خَلدُون المسناوِي
شارع "مُحمّد الخامس" بمدينة تطوان ،يختلف كل الإختلاف عن كل شوارع "مُحمّد الخامس" بمدن المغرب الأقصى ...من حيث الشكل العمراني ، من حيث الهندسة البنائية ، ومن حيث كذلك الطابع الأندلسي "المالاقي" الموسوم به هذا الشارع بهذه المدينة الجذابة...
بشارع محمد الخامس بتطوان ، البنايات موشاة واجهاتها بزخارف إسبانية: الشرفات والنوافذ و كذلك الأبواب ...كل شيء في الشارع حتى الاسفلت يقذف بك للإحساس لبرهات بإسبانيا ...
بجوار مقر البريد،بساحة مولاي المهدي الذي يُخَرِّج إليها شارع محمد الخامس بتطوان الأولى "المدينة العتيقة" ،تستقر بناية "الكنيسة" المقرمدة صومعتها المصبوغة واجهاتها بطلاء بني فاتح والتي تطل على نافورة تنهمر منها المياه... على رأس كل ساعة يهدر من عَلاء صومعة الكنيسة صوت طنين "طِنْنْ طِنْنْ ..." إيذانا بالزمن ..
كانت الساعة تشير إلى التاسعة و خمس دقائق بالتمام حينما كنت منزويا إلى مائدة بمقهى "الوطنية" واضعا ساقاً على ساق أتأمل فكرة "جمال الإهانة" التي قرأت عنها للتو، في كتاب الإخوة كارامزوف للكاتب دوستويفسكي، لقد مرت خمس دقائق على سماعنا ترجع صوت تسع طنطنات تشيع في أثير فضاء الساحة...السماء من خلف زجاج المقهى تبدو مُدثَّرة بسحب متكاثفة رمادية داكنة ها هي تسطع فجأة من ثناياها الشمس بإشعاع يغمرها بياضا أثار ارتياحا في نَفسِي ... تأبطت الكتاب وترجلت في خطوات سريعة ناحية ساحة "الفدّان ـ المشور السعيد" المقابلة لمقر القصر الملكي لتطوان ، بائعوا السلع بمختلف أنواعها بعرباتهم من حولي يتفوهون أثمان السلع،عمال للنظافة يكنسون البقايا من الطريق ويحشونها بقمامات خضراء يدحرجونها أمامهم في مسيرهم على عجلاتها ،انسلخت من بين الباعة ورجال النظافة و قصدت رأسا زقاق القيسارية ،،،و هاأنذا بعد دقائق من تواجدي بمقهى الوطنية، أهبط أدراج "باب عقلة" القيمة التاريخية الكبيرة في تطوان لاشك... دخلت من الباب وسرت أمامي أنا الذي لا أعرف زقاق المدينة العتيقة لتطوان عميقاً،كنت في كل مرة أتلفت إلى يافطات تخطف البصر يمينا و يسارا تعطي معلومات تاريخية عن مساجد و مدارس ...إلخ ... إلى أن بلغت بابا مزخرفا آخر ،إنه باب "توت" ..
بساحة "الفدّان ـ المشور السعيد" ،تنتشر فنادق كثيرة في الغالب لا يتجاوز المبيت فيها خمسين درهما لليلة ،تكون فارغة بشبه إطلاق في كل الفصول عدا الصيف الذي تمتلأ فيه عن آخرها، حركة الغادين و الرائحين التي لا تنقطع إلا مع اقتراب منتصف الليل بالساحة يعلوها ، شعار المملكة المزدان في الجدار العريض المواجه لقوس باب القصر الملكي ...
وراء شارع محمد الخامس وكأنك ذاهب نحو الأدراج المنزلة حتى ذروتها إلى مقر الستيام،تتواجد بناية سينما إسبانيول .. هناك أيضا قاعة سينمائية أخرى تسمى : سينما أفنيدا وتقع بالتحديد بمحاذات مقر المحكمة الإبتدائية قرب بار الأندلسية ... في الطريق إلى الأدراج المدحرجة نحو شارع المسيرة الذي يقودك المشي فيه إلى المدينة الجديدة ،هناك السوق المركزي الذي يتقاطر إليه الناس بغرض ابتياع كل أنواع الخضر و الأسماك و اللحوم ..إلخ...
و على السواء ،أتكلمنا عن تطوان الأولى أو تطوان العمارات الجديدة، فلا بد أن نقول عنها ،أنها مدينة من المدن "النظيفة" ، و "جدا" نقول ذلك عنها، خاصة إن قارناها مع العرائش الغارقة و دوما في مشكل انتشار الأزبال في نواصي الشوارع و زواياها و في الساحات ..إلخ...
تطوان مثلها مثل "الصحراء" تقريبا، في أي شيء؟،في كون سكانها لا يستيقظون باكرا.. إذا خرجت في الصباح في الساعة السابعة صباحا في تطوان، لا تنتظر أن تجد كل الحوانيت مفتوحة ، فالجميع موصد ، و مثل ذلك الإستثمار ... ! فالمستثمرون الإقتصاديون قلائل إجمالاً بهذه المدينة ...
لا غرو إن قلنا أن مدينة تطوان، تبقى من المدن المهمشة من لدن الدولة من ناحية الإستثمارات الإقتصادية،اللهم الأموال الضخمة التي يضخها "الحكم" لمراقبة هذه المدينة استخباراتيا بسبب النزعة الإرهابية المرتفعة حقا بها أكثر من المدن الأخرى، إن مدينة تطوان تحتاج إلى تأهيل سياحي اقتصادي يليق بموقعها الجغرافي و بطابعها المالاقي ،و ذلك بجلب الإستثمارات الإقتصادية على غرار طنجة ،من دون طبعاً أن تنقطع المراقبة الأمنية المترصدة للتحركات الإرهابية داخل المدينة...إلخ ...
الصورة : "خ،م" جالس بمقهى "الوطنية" بشارع محمد الخامس بمدينة تِطوان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق