خَلدُون المسناوِي
شاطئ "واد لاو" المُطِلّ على مياه البحر الأبيض المتوسط ،من الشواطئ المولهة للزوار من كل صوب و حدب و في الصيف من دون وقت آخر ،إنه الشاطئ الذي يمتد "كورنيشه" لمسافة جد طويلة ،و يقذف أسماكا ذات جودة من كل الأنواع ، الصيادون يدلفون لداخل مياهه بمراكبهم الصغيرة و يرمون بالشباك لقعر الماء ثم يرفعونها ملأى بشتى أنواع السمك ...
من شارع الدار البيضاء بمركز مدينة تطوان قرب المدينة العتيقة تمتطي ، الحافلة المتوجهة ل: "واد لاو" ، ... تذكرة الحافلة يبلغ ثمنها 7 سبعة دراهم ، المسافة من تطوان إلى واد لاو تصل إلى 40 أربعين كلمترا .. الطريق مرتفعات فمنحدرات مرتفعات فمنحدرات و هكذا إلى أن تلوح لك واد لاو تحت بصرك،تتخلل هذه المرتفعات عدة منعرجات شديدة الإلتواء ،الجبال تظهر لك على مدى أكثر من 45 دقيقة من السير من يمينك و من يسارك من خلال زجاج الحافلة الشفاف، الأشجار مكتسحة لسفوح الجبال حتى قِنَنِها تنبجس بينها بين الحين و الحين ، مساكن هزيلة المساحة "للفقراء طبعاً"، و ، فيلات للأغنياء و كذلك ،مساكن في طور البناء، كذلك على طول الطريق تنبثق لك مياه بحر منبسطة رطبة ذات أثر رائق على العين ،تنتثر مراكب للصيد هنا وهناك على سطحها...
بعد قطع قرابة مسافة 3 تلاثة كلمترات من مركز تطوان في الطريق نحو شاطئ واد لاو ،تتسرب طريق إلى واد آخر ليس واد لاو ،و إنما واد الخميس والذي يلزمك قطع 7.5 سبع كلمترات و نصف لبلوغه من مخرج متفرع من الطريق المؤدية لواد لاو ...، من زجاج الحافلة الشفاف تبدو لك من حين لآخر مساجد و بئر مسورة بسياج سلكي ، المساجد هذه لابد أن نقول أنها المنتج الوحيد للمعنى و الفكر للأفراد الساكنين في هذه الجبال عدا طبعا الراديو و التلفاز و بعض المدارس التي لا تتعدى المستوى الإبتدائي ...
على طول فترة رحلة الحافلة ،يلوح لك أطفال يرتدون "محفظات " على ظهورهم يصعدون المنحدرات الوعرة على جنب الطريق أجبنتهم معروقة ، و كذلك نساء يحملن أعواد الأشجار على ظهورهن ...،بعد قطعهن لها بأدوات حادة من الأشجار ،أعواد الأشجار التي تستخدم في طهي الخبز والأكل بعد إذكاء النار فيها و أيضا التي تحمل في حاويات الشاحنات الخلفية، ويتم القدوم بها صوب أفران مدينة تطوان و بعض معاملها الخشبية ..إلخ...
في الطريق نحو واد لاو من مركز تطوان ، تستقر قريتان إثنتان وهما : "أوشتام" و "تمرباط"، القريتان تنتصبان لك على الجبال في طريقك ،القريتان اللتان تتوفران على مقاهي صغيرة و على حوانيت لا توفر كل الحاجيات الغذائية، لذلك يجنح سكان هاتان القريتان الذين يبلغون بعض المئات لسوق الخميس لاقتناء سلعهم.. إلخ ... لعله السوق الذي يتدفق نحوه الناس من تطوان و من واد لاو للغرض ذاته ...
نحن الآن على مقربة من الوصول إلى واد لاو ،إذ هاهي يافطة على قارعة الطريق تشير أنه يلزمنا قطع 4 كلمترات أخرى للبلوغ له ، و هاهي الحافلة تهيم نازلة في انحدار عميق على آخر منحدر تنبثق واد لاو خلفه بجمال لا يتصور ،أوه! إنه "جمال واد لاو" الشاطئ المتوفر على أطول كورنيش لا مراء في ذلك ...
...في الحافلة مقتعدا كرسياً ،أمام رجل و امرأة متشحة في ملبس جبلي ، الرجل يبسط إلى قدميه قارورات مملوءة بالماء ،إنه قادم بها من مكان ما ،بادرت أسأله الوقت الذي تستغرقه الحافلة للوصول لواد لاو ، دفع يدي بعنف و قوة كبيرين، انصعقت !، لماذا تصرف على هذا النحو ،ماذا فعلت له،ألن أكون قد بدوت له من ملامحي ولهجتي إبن الداخل كما يتفوه أغلب الشماليون!،أبناء الداخل "العروبيون" كما يقول أكثرهم بين بعضهم البعض!، سكتُ و استدرت ناحية النافذة زائغاً ببصري منخرطا في تفكيري هذا ...، قبل وصول الحافلة إلى واد لاو ببعض الطريق ،تفوه بجانبي شخص في نحو الخمسين من عمره بلهجة استنكارية لشخص أمامه خمنت أنه من ذويه،: لماذا سنهاجر إلى أوروبا قل لي ،ماذا يوجد عندهم لا يوجد عِندنَا !، ،،،بسبب عجب هؤلاء الأوروبيين لم تعد تجد حتى من تكلمه في البيت!،اللعنة! ،كل منا في الأسرة منفرد بنفسه ، مخفضا رأسه على لوحة إلكترونية أو ... !..
بقرب المكان الذي تتوقف فيه الحافلات ،بواد لاو بعد قدومها من شارع الدار البيضاء بمركز تطوان ، ليس ببعيد عنها، تقريبا بعض الأمتار القليلة ، تتواجد محطة عربات الأجرة الكبيرة مرسديس 240 المنقلة من واد لاو نحو تطوان و كذلك العكس ، عربات الأجرة هذة التي تذهب بالركاب من تطوان إلى واد لاو أو العكس ب 20 عشرين درهما ،عكس الحافلة التي تقطع هذة المسافة ،وفي كلا الإتجاهين ، فقط ب 7 سبعة دراهم ، على أن الحافلة لم ينطلق ارتيادها إلا قبل قرابة سنة من الزمن ،حينما انكبت أصوات الإحتجاج و الشكوى على الإدارة المحلية لواد لاو من لدن سكانه،، بحيث تمت الإستجابة لهم وذلك نظرا للفقر المنتشر بكثرة بينهم .. إلخ...
تعتمد واد لاو ، من بين ما ترتكز عليه في حركيتها الإقتصادية ، على كراء المنازل للسواح الراغبين بالإستمتاع بجوها الصيفي الجميل و كذلك ،بيع المأكولات الغذائية في مطاعم متخصصة في الأسماك المشوية و المقلية إلخ إلخ ...، و كذا بيع الأسماك المستخرجة من مياه البحر بواسطة المراكب ،إلخ ... ،أيضا ، هناك الكثير من المقاهي التي تجدها مكتظة بالناس في فصل الصيف و التي تعاني قلة الزبائن في الفصول الأخرى التي يكون فيها "واد لاو" محتضنا فقط لسكانه من دون غيرهم ...زد على ذلك المثلجات و كؤوس العصائر التي لعرضها علاقة أساسية بجو الصيف ،بحيث يوفر هذا الأخير إمكانية الإنخراط في بيع مجموعة من الأشياء لزوار واد لاو ...
... قفزت جدارا إسمنتيا وتيراً ، و أطلقت الخطى بسطح رمال شاطئ واد لاو ، كان الفصل فصل شتاء و الشاطئ فارغ إلا من بضع أشخاص هم في الغالب رجال بحر ..، وكان ازرقاق السماء متوار خلف سحب رمادية متلبدة ، وكانت مياه البحر تتهادى منبسطة في هدوء على رمال الشاطئ بقرب صف من المراكب مصفوفة أمام بصري.. وكانت عن يميني ، جبال تبدو عن بعد صغيرة منتصبة في شموخ نصف متوارية وراء الضباب ،، المراكب تلك، مربوطة في تسلط بحبال سميكة إلى مرساة متبثة إلى سطح الرمل .. ،،بجوارهم بحارة بقبعات قشية يفكون الشباك و يبسطونها ،و آخرون بجانبهم يعتلون المراكب الصغيرة المصطفة على رمال الشاطئ ، و ينحنون بظهورهم على الشباك يفكون عقدها و يسطحونها متلقفين في استحكام الأسماك المهدهدة بأكفهم المحشوة في القفاز...إلخ...
رجل مسن يرفل في معطف متسخ مثقل على جسده المعظم ،مر من جانبي محني الظهر يشع بوجهه الكثير الغضون ، أمارات التعاسة.. توقف بجانبي للحظات مستطيلا النظر إلي لعله كان يريد استجدائي ،أشحت بصري عنه ، فاستأنف سيره مُطرقاً مُتأسيا...،وهاهي ذي طيور اللقلاق تحوم ناشرة أجنحتها تخفق بها في أنس أشعة الشفق المُنتشِرة فوق بيوت متراصة في جانب من الشاطئ " بيوت سكنى البحارة ".. نقلت بصري بين الرجل المسن المُعدم ، و البحارة ، و السماء المغطاة بالغيوم التي كانت عندئذ تقذف رذاذاً من المطر ،وتخيلت أن أجتمع و الرجل الطاعن في السن و البحارة تحت هذا المطر نتحادث عبثاً في حلقة رغما كوننا لا نعرف بعضنا البعض !،ثم يشتد المطر إلى غيث، ونلبث تحته بغير اكتراث للسماء و للبشرية! ،يا لها من فكرة!! ... كانت الشمس قد أوشكت على الغروب ،وكان البرد قد بدأ يشتد ،و كانت باخرة صيد صغيرة تلوح عميقا في البحر تَمخره مخلِّفة خلفها خطاً مترقرقاً... ، و كان هر قد انبثق من بين المراكب المصطفة أمامي و نط إلى وركي، فأمسكته بكلتا يداي وظللت أمسد يدي على شعره في صدري خارجا به من رمال الشاطئ نحو الطريق ...
"واد لاو"،المدينة التابعة لعمالة تطوان القائمة بين مدينتي شفشاون و الحُسيمة ، هي مدينة زاخرة من الناحية الطبيعية بثروة جبلية وبحرية"البحر الأبيض المتوسط" خلابة استثنائية تحيط بالمدينة من كل النواحي ، إلا أن الجدير بالقول ، هو ،انعدام المواكبة التنموية الناجعة للجمال الطبيعي لهذه المدينة ،المواكبة التنموية طبعا،التي من الممكن أن تدفع بصداها السياحي "لمدينة واد لاو" لدى السياح و لاسيما الأوروبيون منهم "بحكم قربهم" ،لأبعد حدّ ،،،إن مدينة واد لاو ،هي عبارة عن مدينة تحتاج لمقاربة تنموية تتخذ من البعد السياحي الأساس والمدخل الجوهريان لإصلاح شأنها المحلي ...إلخ إلخ...
الصورة : "خ،م" بشاطئ مدينة "واد لاو" بشمال المغرب .