مدينة "واد لاو" بشمال المغرب .

الثلاثاء، 17 مارس 2015

مدينة تطوان : مدينة تحتاج للإستثمارات الإقتصادية...





 

خَلدُون المسناوِي



شارع "مُحمّد الخامس" بمدينة تطوان ،يختلف كل الإختلاف عن كل شوارع "مُحمّد الخامس" بمدن المغرب الأقصى ...من حيث الشكل العمراني ، من حيث الهندسة البنائية ، ومن حيث كذلك الطابع الأندلسي "المالاقي" الموسوم به هذا الشارع بهذه المدينة الجذابة...



بشارع محمد الخامس بتطوان ، البنايات موشاة واجهاتها بزخارف إسبانية: الشرفات والنوافذ و كذلك الأبواب ...كل شيء في الشارع حتى الاسفلت يقذف بك للإحساس لبرهات بإسبانيا ...


بجوار مقر البريد،بساحة مولاي المهدي الذي يُخَرِّج إليها شارع محمد الخامس بتطوان الأولى "المدينة العتيقة" ،تستقر بناية "الكنيسة" المقرمدة صومعتها المصبوغة واجهاتها بطلاء بني فاتح والتي تطل على نافورة  تنهمر منها المياه... على رأس كل ساعة يهدر من عَلاء صومعة الكنيسة صوت طنين "طِنْنْ طِنْنْ ..." إيذانا بالزمن  ..



كانت الساعة  تشير إلى التاسعة و خمس دقائق بالتمام حينما كنت منزويا إلى مائدة بمقهى "الوطنية" واضعا ساقاً على ساق أتأمل فكرة "جمال الإهانة" التي قرأت عنها للتو، في كتاب الإخوة كارامزوف للكاتب دوستويفسكي، لقد مرت خمس دقائق على سماعنا ترجع صوت تسع طنطنات تشيع في أثير فضاء الساحة...السماء من خلف زجاج المقهى تبدو مُدثَّرة بسحب متكاثفة رمادية داكنة ها هي تسطع فجأة من ثناياها الشمس بإشعاع يغمرها بياضا أثار ارتياحا في نَفسِي ... تأبطت الكتاب وترجلت في خطوات سريعة ناحية ساحة "الفدّان ـ المشور السعيد" المقابلة لمقر القصر الملكي لتطوان ، بائعوا السلع بمختلف أنواعها بعرباتهم من حولي يتفوهون أثمان  السلع،عمال للنظافة يكنسون البقايا من  الطريق ويحشونها بقمامات خضراء يدحرجونها أمامهم في مسيرهم على عجلاتها   ،انسلخت من بين الباعة ورجال النظافة و قصدت رأسا زقاق القيسارية ،،،و هاأنذا بعد دقائق من تواجدي بمقهى الوطنية، أهبط أدراج "باب عقلة"  القيمة التاريخية الكبيرة في تطوان لاشك... دخلت من الباب  وسرت أمامي أنا الذي لا أعرف زقاق المدينة العتيقة لتطوان عميقاً،كنت في كل مرة أتلفت إلى يافطات تخطف البصر يمينا و يسارا تعطي معلومات تاريخية عن مساجد و مدارس ...إلخ ... إلى أن بلغت بابا مزخرفا آخر ،إنه باب "توت" ..



بساحة  "الفدّان ـ المشور السعيد" ،تنتشر فنادق كثيرة في الغالب لا يتجاوز المبيت فيها خمسين درهما لليلة ،تكون فارغة بشبه إطلاق في كل الفصول عدا الصيف الذي تمتلأ فيه عن آخرها،   حركة الغادين و الرائحين التي لا تنقطع  إلا مع  اقتراب منتصف  الليل بالساحة  يعلوها ، شعار المملكة المزدان في الجدار العريض المواجه لقوس باب القصر الملكي ...  



وراء شارع محمد الخامس وكأنك ذاهب نحو الأدراج المنزلة حتى ذروتها إلى مقر الستيام،تتواجد بناية سينما إسبانيول .. هناك أيضا قاعة سينمائية أخرى تسمى : سينما أفنيدا وتقع بالتحديد بمحاذات مقر المحكمة الإبتدائية قرب بار الأندلسية ... في الطريق إلى الأدراج المدحرجة نحو شارع المسيرة الذي يقودك المشي فيه إلى المدينة الجديدة ،هناك السوق المركزي الذي يتقاطر إليه الناس بغرض ابتياع كل أنواع الخضر و الأسماك و اللحوم ..إلخ... 



و على السواء  ،أتكلمنا عن تطوان الأولى أو تطوان العمارات الجديدة، فلا بد أن نقول عنها ،أنها مدينة من المدن "النظيفة" ، و "جدا" نقول ذلك عنها، خاصة إن قارناها مع العرائش الغارقة و دوما في مشكل انتشار الأزبال في نواصي الشوارع و زواياها و في الساحات ..إلخ...  


تطوان مثلها مثل "الصحراء" تقريبا، في أي شيء؟،في كون سكانها لا يستيقظون باكرا..   إذا خرجت في الصباح في الساعة السابعة صباحا في تطوان، لا تنتظر أن تجد كل الحوانيت مفتوحة ،  فالجميع موصد  ، و مثل ذلك الإستثمار ... ! فالمستثمرون الإقتصاديون قلائل إجمالاً  بهذه المدينة ...



لا غرو إن قلنا أن مدينة تطوان،  تبقى من المدن المهمشة من لدن الدولة من ناحية الإستثمارات الإقتصادية،اللهم الأموال الضخمة التي يضخها "الحكم" لمراقبة هذه المدينة استخباراتيا بسبب النزعة الإرهابية  المرتفعة حقا بها أكثر من المدن الأخرى، إن مدينة تطوان  تحتاج إلى تأهيل سياحي اقتصادي يليق بموقعها الجغرافي و بطابعها المالاقي ،و ذلك بجلب الإستثمارات الإقتصادية على غرار طنجة ،من دون طبعاً أن تنقطع المراقبة الأمنية المترصدة للتحركات الإرهابية داخل المدينة...إلخ ...



الصورة : "خ،م" جالس بمقهى "الوطنية" بشارع محمد الخامس بمدينة تِطوان.



الأحد، 8 مارس 2015

باب بوجنود بمدينة فاس... حينما يمتزج التاريخ بالفقر والغنى و..التكفير!..








خَلدُون المسناوِي

من قرب متحف البرج الشمالي المملوء بالأسلحة القائم في العلاء ،تبدو لك المدينة العتيقة لفاس تحت بصرك بصوامع مساجدها  التاريخية المنتصبة في اعتزاز و منازلها الممعنة في القدم ،على أزهى ما يمكن أن تبدو لك ،إنها فاس الأولى في أزخر معانيها ، مدينة العلم كما يقال ، ومدينة صناعة الجلود...إلخ...والمدينة التي عليك أن تبتسم عند وجودك بها ...



باب بوجنود ، بوجلود ،أبي الجنود ،كل ينعتها هنا بفاس بالإسم الذي يبتغي، هو باب تاريخي من أقدم الأبواب الكائنة بفاس و البوابة الرئيسية المفضية إلى قلب المدينة القديمة ،"البوابة"  دائما ما تجد السياح من خارج المغرب كما من داخله, يلتقطون صورا فوتوغرافية لها ، يلتقطونها  لهم وهم خارجين منها  كما يلتقطونها من دون أن يُصوروا فيها...




الساعة الآن تشير إلى العاشرة و النصف صباحا ،المكان المقهى الشعبي الكائن مباشرة على يسارك بعد دخولك من باب بوجنود ،أشخاص من الجنسين و من كل الفئات العمرية يروحون و يجيئون كل إلى غرض سيزاوله ، سياح من داخل المغرب مراهقين كما شبان يزحفون على أقدامهم في مجموعات قد تتجاوز العشرة أشخاص ، أحصنة منهكة بين الحين و الحين تسطع أمامك تعتليها قنينات غاز البوتان يجرها شيوخ أنهك ...وإن ليس باب بوجلود مكانا غير آهل بالباعة أبدا وإن كان محيطها ليس مملوء ا بهم كثيرا فهناك بعض باعة السجائر  بالتقسيط ها هم  على يمين الباب أمامي يجرون بصري ...




تتخلل باب بوجلود حركية اقتصادية لا بأس بها ، فبالنسبة لتقديم المأكولات، هناك مطاعم كثيرة هنا "كمطعم الشباب مثلا"،  تقدم الأطباق من جميع الأصناف..  أمام واجهات المطاعم يتوقف ندل يتلفعون أقمصة بيضاء يشيرون للمارين من جانبهم بقائمات للمأكولات يحملونها بأيديهم سائلينهم الولوج عندهم ، كل هذه المطاعم الكائنة بأمتار قليلة بعد تخطي باب بوجنود ،يلجها الأوروبيون أكثر مما قد يلجها سياح الداخل ... في هذه الأثناء نهضتُ من مقعدي في المقهى، نَقدت نادل المقهى الذي كان جالسا بجوار شرطيين يعملان بمركز الأمن ـ بوجلود ،عدلت ياقة قميصي و ترجلت ناحية "زنقة البريد" ،أسرعت الخطى وسط الزحام بزنقة البريد إلى أن انبثقتُ  في ساحة البطحاء.. بزنقة البريد أيضا ثمة مطاعم للمأكولات،المأكولات هذه المرة الخفيفة على البطن و كذلك على الجيب ، المطاعم هذه قطعا لا تجد فيها عدا سياح الداخل و كذلك أبناء المنطقة...







الفنادق منتشرة بكثرة  هنا بالمدينة القديمة بفاس "كفندق كاسكاد المطل على باب بوجنود" ، وكذلك دكاكين بيع الجلود و الجلابيب...، فهي  تطالعك منذ اجتيازك للباب ببعض الخطوات ، على يسارك سوق الخضر و الفواكه الذي يخرِّج لجوطية باب بوجلود ،أمامك قيسارية السراجين المقوس بابها، أما عن يمينك فهناك زنقة : "الطالعة الصغيرة" التي توصل  في ذروتها نحو "الدباغين" ... أسير في زقاق "الطالعة الصغيرة" والوقت منتصف النهار ، أعجبني معطف جلدي من المعاطف الجلدية المعلقة بباب  دكان لبيع الملابس الجلدية، فقصدته أفحصه بيدي ،،، بعد  تلاثين ثانية على أكثر تقدير ،مرت امرأتان أوروبيتان عليهما آثار الثراء من جانب المحل ،شخصان  كانا  واقفان بباب المحل ،واحد كهل يتشح في جلباب, و الثاني شاب  في نحو التلاثين من عمره.. قال الأول  بغمزة من عينه  في سخرية : الكفار يمرون من قربنا ! .. أتبع الثاني في ابتسامة كريهة : آخرتهم سيدخلون النار !! ،،، ذهبتا الفتاتان  دونما أن يشعرا بشيء..  "عقيدة توتاليتارية ! والفقر! و عُقدة عقدة الإنسان الأوروبي! ، قلت في نفسي ... إن هذا السلوك الذي سلكاه هذان الشخصان حيال أجانب أوروبيين سياح, ليس سلوكا نادر الوقوع ، بلى ،إنه سلوك يتكرر مرات و مرات معهم، ولكن فقط لأن نتيجته تكون حتميا "لا ردّ" غالبا بسبب عدم فهم الدارجة العربية المغربية من لدن المُكفرين الأوروبيين فلذلك لا ينشأ النقاش حول هذا الأمر .. إلخ إلخ ...


مُحيط باب بوجنود بالمدينة العتيقة بمدينة فاس ، مكان تتدفق في أثيره بلا انقطاع ألوان كثيرة من المعنى : التسول ، الغنى ،السياحة التاريخية ، التجارة، تكفير الأوروبيين! ، إنه فضاء تتداخل فيه كل المعاني المتفرعة من:التسول ، والغنى ،التي لعلها لا توجد فقط في محيط باب بوجنود بل كذلك هي أيضا في فاس  كلها ،مدينة فاس التي صارت الفوارق الإجتماعية تزداد فيها يوما بعد يوم وكذلك الإجرام ،في الوقت الذي تتعاظم فيه الهجرة لها بشكل كبير   ،ويصرخ سكانها الأصليون على اجتياح غير الفاسيين من العاطلين نحوها ..إلخ...



الصورة : خ،م  ب"باب بوجنود" بالمدينة العتيقة بمدينة فاس ..


الجمعة، 6 مارس 2015

حي "طَنجة البالية" بمدينة طنجة ... تبعية خدماتية شبه مطلقة للمدينة الجديدة ..







خخَلدُون المسناَوِي اَو


طنجة البالية هو حي يقع على بعد المدينة العتيقة بحوالي 4 أربع كلومترات يقابل مياه البحر و بعض الشركات،تصله من  المدينة العتيقة في سيارة الأجرة في نحو خمس دقائق ،وحوالي نصف ساعة تقريبا مشيا على الأقدام من  المدينة العتيقة تلزمك لبلوغه... طنجة البالية هذه تستقر على مرتفع شبه هضبي منحدر ، الدخول إليها صعود في عقبة و مغادرتها نزول منها ...

الحي هذا ظهر أول ما ظهر في بداية الخمسينات ،بعدما زحفت للأرض التي هو عليها أسر قليلة من دواوير مجاورة لطنجة ،و من ذلك الوقت و هو يتوسع بحيث ما زال يتوسع إلى يومنا هذا ،إذ وصل توسعه هذا إلى البلوغ ناحية "واد الشاط" ، هذا الواد الذي الحديث عنه لوحده كارثة ، الواد كان عبارة عن واد نقي يشكل منظرا رائعا, اليوم هو واد متسخ يقذف إليه الناس النفايات , يغمر جو سكان طنجة البالية بالروائح الوسخة ...

سكان طنجة البالية أو "طنجة الباهية" كما قال لنا أحد الأشخاص  الطاعنين في السن هنا، يعانون إلى جانب ما يعانيه غالبية المغاربة من الفقر ،من العزلة الكبيرة عن أهم المرافق العمومية ،أو بالأحرى لنقل يفتقرون لمرافق خاصة بهم تقدم لهم  الخدمات العمومية ،فوقتما أرادوا الترفيه أو الإستشفاء أو غير ذلك من الخدمات لابد لهم من الإنتقال إلى ناحية الكورنيش ،بحيث يتوضح لكل من حط بأقدامه بهذا الحي ، أنه حي "تابع" على الرغم من تعداد سكانه الذي يوجب بناء مؤسسات عمومية لهم في هذا الحي المُتَخَلّل بالأدراج الإسمنتية ...

الطريق المارة من جانب الحي ، هي طريق  تؤدي إلى منطقة "المنار" الساحرة عبر الحافلة رقم 16 القادمة من سوق "كازابراطا" ، و في الإتجاه المعاكس توصل الطريق  هذه  ناحية المدينة الجديدة ...


نحن الآن نسير بانتباه متطلع بزنقة شاطئ الوليدية  بقلب حي طنجة البالية، الزنقة هي عبارة عن سوق تعرض فيه السلع المستعملة على الأرض و الفواكه فوق عربات للأيدي ، و  ذلك الخبز الأسود المُعَدّ داخل المنازل... اقتربت من بائع للخبز أمام واجهته الزجاجية و ابتعت منه خبزة صغيرة  طلبت من صاحب محلبة  تقع قرب "مسجد الرحمان" بعد المضي لداخل محله حشوها بالسردين المعلب ،"مسجد الرحمان" هو مسجد يستقر ليس ببعيد عن السوق المذكور ... خرجت من المحل أحث الخطى خارجا من الحي وأقضم بشراهة بين الحين و الآخر من الخبز المحشو.. كنت جائعا،وكان الليل قد بدأ يرخي سدوله..    سأبقى متذكرا بعد ذلك اليوم أني خرجت من حي طنجة البالية بعد هبوط الظلام و أن أغلب مصابيح الإنارة كانت حسبما أذكر إما معطلة أو تنير ضوء ا هزيل التدفق ،و أني فكرت حينذاك عند تحديقي في الزقاق مهرولا للخروج أن، في  ليل هذا الحي ينسكب  البؤس بنفوس سكانه بلا انقطاع ! ...

حي "طَنجة البالية" بمدينة طنجة  ،يزداد يوما بعد يوم في التوسع المعماري ، و هو الأمر الذي يطرح الضرورة الملحة لتشييد كل المؤسسات العمومية الموجهة لخدمة هذا الحي ، من دون أن يبقى سكان طنجة البالية يتكبدون عناء قطع المسافة للمدينة الجديدة كلما أرادوا الإستشفاء أو خدمة عمومية من الخدمات الأساسية الموجهة لأي إنسان ،إن  "طَنجة البالية" في الواقع تحتاج اليوم قبل غد تفكيرا عميقا للنهوض بأوضاعها في كافة المستويات ،فلابد من إصلاح طرقاتها المحفرة و مصابيح إنارة أزقتها ،و تجهيزها بحدائق و ... إلخ إلخ ...



مولاي يعقوب بنواحي فاس ...قرية سياحية في حاجة لتأهيل في البنيات التحتية ...




خَلدُون المسناوِي




على بعد بضع كلومترات من مدينة فاس ، تستقر قرية "مولاي يعقوب"  المعروفة بباحاتها الصحية الساخنة التي يتوافد عليها الناس من داخل المغرب و من خارجه ، بحيث تعرف قرية "مولاي يعقوب" قدوما سياحيا لها لا يمكن التغاضي عنه وذلك خاصة في فصل الربيع ، الفصل الأكثر مجيئا للناس هنا من الفصول الأخرى التي يأتي فيها الناس قليلا لمولاي يعقوب مقارنة بالصيف ...

مولاي يعقوب جميلة في كل الأوقات لكنها أكثر من جميلة في فصل الربيع ، الإخضرار الطاغي في المرتفعات المحيطة بمنازل القرية و السماء الزرقاء الصافية و ،الشمس الخفيفة الأشعة .. إن جو فصل الربيع هذا بالتحديد هو الذي يزيد من جمالية الإستحمام في باحات "مولاي يعقوب" الدافئة و يجتذب عددا كبيرا من الناس إليها،بحيث يصير ليس فقط الإستحمام في الباحات هو ما يأتي من أجله الناس هنا و إنما أيضا الإستمتاع بجو الربيع الأخضر ، إذ هناك من  يأتي من الأصل إلى المرتفعات الخضراء للإستمتاع بجمالها من دون أن يلج إلى باحة من الباحات ، فالمكان يكون هنا جميل جدا  على خلاف كل الفصول، الأسر مجتمعة في حلقات منفردة عن بعضها البعض ، أباريق القهوة الممتزجة بالحليب ، صحون المأكولات الشهية مُتحلق حولها ،  أطفال يقفزون في غبطة هنا و هناك ..إلخ إلخ...

بالنسبة لاقتصاد المنطقة ،فسكان مولاي يعقوب يعتمدون على شتى وسائل لجلب دراهم لقمة العيش ، أهمها الفنادق  التي تستضيف الوافدين على القرية ،وفي هذا الإطار الأوجب أن نقر بأن خدمة الفندق لا تنحصر فقط هنا على الفنادق التي تتوفر على الترخيص ، بحيث أن هناك الكثير من المنازل التي حولها ممتلكوها إلى فنادق بدون توفرهم على ترخيص ، بحيث يعرضون غرفا بداخلها للكراء يتراوح ثمنها بين 50 درهما  و 100 درهما  لليوم الواحد ،و أمام عدم توفر موارد كثيرة للعيش هنا بهذه القرية، فإن السلطات تتغاضى عن هذه الخدمة الكرائية التي تتم وفق الإجراء الفندقي و لو بدون ترخيص لذلك, مقابل رشوة شهرية طبعا يتلقاها رجال السلطات المحلية من لدن أصحاب منازل كثيرة لسان حالها فنادق ،حتى في الأمور الشكلية المتعلقة بخدمة الإستقبال و مفاتيح الغرف المعلقة في الجدار ! ،،، على أن هناك أشخاص يعملون كسماسرة لهذه الفنادق وذلك باستقدام الراغبين في الكراء ليوم أو يومين أو... إلى منزل من المنازل تلك ،بحيث تجدهم متوقفين أمام محطة العربات الكبيرة و كذلك أمام موقف الحافلات المتجهة نحو فاسو القادمة منها, بغرض تلقف القادمين لمولاي يعقوب مباشرة بعد وصولهم للتو، غير أن كراء المنازل هنا بالإجراء الفندقي ليس هو السبيل الوحيد للبحث عن لقمة العيش، فهناك أيضا تجارة لوازم الإستحمام ،إذ يتواجد بمولاي يعقوب العديد من دكاكين بيع هذه اللوازم ،مثل "السطول" و الأكياس الرفيعة لحكّ الجلد و قطع الصابون ...إلخ.. ، "السُّطول" لا تباع فقط و إنما أيضا تُكترى على أساس أن تستخدم في الإستحمام داخل الحامة ثم ترجع إلى صاحبها في الدكان ... تجارة لوازم الإستحمام  و كراء الغرف ليس الشيئان الوحيدان اللذان يدران النقود على الناس ،هناك أيضا "سوق" يقع قبالة مقر للقوات المسلحة ،تبلغ حوانيته بعد اعتلائك أدراجا توصلك لها ،في هذا السوق دكاكين تعرض الخضر و الفواكه و اللحوم بشتى أصنافها ،الدكاكين هذه التي تتزود موادها من مدينة فاس و التي تباع فيها السلع بثمن يزيد الشيء القليل عن ما هو عليه ثمنها بفاس ،،، بقرب محطة العربات الكبيرة تمتد في صف طويل حوانيت لبيع اللحم و الدجاج المشويان و كذلك بعض المقاهي ، المقاهي التي تجدها أيضا بعد نزولك بالأدراج إلى وهدة قرية مولاي يعقوب في طريقك إلى الحامات ...  


 في قرية مولاي يعقوب ،هناك حامتين  اثنتين ،الحامة التقليدية و الحامة العصرية ،هذه الأخيرة تم إنشاؤها قبل سنوات قليلة ، وهي تتوفر على تجهيزات جد متطورة للإستحمام "الدش ـ الأحواض الساخنة ـ التدليك ـ خراطيش المياه المعدنية ... إلخ..." عكس الحامة التقليدية التي لا ترقى في جميع الأصعدة إلى مستوى الحامة العصرية ، ثمن الولوج إلى الحامة التقليدية  هو 13 درهم ،أما الولوج إلى الحامة العصرية فيتطلب في أدنى حد مبلغ 140 درهم ، سواء الحامة التقليدية أو العصرية, كلاهما يتقاطع في الماء الصحي على الجلد و الجسد بشكل عام ...


قرية مولاي يعقوب بمدينة فاس ، بحماماتها المفيدة للجلد و العظام..إلخ..، واحدة من القرى "إلى جانب سيدي حرازم و أباينو و..." المستقطبة للسياح من داخل المغرب الأقصى و من خارجه، و الموفرة لفرص شغل في مجالات متعددة ،إنها قرية القائمون على حاماتها يدخلون لجيوبهم الملايين من السنتيمات شهريا لكن أغلب سكانها فقراء بالكاد يحشون لقمة العيش في بطونهم ، كما أن بنياتها التحتية جد متردية و ذلك ما يعبر في سطوع عن الفساد الذي يعرفه تدبير هذه القرية سياسيا ،هذه القرية التي لا يُتحدث عن مشاكلها إلا عند اقتراب كل موعد انتخابي ، والذي يكاد ارتباط اسمها بالسياحة أن يواري كل الإختلالات التي تقبع فيها لعقود! ..إلخ... إرأفوا، إبتعدوا عن مولاي يعقوب !... 



الخميس، 5 مارس 2015

المدينة العتيقة لمدينة بني ملال ...ساحة "القصبة" للإستجمام،أسواقٌ عشوائية ،ومشكلة الكهوف !...





خَلدُون المسناوي



تعيش ساحة "القصبة" بالمدينة القديمة ببني ملال المغربية حيوية اقتصادية و ترفيهية منفردة تضفي لاسيما على مساء اتها خصوصية لا نظير لها ، بحيث يحجّ إليها من سكان المدينة القديمة نفسها و من خارجها، العشرات من الملاليين.. غير أنه ليس جو الفرح و الترفيه وحدهما اللذان يستقطبان الناس للمدينة العتيقة  فحسب ، بل أيضا هناك "سوق الغديرة"  للخضر و الفواكه  الذي يزحف له الناس من كل صوب و حدب ، وكذلك سوق "الهرية" لمن أراد أن يبتاع الثياب و الأجهزة الإلكترونية ...، غير أن المدينة القديمة ببني ملال تعاني من مشكل يستحيل أن تجده في مكان آخر،مشكل عويص، إنه مشكل خواء الكهوف القائم تحت جزء من بنايات المدينة القديمة و الذي يهددها بالسقوط في أيّ وقت ...إلخ إلخ ...



نحن الآن بزنقة الهرية المشرفة على شارع محمد الخامس ،نتمشى بالقرب من صف طويل من الحوانيت المكتظة بالسلع الغذائية و المنزلية،المطلة على سور مقوس بارتفاع حوالي مترين ،، بينما نسير بهذه الزنقة نتطلع إلى دكاكينها، انبثق أمامنا بابان مقوسان كبيران  ،إنهما بابا تجمعان سكنيان عشوائيان يرجع تأسيسهما إلى عقود من الزمن ،ينزوي بجوارهما معدمون وجوههم هاهي أمامي  تلمع بالفاقة و العوز  ... أسرعتُ الخطى  من زنقة الهرية و دخلت  لداخل المدينة العتيقة لمدينة بني ملال من زنقة "لعفو" الزنقة التي تحتضن دكاكينا عدة لبيع الملابس و الساعات اليدوية وكذلك لإصلاح الأجهزة التلفزيونية ...



الباب الرئيسي المُدخل  للمدينة العتيقة لمدينة بني ملال ،هو باب القصبة ولعله الباب المفضي إلى ساحة القصبة أو الساحة التي لا إسم لها،بجانب هذا الباب ، تتواجد زنقة "قصبة الحنصالي" و هي أوسع زنقة تولج لقلب المدينة  القديمة ، ينتشر في هذه الزنقة بائعوا الفراشة لاسيما عند المساء و الساعات الأولى من الليل ، عند نهاية هذه الزنقة يستقر المركز التجاري "كات" المكون من طابقين المقابل لمؤسسة " الهلال الأحمر المغربي"  ،ليس ببعيد عن المركز التجاري هذا تنبسط ساحة "الحرية" قبالة مخفر الشرطة"المدينة القديمة" ،... ساحة الحرية هذه التي،تستقدم يوميا و حتى العاشرة ليلا ،أشخاصا من مختلف الفئات العمرية ، للترفيه و الإستجمام طبعا ..غير بعيد عن هذه الساحة التي تعد من المعالم المهمة للمدينة القديمة ،يستقر سوق لبيع الحلي والمجوهرات هو عبارة عن شارع تمتد على طوله دكاكين تلتمع واجهاتها الزجاجية بالذهب ،المرور من هذا الشارع حتى نهايته يوصلك إلى حديقة "الذهب الأولمبي" لعلها الحديقة الواسعة المساحة التي دوما تتغلغل لاسيما بالشباب و التي تقربها "بناية العمالة" منتصبة في العلاء هناك في القمة تسطع لك...



 ساحة القصبة أو الساحة التي لا إسم لها ،هي ساحة تروج فيها دينامية اقتصادية يعيش من خلالها كثير من الشباب و الكهول وكذلك الشيوخ ،على أنها أيضا مكان آهل بأشياء كثيرة قد لا تُلتقط من لدن أيا مر من جانبها  غير ذا نفاد بصيرة ،  الساحة تبدأ في استقبال الناس منذ الرابعة مساء،شلال ينهمر بأقواس من الماء تسطع فيها أضواء متنوعة تترك أثرا نافذا في نفس الرائي، الساحة تجد فيها كؤوس الشاي  المسخنة للتو في الأباريق، عربات الحلويات على أشكالها ،و كذلك المثلجات في فصل الصيف،غير أنه بعد هبوط الشمس وشيوع الظلام، يصير للساحة معنى آخر، تتجمع المومسات على حافة السور القصير المحيط بها ،لا تفرق بسهولة بين امرأة مومس و امرأة ليست كذلك، وهو الشيء الذي يخلق مشكلا في كثير من الأحيان !،المومسات يصطدن زبائنهن من الساحة و يتجهن بهم  نحو منازل ل"القوادات" بداخل أسوار المدينة القديمة ! .. معلوم أن بني ملال من المدن المغربية المعروفة بالإنتشار الكبير للدعارة ليست وحدها أكيد،ولكنها وبكل واقعية من المدن الرائدة في ذلك.  للقوادات هنا ببني ملال عبارة شهيرة تقال لكل من احتج عليهن من الجيران : "إنكح أو غادر بني ملال !!.." ...




"المدينة العتيقة" لمدينة بني ملال، على الرغم من مظاهر  الفقر الكثيرة المُتخللة زقاقها، الجريمة تكاد تكون منعدمة فيها ،فلا وجوه تراها بها آثار الضرب بالسكين ولا سيوف تستل بين الحين و الآخر من تحت الأقمصة و "التجاكيطات"  كشأن  المدينة العتيقة بسلا أو بفاس مثلا ، على  أن حتى تلك الشتائم و الصياحات المكتنفة للأسواق العشوائية المغربية لا وجود لها تقريبا هنا , لا بين الباعة بعضهم البعض ,ولا بينهم و بين المتسوقين ...


بالمدينة القديمة لبني ملال،  قرب مسجد "الزاوية المعطاوية"،يمتد درب ضيق طويل يحتضن على طول الأسبوع باعة "الدجاج البلدي" على الأرض ، هم  نساء سوقيات طاعنات في السن يضعن أمامهن الدجاج الجيد هذا و يعرضنه للبيع على الزبائن... كذلك السوق هذا يعد مقصداً لزبائن العطارة و الزيتون ،إذ تنتشر دكاكين العطارة و الزيتون على جانبي الزقاق  ،،، عند منتهاه "أي منتهى الزقاق" تنبثق للأذن صياحات محشرجة مثل هذه: "البطاطا ربعين  ، الليمونة ثمانين ..." إنه السوق المسمى ب"سوق الغديرة" وهو السوق العشوائي للخضر و الفواكه المجتذب للراغبين في التسوق ,من سكان المدينة القديمة و من الأحياء المجاورة لها ...


ـ مشكل "الكهوف" بالمدينة القديمة :

تتخبط "المدينة القديمة" لبني ملال في مشكل استثنائي من المستبعد جدا أن نجده في تجمع سكني آخر ، إنه المشكل المتعلق بالفراغ القائم تحت سطح الأرض الذي يقوم عليه بنيان هذه المدينة القديمة ،الفراغ الذي يبلغ أمتار معدودة تحت بساط الأرض ،فلعلنا نتحدث هنا حول "الكهوف" التي شيدت فوقها بعض المساكن هنا بالمدينة العتيقة، و هو الشيء الذي يهدد بانهيار المنازل هاته في أي وقت ،بل حدث في الماضي أنِ انهارت مجموعة من البنايات بسبب مشكل الكهوف هذا وكانت النتيجة، خسائر اقتصادية و جروح،،إلخ ...الكهوف هذه  كان يقطنها الناس قديما، كما كانوا يعتمدونها رجال المقاومة كمخابئ إبان زمن الإستعمار ..  و أمام هذا المشكل العويص ارتأت الدولة وذلك إيجادا للحل ، بعث الناس الساكنين لاسيما فوق وهاد الكهوف الأكثر انجرافا و عمقا تحت الأرض إلى مساكن أخرى تم اختيار بنائها في منطقة تسمى "مغيلة" ،غير أن التكاليف المادية الباهظة التي يتطلبها مشروع "تنقيل"  سكان المدينة القديمة المتضررين من المشكل هذا لمنطقة "مغيلة"، حالت دون الشروع في هذا المشروع ،ليبقى الوضع على ما هو عليه إلى يومنا هذا .. إلخ...



المدينة القديمة لبني ملال، منطقة سكنية  لا يمكن أيا كانت التبريرات أن تظل مستقرة فوق فراغ كهوف يمكن أن تتسبب في العصف ببناياتها و سكانها في أية لحظة ،إنه مشكل يُعري بعمق عن اللامبالات التي عرفها تدبير الشأن العام في المدينة منذ الحصول على الإستقلال إلى اليوم ،كما يعبر بجلاء عن غياب  الدراية الميدانية بالمجال فيما يتعلق بميدان التعمير و الإسكان ، الدراية الميدانية بالمجال التي يجب أن تسبق أي إقدام على "بناء المساكن" الذي يجب أن يتم وفق معايير سليمة في مجال السكن ..إلخ...






« « « وجدتني بردانا أرتعش متوقفاً على الرصيف يتعالى الدخان  من يدي أمام بار "غرناطة" بزاوية شارع محمد الخامس بقرب المدينة العتيقة لمدينة بني ملال المغربية ،عبرت الطريق بخفة و    ، تقدمت نحو بوابة البار التي لم يكن واقفا بها أحد  ،دفعته ثم اجتزته نحو الداخل  ، نقلت بصري حواليَّ يمينا و شمالا وسط دمدمات السكارى و قصدت طاولة فارغة بزاوية اقتعدت مقعدا بجانبها بعد أن نزعت معطفي و علقته على ظهره ، أدرت وجهي يسارا وسلمت بحركة من رأسي على كهل أدرد لا أعرفه بعيد أن شمرت أكمام قميصي ، بعد فاصل زمني قصير تعودت فيه على المكان، أشرت إلى النادل في صوت شبه آمر رافعا يدي  : إثنان سبيسيال من فضلك ... رد طلبا للإنتظار قليلا بإيماءة من وجهه ، قبل أن يجيء إلي بعد دقائق و يمدد ورقة بيضاء على جانب المائدة ثم يحط فوقها القنينتين ،جذب قلم حبر من جيب قميصه و خط رقم إثنان في الورقة ثم زلق بأناقة القلم في جيبه  ...»»»

الصورة : "خ،م" أمام البوابة الرئيسية للمدينة العتيقة ببني ملال