الخميس، 5 مارس 2015

المدينة العتيقة لمدينة بني ملال ...ساحة "القصبة" للإستجمام،أسواقٌ عشوائية ،ومشكلة الكهوف !...





خَلدُون المسناوي



تعيش ساحة "القصبة" بالمدينة القديمة ببني ملال المغربية حيوية اقتصادية و ترفيهية منفردة تضفي لاسيما على مساء اتها خصوصية لا نظير لها ، بحيث يحجّ إليها من سكان المدينة القديمة نفسها و من خارجها، العشرات من الملاليين.. غير أنه ليس جو الفرح و الترفيه وحدهما اللذان يستقطبان الناس للمدينة العتيقة  فحسب ، بل أيضا هناك "سوق الغديرة"  للخضر و الفواكه  الذي يزحف له الناس من كل صوب و حدب ، وكذلك سوق "الهرية" لمن أراد أن يبتاع الثياب و الأجهزة الإلكترونية ...، غير أن المدينة القديمة ببني ملال تعاني من مشكل يستحيل أن تجده في مكان آخر،مشكل عويص، إنه مشكل خواء الكهوف القائم تحت جزء من بنايات المدينة القديمة و الذي يهددها بالسقوط في أيّ وقت ...إلخ إلخ ...



نحن الآن بزنقة الهرية المشرفة على شارع محمد الخامس ،نتمشى بالقرب من صف طويل من الحوانيت المكتظة بالسلع الغذائية و المنزلية،المطلة على سور مقوس بارتفاع حوالي مترين ،، بينما نسير بهذه الزنقة نتطلع إلى دكاكينها، انبثق أمامنا بابان مقوسان كبيران  ،إنهما بابا تجمعان سكنيان عشوائيان يرجع تأسيسهما إلى عقود من الزمن ،ينزوي بجوارهما معدمون وجوههم هاهي أمامي  تلمع بالفاقة و العوز  ... أسرعتُ الخطى  من زنقة الهرية و دخلت  لداخل المدينة العتيقة لمدينة بني ملال من زنقة "لعفو" الزنقة التي تحتضن دكاكينا عدة لبيع الملابس و الساعات اليدوية وكذلك لإصلاح الأجهزة التلفزيونية ...



الباب الرئيسي المُدخل  للمدينة العتيقة لمدينة بني ملال ،هو باب القصبة ولعله الباب المفضي إلى ساحة القصبة أو الساحة التي لا إسم لها،بجانب هذا الباب ، تتواجد زنقة "قصبة الحنصالي" و هي أوسع زنقة تولج لقلب المدينة  القديمة ، ينتشر في هذه الزنقة بائعوا الفراشة لاسيما عند المساء و الساعات الأولى من الليل ، عند نهاية هذه الزنقة يستقر المركز التجاري "كات" المكون من طابقين المقابل لمؤسسة " الهلال الأحمر المغربي"  ،ليس ببعيد عن المركز التجاري هذا تنبسط ساحة "الحرية" قبالة مخفر الشرطة"المدينة القديمة" ،... ساحة الحرية هذه التي،تستقدم يوميا و حتى العاشرة ليلا ،أشخاصا من مختلف الفئات العمرية ، للترفيه و الإستجمام طبعا ..غير بعيد عن هذه الساحة التي تعد من المعالم المهمة للمدينة القديمة ،يستقر سوق لبيع الحلي والمجوهرات هو عبارة عن شارع تمتد على طوله دكاكين تلتمع واجهاتها الزجاجية بالذهب ،المرور من هذا الشارع حتى نهايته يوصلك إلى حديقة "الذهب الأولمبي" لعلها الحديقة الواسعة المساحة التي دوما تتغلغل لاسيما بالشباب و التي تقربها "بناية العمالة" منتصبة في العلاء هناك في القمة تسطع لك...



 ساحة القصبة أو الساحة التي لا إسم لها ،هي ساحة تروج فيها دينامية اقتصادية يعيش من خلالها كثير من الشباب و الكهول وكذلك الشيوخ ،على أنها أيضا مكان آهل بأشياء كثيرة قد لا تُلتقط من لدن أيا مر من جانبها  غير ذا نفاد بصيرة ،  الساحة تبدأ في استقبال الناس منذ الرابعة مساء،شلال ينهمر بأقواس من الماء تسطع فيها أضواء متنوعة تترك أثرا نافذا في نفس الرائي، الساحة تجد فيها كؤوس الشاي  المسخنة للتو في الأباريق، عربات الحلويات على أشكالها ،و كذلك المثلجات في فصل الصيف،غير أنه بعد هبوط الشمس وشيوع الظلام، يصير للساحة معنى آخر، تتجمع المومسات على حافة السور القصير المحيط بها ،لا تفرق بسهولة بين امرأة مومس و امرأة ليست كذلك، وهو الشيء الذي يخلق مشكلا في كثير من الأحيان !،المومسات يصطدن زبائنهن من الساحة و يتجهن بهم  نحو منازل ل"القوادات" بداخل أسوار المدينة القديمة ! .. معلوم أن بني ملال من المدن المغربية المعروفة بالإنتشار الكبير للدعارة ليست وحدها أكيد،ولكنها وبكل واقعية من المدن الرائدة في ذلك.  للقوادات هنا ببني ملال عبارة شهيرة تقال لكل من احتج عليهن من الجيران : "إنكح أو غادر بني ملال !!.." ...




"المدينة العتيقة" لمدينة بني ملال، على الرغم من مظاهر  الفقر الكثيرة المُتخللة زقاقها، الجريمة تكاد تكون منعدمة فيها ،فلا وجوه تراها بها آثار الضرب بالسكين ولا سيوف تستل بين الحين و الآخر من تحت الأقمصة و "التجاكيطات"  كشأن  المدينة العتيقة بسلا أو بفاس مثلا ، على  أن حتى تلك الشتائم و الصياحات المكتنفة للأسواق العشوائية المغربية لا وجود لها تقريبا هنا , لا بين الباعة بعضهم البعض ,ولا بينهم و بين المتسوقين ...


بالمدينة القديمة لبني ملال،  قرب مسجد "الزاوية المعطاوية"،يمتد درب ضيق طويل يحتضن على طول الأسبوع باعة "الدجاج البلدي" على الأرض ، هم  نساء سوقيات طاعنات في السن يضعن أمامهن الدجاج الجيد هذا و يعرضنه للبيع على الزبائن... كذلك السوق هذا يعد مقصداً لزبائن العطارة و الزيتون ،إذ تنتشر دكاكين العطارة و الزيتون على جانبي الزقاق  ،،، عند منتهاه "أي منتهى الزقاق" تنبثق للأذن صياحات محشرجة مثل هذه: "البطاطا ربعين  ، الليمونة ثمانين ..." إنه السوق المسمى ب"سوق الغديرة" وهو السوق العشوائي للخضر و الفواكه المجتذب للراغبين في التسوق ,من سكان المدينة القديمة و من الأحياء المجاورة لها ...


ـ مشكل "الكهوف" بالمدينة القديمة :

تتخبط "المدينة القديمة" لبني ملال في مشكل استثنائي من المستبعد جدا أن نجده في تجمع سكني آخر ، إنه المشكل المتعلق بالفراغ القائم تحت سطح الأرض الذي يقوم عليه بنيان هذه المدينة القديمة ،الفراغ الذي يبلغ أمتار معدودة تحت بساط الأرض ،فلعلنا نتحدث هنا حول "الكهوف" التي شيدت فوقها بعض المساكن هنا بالمدينة العتيقة، و هو الشيء الذي يهدد بانهيار المنازل هاته في أي وقت ،بل حدث في الماضي أنِ انهارت مجموعة من البنايات بسبب مشكل الكهوف هذا وكانت النتيجة، خسائر اقتصادية و جروح،،إلخ ...الكهوف هذه  كان يقطنها الناس قديما، كما كانوا يعتمدونها رجال المقاومة كمخابئ إبان زمن الإستعمار ..  و أمام هذا المشكل العويص ارتأت الدولة وذلك إيجادا للحل ، بعث الناس الساكنين لاسيما فوق وهاد الكهوف الأكثر انجرافا و عمقا تحت الأرض إلى مساكن أخرى تم اختيار بنائها في منطقة تسمى "مغيلة" ،غير أن التكاليف المادية الباهظة التي يتطلبها مشروع "تنقيل"  سكان المدينة القديمة المتضررين من المشكل هذا لمنطقة "مغيلة"، حالت دون الشروع في هذا المشروع ،ليبقى الوضع على ما هو عليه إلى يومنا هذا .. إلخ...



المدينة القديمة لبني ملال، منطقة سكنية  لا يمكن أيا كانت التبريرات أن تظل مستقرة فوق فراغ كهوف يمكن أن تتسبب في العصف ببناياتها و سكانها في أية لحظة ،إنه مشكل يُعري بعمق عن اللامبالات التي عرفها تدبير الشأن العام في المدينة منذ الحصول على الإستقلال إلى اليوم ،كما يعبر بجلاء عن غياب  الدراية الميدانية بالمجال فيما يتعلق بميدان التعمير و الإسكان ، الدراية الميدانية بالمجال التي يجب أن تسبق أي إقدام على "بناء المساكن" الذي يجب أن يتم وفق معايير سليمة في مجال السكن ..إلخ...






« « « وجدتني بردانا أرتعش متوقفاً على الرصيف يتعالى الدخان  من يدي أمام بار "غرناطة" بزاوية شارع محمد الخامس بقرب المدينة العتيقة لمدينة بني ملال المغربية ،عبرت الطريق بخفة و    ، تقدمت نحو بوابة البار التي لم يكن واقفا بها أحد  ،دفعته ثم اجتزته نحو الداخل  ، نقلت بصري حواليَّ يمينا و شمالا وسط دمدمات السكارى و قصدت طاولة فارغة بزاوية اقتعدت مقعدا بجانبها بعد أن نزعت معطفي و علقته على ظهره ، أدرت وجهي يسارا وسلمت بحركة من رأسي على كهل أدرد لا أعرفه بعيد أن شمرت أكمام قميصي ، بعد فاصل زمني قصير تعودت فيه على المكان، أشرت إلى النادل في صوت شبه آمر رافعا يدي  : إثنان سبيسيال من فضلك ... رد طلبا للإنتظار قليلا بإيماءة من وجهه ، قبل أن يجيء إلي بعد دقائق و يمدد ورقة بيضاء على جانب المائدة ثم يحط فوقها القنينتين ،جذب قلم حبر من جيب قميصه و خط رقم إثنان في الورقة ثم زلق بأناقة القلم في جيبه  ...»»»

الصورة : "خ،م" أمام البوابة الرئيسية للمدينة العتيقة ببني ملال



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق