الأحد، 8 مارس 2015

باب بوجنود بمدينة فاس... حينما يمتزج التاريخ بالفقر والغنى و..التكفير!..








خَلدُون المسناوِي

من قرب متحف البرج الشمالي المملوء بالأسلحة القائم في العلاء ،تبدو لك المدينة العتيقة لفاس تحت بصرك بصوامع مساجدها  التاريخية المنتصبة في اعتزاز و منازلها الممعنة في القدم ،على أزهى ما يمكن أن تبدو لك ،إنها فاس الأولى في أزخر معانيها ، مدينة العلم كما يقال ، ومدينة صناعة الجلود...إلخ...والمدينة التي عليك أن تبتسم عند وجودك بها ...



باب بوجنود ، بوجلود ،أبي الجنود ،كل ينعتها هنا بفاس بالإسم الذي يبتغي، هو باب تاريخي من أقدم الأبواب الكائنة بفاس و البوابة الرئيسية المفضية إلى قلب المدينة القديمة ،"البوابة"  دائما ما تجد السياح من خارج المغرب كما من داخله, يلتقطون صورا فوتوغرافية لها ، يلتقطونها  لهم وهم خارجين منها  كما يلتقطونها من دون أن يُصوروا فيها...




الساعة الآن تشير إلى العاشرة و النصف صباحا ،المكان المقهى الشعبي الكائن مباشرة على يسارك بعد دخولك من باب بوجنود ،أشخاص من الجنسين و من كل الفئات العمرية يروحون و يجيئون كل إلى غرض سيزاوله ، سياح من داخل المغرب مراهقين كما شبان يزحفون على أقدامهم في مجموعات قد تتجاوز العشرة أشخاص ، أحصنة منهكة بين الحين و الحين تسطع أمامك تعتليها قنينات غاز البوتان يجرها شيوخ أنهك ...وإن ليس باب بوجلود مكانا غير آهل بالباعة أبدا وإن كان محيطها ليس مملوء ا بهم كثيرا فهناك بعض باعة السجائر  بالتقسيط ها هم  على يمين الباب أمامي يجرون بصري ...




تتخلل باب بوجلود حركية اقتصادية لا بأس بها ، فبالنسبة لتقديم المأكولات، هناك مطاعم كثيرة هنا "كمطعم الشباب مثلا"،  تقدم الأطباق من جميع الأصناف..  أمام واجهات المطاعم يتوقف ندل يتلفعون أقمصة بيضاء يشيرون للمارين من جانبهم بقائمات للمأكولات يحملونها بأيديهم سائلينهم الولوج عندهم ، كل هذه المطاعم الكائنة بأمتار قليلة بعد تخطي باب بوجنود ،يلجها الأوروبيون أكثر مما قد يلجها سياح الداخل ... في هذه الأثناء نهضتُ من مقعدي في المقهى، نَقدت نادل المقهى الذي كان جالسا بجوار شرطيين يعملان بمركز الأمن ـ بوجلود ،عدلت ياقة قميصي و ترجلت ناحية "زنقة البريد" ،أسرعت الخطى وسط الزحام بزنقة البريد إلى أن انبثقتُ  في ساحة البطحاء.. بزنقة البريد أيضا ثمة مطاعم للمأكولات،المأكولات هذه المرة الخفيفة على البطن و كذلك على الجيب ، المطاعم هذه قطعا لا تجد فيها عدا سياح الداخل و كذلك أبناء المنطقة...







الفنادق منتشرة بكثرة  هنا بالمدينة القديمة بفاس "كفندق كاسكاد المطل على باب بوجنود" ، وكذلك دكاكين بيع الجلود و الجلابيب...، فهي  تطالعك منذ اجتيازك للباب ببعض الخطوات ، على يسارك سوق الخضر و الفواكه الذي يخرِّج لجوطية باب بوجلود ،أمامك قيسارية السراجين المقوس بابها، أما عن يمينك فهناك زنقة : "الطالعة الصغيرة" التي توصل  في ذروتها نحو "الدباغين" ... أسير في زقاق "الطالعة الصغيرة" والوقت منتصف النهار ، أعجبني معطف جلدي من المعاطف الجلدية المعلقة بباب  دكان لبيع الملابس الجلدية، فقصدته أفحصه بيدي ،،، بعد  تلاثين ثانية على أكثر تقدير ،مرت امرأتان أوروبيتان عليهما آثار الثراء من جانب المحل ،شخصان  كانا  واقفان بباب المحل ،واحد كهل يتشح في جلباب, و الثاني شاب  في نحو التلاثين من عمره.. قال الأول  بغمزة من عينه  في سخرية : الكفار يمرون من قربنا ! .. أتبع الثاني في ابتسامة كريهة : آخرتهم سيدخلون النار !! ،،، ذهبتا الفتاتان  دونما أن يشعرا بشيء..  "عقيدة توتاليتارية ! والفقر! و عُقدة عقدة الإنسان الأوروبي! ، قلت في نفسي ... إن هذا السلوك الذي سلكاه هذان الشخصان حيال أجانب أوروبيين سياح, ليس سلوكا نادر الوقوع ، بلى ،إنه سلوك يتكرر مرات و مرات معهم، ولكن فقط لأن نتيجته تكون حتميا "لا ردّ" غالبا بسبب عدم فهم الدارجة العربية المغربية من لدن المُكفرين الأوروبيين فلذلك لا ينشأ النقاش حول هذا الأمر .. إلخ إلخ ...


مُحيط باب بوجنود بالمدينة العتيقة بمدينة فاس ، مكان تتدفق في أثيره بلا انقطاع ألوان كثيرة من المعنى : التسول ، الغنى ،السياحة التاريخية ، التجارة، تكفير الأوروبيين! ، إنه فضاء تتداخل فيه كل المعاني المتفرعة من:التسول ، والغنى ،التي لعلها لا توجد فقط في محيط باب بوجنود بل كذلك هي أيضا في فاس  كلها ،مدينة فاس التي صارت الفوارق الإجتماعية تزداد فيها يوما بعد يوم وكذلك الإجرام ،في الوقت الذي تتعاظم فيه الهجرة لها بشكل كبير   ،ويصرخ سكانها الأصليون على اجتياح غير الفاسيين من العاطلين نحوها ..إلخ...



الصورة : خ،م  ب"باب بوجنود" بالمدينة العتيقة بمدينة فاس ..


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق