الاثنين، 27 أبريل 2015

مَدِينَة "طانطان" المغربية...مَدِينَةٌ تُعاني الكثير على صعيد بنياتها التحتية ...





خَلدُون المسناوِي

... كنتُ مُسندا رأسي بمِرْفقي الأيسر على نافذة الحافلة المغمورة بنفاذٍ  بحرارة  صيف كاوية، و كانت الحافلة تسير بسرعة واهنة غير مألوفة ،كان ذلك يُضجر ركاب  الحافلة بشكل ملحوظ، فالإستياء يخطف البصر من وجوههم باجتِذاب ،و كذلك، بعضهم يدمدم بعبارات مستنكرة بين فترة زمنية وأخرى.. كانت جباههم مقطبة معروقة و قمصانهم مبللة بالعرق وكذلك بينهم  كنت. وكنت أحدق عبر زجاج الحافلة بعيدا على أقصى مدى البصر  إلى التلال الرملية الصحراوية خلال سماء مزرقة صافية تتطلع  لبصري ثم تنقشع لتلوح أخرى ..كُنتَ تلقانِي بين الوقت  والآخر ،أتلفت الناحية الأخرى صوبَ ،دأب محادثات بين ركاب الحافلة ، ثم تجدني أعودُ برأسي لزجاج الحافلة أزيغ ببصري على مدى البصر،هناك بعيدا بعيدا أرى ،خِيام منصوبة بسفوح تلال و،سراب غدائر، ...إلخ إلخ ... 


تلاث ساعات و نصف من الطريق و،التمعت تلوح مدينة طانطان من مسافة قريبة .. أدار سائق الحافلة المقود حتى ذروته دالفا بالحافلة داخل المحطة و ركنها في زاوية من زواياها،أطفأ المحرك فتلاشت هدهدته  ... وثب الركاب من مقاعدهم نحو باب الحافلة.. نزلت أدراج الحافلة ،كانت الساعة عندئذ قد بلغت الثانية والنصف بعد الظهر ، الشمس منتصبة في منتصف السماء و الهواء جد حار ... التقطت حقيبة السفر من القابض الذي جذبها لي  من الباب الجانبي للحافلة و تقدمت خارجا من المحطة .. كنت ما زلت لم أحشو شيئا في بطني منذ الصباح الذي أفقت فيه بمدينة كلميم،دخلت لمطعم يُدلّي موائده على الرصيف و طلبت صحنا من الدجاج ..إلخ إلخ... حواشي المحطة أمامي شنيعة بالأزبال ،أسوارها منهدمة   و فوضة جزلة منتشرة  في كل أنحاء المحطة تخالطها جلبة كبيرة من الصياحات و أصوات طنين الحافلات ...المحطة أمامي بواجهاتها الأربع تطل من كل نواحيها على محلات للمأكولات ، الحمير  تبدو وسيلة أساسية هنا هَا، إذ قد مر أكثر من حمار من جانبي منهكٌ بثقل بالسلع ...مسحت أكفي وفمي  بمنشفة على نَظر مرآة المطعم المقشرة و خرجت من المطعم متجها إلى الفندق ... فتحت غرفتي في الفندق ، وضعت حقيبة السفر على السرير، تمططتُ،ثم استمنيت ! ،أرتجت الباب بإحكام بحيث لا يمكن أن أكون قد  استغرقت خمس دقائق كاملة داخل الغرفة ذلك أني كنت مستعجلا احتساء فنجان قهوة مع تدخين  بعض السجائر .. في مقهى قرب المحطة جلست وطلبت قهوة سوداء ، بعد دقائق قليلة ، دخل شرطي أسمر  قصير القامة إلى داخل المقهى كنت قد لمحته مرابطا إلى باب المحطة عند خروجي منها بعيد نزولي من الحافلة، و تقدم نحوي رأسا .. قال بلهجة شبه آمرة : بطاقتك الوطنية . نهضت من الكرسي وقلت في تصميم : حقيبتي في الفندق ،وللتو حشوت يدي في جيبي و أخرجت مفتاح الغرفة وأريته له في عجرفة! ثم تهالكت غير مباليا بأمره.. انصرف دون أن ينبس ببنت شفة .. جاءني النادل : قبل أن يتفوه بشيء قلت   : قهوة سوداء ثقيلة. كان النادل الوحيد الذي لحظ ما جرى بيني و بين الشرطي ، قال بنبرة تنم عن التعاطف : مكانه هو المحطة! ، ثم قال و عيناه مثقلة بالإعجاب : راقتني طريقة تكلمك معه ! ... حملت كأس القهوة بيدي ، دفعت ثمنه للنادل،ثُمَّ  ذهبت للفندق لاحتساء القهوة لعل ذلك سيكون أأْمن، كذلك كنت قد  ارتأيت الأمر  حسبما أتذكر  .. 

في الطريق إلى الفندق حاملا الفنجان بكف و دخان سجارة يتعالى من الكف الآخر أنفثه من فمي بانسيابية متمردة.. مرت فتاة صدرها مقتحم من جانبي نظرت إلي بإمعان وأومأت في إعجاب مثقل على محياها!،فكرت :"انسيابية متمردة " لشاب نحيل بسروال ضيق وقميص مفتوح على الصدر  يضع نظارة سوداء معتمرا قبعة ذات حافة على الجبين  يحمل كأس قهوة في كف ويعب الدخان   من الكف الآخر ،موضوع جمال!  ، تخيلتها في برهة أفعى ترقص على طرف عصا بيدي! ...




بعد هبوط الشمس ، وجدتني بشارع محمد الخامس .. شارع محمد الخامس هو الشارع الرئيسي الثاني بمدينة طانطان .. تتناثر محلات البيع و الشراء على جانبيه ،المحلات التي تعرض جميع أصناف السلع ،،سرت على طول هذا الشارع يداي في جيبي  و تسربت إلى شوارع : القدس ،الفتح،السلام،20 شتنبر ..، كل هذه الشوارع تشكل القلب الإقتصادي لمدينة طانطان ...  

الشارع الرئيسي الأول ،هو شارع الحسن الثاني "الملك الذي يفهم المغاربة عميقاً" نؤكد! "كُل واشرب واسكت تتحرك يا مغربي القمع!" ،إنه لملك كان يفهم حق الفهم المغاربة ،نؤكد!، المغاربة الذي يعرفهم كاتب هذه الأسطر بالمغرب  بأسره هِيه!! الإنسان المغربي : الحسود وكثيراً،، الأمي، المتملق، المنافق، التشيزوفريني،الغير العقلاني، المعتلّ نفسيا، الذي لا يفهم عدا شيء واحد هو : "المال"  المال المال المال! .. الشارع هذا طويل جدا ، يضم مطاعم ، مقاهي ،مؤسسات خاصّة ...الشارع الذي يُخرج من مدينة طانطان إلى الخارج ... خرجت من،شارع الحسن الثاني إلى شارع المختار السوسي ،ثم انعطفت إلى شارع بئر إنزران ،هذا الشارع الذي تُوزّع على أطراف أرصفته ، الثياب  و الآواني و الصنادل الصحراوية ،والذي يحوي كذلك حوانيتا خاصة ببيع الملابس النسائية الصحراوية ،عكس  شارع المختار السوسي الذي يمتلأ بالدرجة الأساس بمحلات بيع الأجهزة الإلكترونية ... شارع بئر إنزران  المليء بالحيوية، ينتهي بساحة "النافورة" المقابلة للقطب الإجتماعي ، هذه الساحة تتحول نظرا للغياب الكبير القائم على مستوى ملاعب الشباب ، إلى ملعب لكرة القدم ... فرط هي دار الشباب " عين الحمرا " بشارع ابن سينا التي تجدها محتظنة للأنشطة الموجهة للشباب ...إلخ إلخ ... "بارك لافوري" هو المنتجع الهام المتواجد بمدينة طانطان الذي يعتبر مكانا للإستجمام للساكنة ،على أن جميع القاعات السينمائية مغلقة هنا بهذه المدينة .. في الوقت الذي فيه هناك مسرح ، وهو المسرح المديني المتواجد بشارع بئر أنزران ..إلخ إلخ ... 

نحن الآن ،في حي "تيغيريا" ، بالتحديد قرب الجبل ،المكتوب عليه شعار المملكة المغربية " الله ـ الوطن ـ الملك " ... دخلت من إحدى الزقاق إلى هذا الحي حاملا على ظهري محفظة تبديني للمارين بجانبي تلميذا ! ، إنه حي يعيش أتعس الأوضاع ، الطرق غير معبدة ، والمنازل تشع منها آثار الفقر المذقع ... الحي يقوم بجانب مقر "المحكمة الإبتدائية" لمدينة طانطان ، عند المدخل المؤدي إلى مدينة السمارة ... أما من الناحية المقابلة لهذا الحي ، فيتواجد حي "الصحراء"... عبرت الطريق من جانب المدارة الفاصلة بين حيي "تيغيريا" و "الصحراء" و أسرعت الخطى قُدماً نحو حي "الصحراء" ... مررت من قرب مستشفى الحسن الثاني الواقع بجوار بنك الدم قبالة مقر التكوين المهني بعد مروري من جانب مقر المجلس العلمي لطانطان... سألت فقالوا لي أنه أكبر مؤسسة صحية بالمدينة... حي الصحراء هو الحي الضام للبرجوازية و للطبقة الوسطى لهذه المدينة...  


الحي الإداري ، هو الحي الكائن بمركز مدينة طانطان، بهذا الحي تستقر أبرز شركات النقل ،كذلك حوانيت للكتابة العمومية ،،، بالحي الإداري تتواجد حديقة الغاية في الجمال ،  إنها حديقة الحي الإداري .. الكائنة قرب المركب الإجتماعي التربوي لحماية الطفولة التابع للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية المجاور للخزانة الوسائطية اللاصقة بمؤسسة "بريد المغرب للمدينة المركزية"... الحديقة  محاطة بسور مصبوغ بطلاء بني فاتح ... وراء هذه الحديقة، أو بالأحرى خلف الحي الإداري،يتواجد ملعب صغير المساحة ، هو الملعب الوحيد الذي يقصده مجموعة من شبان طانطان.. بجانب هذا الملعب العشوائي ،يسيل واد يضخ مياها متسخة ،كذلك هناك ساحة مليئة بالأزبال بالقرب من الواد و الملعب هذان ...إلخ إلخ ... مررت من جنب الوادي المشع لنتانة تُزكم الأنف ، لاح من مسافة قرابة عشر أمتار مني ، شبان يشمون "السلسيون"  ،زحفت من جانبهم و صعدت عبر طريق جد موحلة إلى حي "ابن الخليل" المنتصب في العلاء المطل على طانطان من فوق كلها ...الحي الآهل بين أزقته بتربية الماشية! الذي يعيش جزء من سكانه المُعدمين من تربية الماشية هذه ...إلخ إلخ..


مدينة طانطان الصحراوية،  التي تتفرع منها طريقان ، واحدة قادمة من السمارة، و أخرى مرتبطة بكلميم ...،مَدينة تحتاج للمزيد من بذل المجهودات من لدن الدولة بغرض تطوير و تحسين بنياتها التحتية.. لابد من الإقرار بأن طانطان تعاني الكثير على صعيد بنياتها التحتية و تجهيزاتها المحلية ،لا سيما على صعيد الطرق و دور الشباب ... إن مدينة طانطان التي جلناها على كل أطرافها، مدينة تتوفر على مؤهلات عمرانية تاريخية ومؤهلات مهرجاناتية و أخرى شاطئية مهمة تجعل منها مدينة مستقطبة للسياح بحدة لولا تقاعس المسؤولين الذين أهملوا هذه المدينة إلى منزلة بلوغها الحضيض ... فلا بد من الإهتمام بهذه المدينة الصحراوية اهتماما تنمويا عميقا يرفع من شأن أمرها ...إلخ إلخ ...


الصورة : "خ،م" متوقف بحديقة "الحي الإداري" بمدينة طانطان المغربية...




الأربعاء، 22 أبريل 2015

ساحة "الهديم" بمدينة مكناس ... معلمة تاريخية عريقة في حاجة لإعادة الإعتبار .




خَلدُون المسناوِي 



مكناس أو العاصمة الإسماعلية، أهم المدن المغربية الثرية بالتاريخ في بلاد المغرب الأقصى..الرباط، سلا فاس طنجة..إلخ... ولكن مدينة مكناس تلبث  لها خصوصية منفردة...   فيماذا ياترى.. في أنها المدينة التي حكم منها "السلطان مولاي إسماعيل" المغرب بقبضة حديدية لا تُضاهى و... مكناس،مدينة تبلغها في طريقك إلى فاس من الرباط، و تمر منها إلى "مولاي ادريس زرهون" و منطقة "وليلي" الرومانية و ...إلخ إلخ... 



"باب منصور" أبهى باب و أضخمه هنا بمدينة مكناس، الباب الجد المرتفع المزخرف الذي يركن إلى جانب منه "متحف تاريخي" يعرض "قطعا أثرية" تعرب عن  ماضي المكناسيين ...إلخ .. قبالة هذا الباب تنبسط "ساحة الهديم" على مساحة واسعة ،ساحة الهديم التي تستقدم أعدادا وإن كانت قليلة من السواح الأجانب فأفضل من لاشيء. يصورون ب"كاميراتهم" باب منصور، قبل أن يصعدوا لبعض المقاهي القائمة على ارتفاع أمتار من الأرض بحيث يواجهون بعد اقتعادهم الكراسي الباب المذكور "باب منصور" ويحتسون الشاي و القهوة بينما يستمتعون بالنظر له "باب منصور" و للعبق التاريخي المنبجس منه ... 





بجانب من الساحة المجاورة لسوق "السكاكين" الشعبي  وعلى طول صف من الدكاكين تصطف موائد على مدى البصر ،توضع عليها قطع فخارية معروضة للبيع و كذلك بعض الأشياء المعبرة عن تراث المنطقة .. على الجانب الآخر يمتد سور سميك طويل ، تتناثر على طوله غرف "مقرمدة" مُجدرنة بزجاج شفاف يُقرأ على واجهاتها "التعريف السياحي بالساحة" ... هذه الساحة التي لا تبعد على محطة الحافلات لمكناس سوى بمسافة ظئيلة ،في الصباح وبعد الظهيرة تكون فارغة عدا من القليل من الرائحين و الغادين ،،، بعد العصر تنخرط  ساحة الهديم في أشياء أخرى ، يتدفق عليها باعة الفراشة الذين يتغاضى عليهم رجال الأمن المنزوين في مرأبهم جانب باب منصور .. كما يجنح للمكان كذلك "الحلايقية" الذين يتحلقون على أفاعهيم "البوسكّة" التي تتلوى أمام أنظار الناس، الناس يحدقون مدهوشين ثم يبتسمون في إعجاب.. منهم من يسترسل في الفرجة ،منهم من يشرئب برأسه لثوان ثم يرحل ... "الحلايقية" يقدمون عروضا مصحوبة بتعليقات عجيبة تنبثق من أفواههم ثم يستجدون المتحلقين حولهم إعطائهم بعض الدراهم لقاء الفرجة التي يقدمون لهم ...إلخ إلخ ...





مع دنو غروب الشمس كل يوم قبل ساعة أو أظأل من ذلك، تتمدد سهام أشعة الشمس الخفيفة على الساحة بنفاذ عميق ،بذلك يكون الجمال الكلي لساحة الهديم قد اكتمل ،الصورة الكلية قد اكتملت ...إلخ...ساحة الهديم بعد هبوط الشمس تندمج في عالم آخر و تتلون بألوان أخرى..،مصابيح قوية تطلق سهامها بقوة على الأسوار المتصلة بباب "منصور" و أخرى تبث إشعاعا قاسيا على أرض الساحة ...بعض "الحلايقية" يبرحون الساحة مع غروب الشمس ، فيما آخرون يلبثون يقدمون عروضهم لساعتين أو أكثر بقليل، بعد نزول الظلام ...






البوابة المُقوَّسة،المجانبة لباب منصور المتفرسة في ساحة الهديم ،تؤدي بأمتار من عتبتها نحو ،ضريح "الملك إسماعيل" ، الضريح الذي لا يضم فقط قبر ملك من أقوى الملوك الذين حكموا المغرب وزوجته خناتة، بل الذي يضم أيضاً، قبور العديد من أحفاده في بيوت محاذية لقبره ، إلخ إلخ... حث الخطى على طول الشارع المنبثق من البوابة ، يوصل إلى القصر الملكي المجانب لمقر أكاديمية القوات المسلحة الملكية ثم إلى "الصهريج الواسع"...إلخ إلخ...





ساحة "الهديم" الكائنة بالمدينة العتيقة لمدينة مكناس ، معلمة تاريخية عريقة صامدة تعيش اليوم ظرفاً مترديا يجر التفكير حوله إلى استشعار المرارة و الحنق والشعور بضرورة الإقدام على إعادة الإعتبار إليها بدحض سبل تدبير شأنها ... إن ساحة "الهديم" تتوفر على مقومات تاريخية و اقتصادية و جمالية تدفع بأن يُجعل منها ساحة،في مثل مستوى ساحة جامع الفنى بمراكش، سيل من السياح لا ينقضي ... متى يا ترى سنرى السياح يتدفقون على "الهديم" بنفس الحدة التي يفعلون إلى ساحة  جامع الفنى ...يوم تكون الرقابة في تدبير ملايين المجتمع المكناسي الأبيّ التي تذهب بإسراف نحو جيوب المنتخبين ...إلخ إلخ...










الاثنين، 20 أبريل 2015

منطقة "المْنَار" بمدينة طنجة : غروب وعطر و ترنم و سحر..



خَلدُون المسناوي 


على متن  عربة الأجرة أو سيارتك الخاصة ،أو الحافلة "رقم 16" المنطلقة من كازابرطا،وبعد دقائق معدودة من السّير، تبلغ منطقة المنار ، المنطقة التي تتميز بجمالية منفردة لا مثيل لها ..المنطقة عبارة عن مرتفع يطل على وهدة سحيقة بعلو أمتار تنتصب عليه في القمة بناية منارةٍ يرجع بناؤها للعهد الإستعماري ... المنارة هذه يتكلف فريق ضئيل العدد من القوات المسلحة بحراستها ليلا و نهارا ،بحيث يُمنع زوار المكان هنا من الولوج داخلها ، إذ يحدها سياج حديدي على محيطها يقف سدا حائلا أمام تقدم أي شخص ..إلخ إلخ... 



بمنطقة المنار التي تبدو للعين من قرب المدينة العتيقة لطنجة و كذلك من الشاطئ المحاذي لمحج محمد السادس ، هناك شامخة في منظر نضر باهٍ مبهر، تتواجد مقاهي شيدت خصيصا لاستقبال الزوار من السواح القادمين من داخل المغرب و من الخارج ، تقدم أقداح الشاي و القهوة ، على موائد فوق الأرض المتربة من دون أن تقدم صحون الأكل ..إلخ... هذه المقاهي التي يتسم وجودها بنوع خاص من الوجود.. الجلوس إلى موائدها لقرابة ساعة زمن ، يجلب إليك رؤية منظر سفن قادمة و ذاهبة من ونحو أوروبا تجر وراء ها خطا مُشعثا على صفحة الماء.. أوه ،إني أحيا الآن وأنا أنظر إلى ذلك  ! .. في الصيف ، سهام الشمس تهبط بقسوة على مياه البحر تنعكس عليها ببياض ناصع يوصد العينين أثناء النظر .. في شهر نوفمبر الضباب يغشى السفن القادمة لأوروبا و الجانحة نحو طنجة، و الريح القوية تعبث بثيابك وتُطيِّر الغبار من حواليك ..إلخ إلخ ...



أثناء فصل الصيف، يتضخم الهبوب السياحي على منطقة "المْنَار" بمدينة  طنجة بتكاثر من كل صوب و حدب،منطقة "المْنَار"  التي تضم أبرز المنتجعات السياحية الترفيهية  كنادي  " المنار بارك " و التي تضم أيضا أفخم الفنادق " ال5 نجوم " ، المنتجعات و الفنادق التي تمتلأ  عن آخرها مع حرارة فصل الصيف "المسابح .. إلخ..." ،غير أنه في فصل الربيع يكون للمكان هنا معنىً آخر تماماً ولا أجمل ولا أنضر ، بحيث يكسو الإخضرار الأشجار المتدفقة  المنهمرة   على سفوح الجبل المرتفع المقتحم  مياه البحر .. لمنطقة المنار إذن معاني متنوعة تنوع الفصول الزاحفة عليها ...في الصيف معنى ، في الربيع آخر ،و في الشتاء  ..، هكذا هو التحدث إذن عن منطقة إسمها "المنار" بمدينة طنجة على طول العام ...



غروب الشمس ب: "المنار" غروب خاص جداً، لا غروب نظير له ..الغروب في عمق العالم! تصوروا. ،قرص الشمس يغوص في ازرقاق المياه المرتعش ، وباخرة تخترق في تحدٍّ ، نصف قرص الشمس "المؤنسة المولهة"  العلوي المنبجس في هذه الآونة الذي أطلق فيه بصري في توله، وباخرة أخرى تلاحق الشمس المطاردة للظلام ،و طيور تحلق في طراوة غيوم تغمرها أشعة شمس تميل باطراد للون البرتقالي ...إلخ إلخ ..الغروب في عمق العالم هذا تنظر إليه لدقائق و تستدير على عقبيك ثم ترحل ...،تتذكر في أوقات ما هذا الغروب أكنت طنجاويا "أو حتى قاطنا ببناية المنارة" ،أو، كنت من خارج طنجة،،إن  نظرك للغروب في عمق العالم في يوم من أيام حياتك سيصير ،في العمق، جزء اً من كينونتك لآخر جزء في المائة من وجودها !،لا يمكنك بأي حال  أن تتصور خلاف ذلك ..إن الأمر أعمق مما قد تتصور لأول وهلة! ..لنفترض أنك وصلت إلى هذا المكان "و ينطبق هذا  على أي مكان" ، وقد تأتي إليه مرة أو مرات أخرى... وقد لا تعود إليه بسبب خنجر الموت "العدم" الذي قد يصيبك في أية لحظة بعد زيارتك له ..إذا قلنا لك أنك ستموت سنقتلك بعد نظرك للغروب في يوم من الأيام في المنار"المنار ليس إلا مثلا" ، أليس كان سوف يكون لهذا الغروب المعنى المقرون برغبة الإنسان في الحياة دائما! أليس كان سوف يكون لهذا الغروب أكثر من معناه كغروب "من الناحية الكوزمولوجية" !...




ليل منطقة "المْنَار" له معنى مغاير تماماً عن نهارها.. المصباح المراقب الساطع المشع بشكل مركز المتحرك يمينا و شمالا باتجاه مقوس إلى سطح البحر ، وحلقات السكارى في السفوح!،، و مراكب مطاطية "زودياك" في بعض الفترات من العام ، تنزلق مندفعة من حافة سفوح جبل المنار في اتجاه ضفة القارة الأوروبية..،ضفة القارة الأوروبية التي تبدو من منطقة المنار التي تبعد عنها ليس بأكثر من 12 كلمترا ، في وضوح جليّ و جاذبية آسرة آخّاذة ...




منطقة "المْنَار" بمدينة طنجة المعروفة بالعالم بشكل كبير"مدينة طنجة"!، ليس فقط هي تلك المنطقة التي ننظر من خلالها للسفن تمخر مياه البحر بين إفريقيا وأوروبا و تنتصب على قمتها منارة ترمز للتاريخ ، و ... و كل ما تحدثنا عنه فيما تقدم ،لا.. إن وضع أقدامك بمنطقة المنار بطنجة، وصول لك إلى عمق "مركز العالم" من حيث الجغرافيا و تأمل في يَنبوع مفرز لعطر و لترنم و لحب و لسحر ليمت في العمق بتقارب العدوتين..إلخ..إلخ...




   

الأحد، 19 أبريل 2015

سوق "كازابراطا" بمدينة طنجة... السوق الأول بالمغرب الضام لكل أصناف السلع و الأكثرها جودة...




خَلدُون المسناوي 

أمام مدرسة رابعة العدوية بالحي الجديد، تنفتح وتنغلق كل يوم أبواب  سوق كازاربطا ،المنثور صداه  ليس بطنجة وحدها ولكن بمنطقة الشمال بأسره..إنه السوق المَعروف باحتوائه كُلَّ أنواع السلع الممكن تخيلها ، السلع المُستقدمة معظمها  من إسبانيا و من دول أوروبية أخرى.. السوق  يشبه سوق درب غلاف بالدار البيضاء من حيث أروقته الضيقة و انقسامه حسب نوعية السلع المعروضة للزبائن... سوق كازاربطا الذي لاتباع السلع بداخله و حسب كسوق درب غلاف، و إنما حتى بجوانبه الخارجية..إلخ...


السلع تجدها مفروشة على الرصيف المحيط بعتبة السوق المسقف بعناية بالغة بقطع صفيحية ، السلع طبعا المستعملة ،من ثياب و تجهيزات الصنابير و الكهرباء ..إلخ... عكس السلع داخل السوق ،التي لم يسبق أن استعملت قبل عرضها للبيع ،،،السوق أيضا تقع قبالته، محلات تعرض في زجاجاتها وطاولاتها الخارجية سلعا قديمة ...ويمتد على جانب من جوانبه صف طويل من حوانيت أفخم الآتاث الخشبية ...

سوق كازابرطا بطنجة ، تباع فيه أيضا الخُضَر والفواكه،نعم، على العربات و في الأرض وفي بعض الحوانيت ، وذلك بزنقة محاذية للسوق ملاصقة له ،تُسمّى "زنقة أغريط" ، الزنقة عينها التي يتواجد بها أقرب مخفر للشرطة، للسوق.. لعله مخفر الأمن الذي تنزل مسؤولية حماية السوق على شرطييه ..



سوق كازابرطا المتواجد ،بجوار "المسجد السعودي" تنهمر تجارته ، إلى الأزقة القريبة منه ، دينامية اقتصادية مهمة تلك التي تنتشر خلف المسجد المذكور ،و كذلك وراء مقر قباضة الخزينة العامة للملكة "طنجة الحي الجديد" ،وبزنقة القطان ...إلخ...





بالقرب من سوق كازبرطا ، من الناحية المطلة منه على شارع "مولاي عبد الحفيظ"، شيد قبل مدة المجلس المنتخب عمارتان تتسعان لمساحة كبيرة وذلك ،لغرض احتضان الباعة المنتشرين بحواشي سوق كازابرطا ، و الذين يتسببون في فوضى عارمة تمنع الناس من الترجل  عبر الأرصفة كما تضايق شيئا ما أصحاب العربات و الدراجات المارين من الطريق ..إلخ ...لكنَّ الذي يبدو هو أن مشروع هذان العمارتان لم يكن سوى لغرض توفير السبيل ل"سرقة" بعض الملايين من لدن المنتخبين الذين عروا المغاربة بكل الطرق في كافة مدن المغرب! ، السوق سيقولون "كما شأن كل الأسواق المكلفة ماديا المغلقة بالبلاد " قد رفض الباعة الولوج إليه ،لكن لابد إذا ما تم التدقيق في المحاسبة في شأن بناء هذا السوق لسوف نجد بالإطلاق أن الملايين قد سرقت ..إلخ إلخ...



بمحاذات سوق كازابراطا الراجع تأسيسه لأعوام عدة و الذي تفوق سلعه من حيث الجودة ،السلع المعروضة في سوق درب غلف أو في القريعة "نشهد بذلك" ، يتواجد سوق "الحي الجديد" هكذا يسمونه ، وهو سوق يلبث سوقا تابعا لسوق "كازاربطا"كما تيقنا من ذلك.. كل السلع التي تعرض فيه لها علاقة بشكل أو بآخر  بحرفة الفخار.. السوق هذا يطل على شارع "أبو قاسم الشريف السبتي" ... بالقرب منه يمتد "موقف للسيارات" واسع المساحة، هو موقف العربات المخصص لسوق كازابرطا الملاصق لبناية "الدائرة الحضرية الشرف السواني" ..إلخ إلخ ... 




كلّ السلع منتشرة في هذا السوق ،كلها كلها كلها بدون استثناء !، ذاك ما يبقى عالقا في ذهنك بعد مبارحة سيقانك للسوق وحتى بعد  مرور وقت طويل على زيارتك لهذا السوق تتذكر ذلك وأنت تنتظر اشتعال الحاسوب  أو وأنت جالس في مقهى أو وأنت تعقد سيور حذائك ! تأمل هذا قليلا !!..ينسكب ذلك برهافة في ذهنك وأنت متحدثا في شيء آخر مع أحد ما   !! ،لكنك تفكر الآن في صدقية ذلك في أماكن عميقة من تفكيرك! إنسى!،سأطيل عليكم قليلا بالكلام  ،  لن تخسروا شيئا، الدراجات الهوائية الجبلية التي تباع في هذا السوق في مكان مخصص لها ، والله لم أجد مثل الدراجات هذه التي رأيتها  معلقة من عجلاتها و مصفوفة بجوانب حوانيتها في أسواق الرباط أو درب غلف أو أبرز الأسواق في المغرب الأقصى ،الروعة فيما كان ، أكثر الدراجات تطورا من ال "فران آديسك المنيوم عجلة 29 " لا توجد سوى بكازابرطا ، و عموما فليلبث هذا مجرد رأي مني إن لم يستسغ من لدن أحد ..إلخ ... على أن سوق كازابرطا يضم أيضا حوانيت لبيع آخر الصيحات من الكاميرات و من المصورات و الهواتف النقالة وكذا إصلاحها و بأثمان تقل عن أثمان المدن الداخلية  وحوانيت لبيع الأثواب والماكياج و المجوهرات و الأحذية ..إلخ إلخ ... 



سوق "كازابرطا المحاذي للمسجد السعودي التابع للدائرة الحضرية "الشرف السواني" بمدينة طنجة ، من أهم الأسواق التي يمكن التسوق منها ،ليس فقط بطنجة أو بالشمال،، وإنما لا إجحاف إن قلنا بالمغرب بأسره ..إنه سوق يضم كل أصناف السلع المتسمة بالجودة العالية"الأوروبية" و الأخيرة فيما يخص الإصدار ... سوق "كازابرطا " بمدينة طنجة ،سوق يحتاج للكثير من التنظيم و الإنضباط  و المحاسبة ،بهدف الإرتقاء  به من حيث عملية البيع و الشراء بداخله التي ترجع بأرباح على باعته الذين تعيش أسر و أسر من شغلهم به.. إلخ إلخ ...




شكراً على القراءة ..


الثلاثاء، 14 أبريل 2015

سَلاَ...السُمُوُّ ،التخَلٌُف و المعاناة..






خَلدُون المسناوِي



مستحيل ألاّ يحس أحدٌ بشيء ما نحو "سَلا" حينما يترجل  من جانب سورها المشعللإعتزاز المثير "رغما" لمشاعر الإحترام!.   سيستولي عليك شعور طفيف جدا بالإحترام ،فقط إن تأملت لقرابة نصف دقيقة  جانبا من جدارها الشامخ المُسنن.. من اليسير أن تتكلم بابتذال عن سلا في زمن تخبطها اليوم ،لكن أن تسبر عمق  سلا ،فصعب! صدقني ! صعب جدا! إنها مدينة ليست ككل المدن : التاريخ ،والعلاقة المميزة مع البحر،والنظال الوطني ،والفن... ، لكن سلا كيف هي اليوم ؟  كما تعرفون، غارقة في اختلالات عديدة في كل المجالات، لا طرق  ولا مستوصفات ولا مطافئ ولا أزقة ولا مدارس ولا أي شيء غير معطل بها ...



في السنين الأخيرة,اجتاح الإجرام مدينة سلا   بصورة غير مسبُوقَة،كُلكم تصرخون بذلك ،،صارت المدينة معروفة ببلاد المغرب كله بالإجرام أكثر مما هي معروفة بخصوصيتها التاريخية المنفردة. الإجرام الذي أصبح يخيف سكانها بشكل لا يُصدق ..الشكوى منه أمام عتبات المنازل .بالمقاهي. بنواصي الشوارع . داخل عربات الأجرة ...المجرمين في ارتفاع ،الهمجية تتسرب في نمط العيش  داخل المنازل  ،و الكلّ يتفرج في انتعاش ! ...أتذكر أنه كان قد تم القبض علي من لدن دورية أمنية مستاء ألف سجارة حشيش  خلف ضريح سيدي موسى .."وغي وحاد الجوان حشاك أشّاف : قلت لرجل أمن  ـ جرني من كتفي بقوة إلى عربة الأمن  إصعد إصعد لدين أمك : قالها في غطرسة جارّاً الباب الجانبي للعربة  في عنف بالغ  ..بعد الوصول للكوميسارية قَرَّب ضابط أمن أنفه من فمي :سكران يا ابن القح...كنت سكرا.. ! ..سأتذكر فيما بعد أن  عميدا في كوميسارية حي سيدي موسى بسلا  كان قد صرخ في وجهي داخل فناء الدائرة عقب تأويلي الدموقراطي في لحظة لدستور 96! : هذا مجرد كلام كتب !..نحن من نعرف الواقع ! يلزم أن يلج نصف سكان سلا إلى السجن كي يعيش النصف الآخر! عبارة قد تكون قد أُطلقت في حالة غضب لكنها تعرب بعمق عن الحالة التي تعيش على إيقاعها المدينة فيما يتعلق بالفوضى و الإجرام ... إلخ......سلا كل الزقاق يباع فيها الحشيش، سلا وحده الحظ معك  ففي أي وقت يمكن أن تُعنف لسرقتك ، سلا اللصوص يسرقونك ثم يعصفون بوجهك فتنهمر دمائك رغما أنك لم تقاومهم ! ، سلا ليس السنحات المجرمة فحسب من توقف المارة بالسيوف و تطالبهم بالهاتف و المحفظة، هناك تلاميذ يوقفون المارة بالليل و يلجون المدارس بالنهار !،،هذا ناهيك طبعا عن الإعتداء ات الإجرامية التي تتم كل يوم بسجن الزاكي!، سلا الألاف ينفخون السلسيون في الشوارع عقب منتصف الليل ، سلا أشخاص ينامون بمقبرة باب معلقة و مقبرة سيدي بلعباس ، سلا حينما يعتدي عليك مجرم بسكين أو مِدية أو شفرة حلاقة ،و تغذّ الخطى للحال نحو الشرطة ،هدأ روعك مهما سرق منك أو اعتدي عليك !،فلست إلا مثل العشرات طرأ لهم ما طرأ لك قبلك و آخرون بعدك سيقع لهم ما وقع لك  ،  رجال الأمن "طالع ليهم الدم" ،العمل كثير عليهم ،وهم أيضا قد يحدثونك وهم ينقرون لك المحضر عن عملية سرقة بالعنف حدثت لهم البارحة أو الأسبوع المنصرِم! ...إلخ إلخ ..في مدينتنا، يوميا يزداد عدد المتشردين ،الكل مهدد بذلك ونصف السكان يعيش بأقل من 5دراهم والمئات يصولون الشوارع يحملون في جلود أجسادهم الميكروبات كلها!...


سلا ،قُطّاع الطرق يوقفونك في كل مكان ،فحتى بجوار مقر ولاية الأمن و مقر الديمومة أمام محطة القطار سلا ـ المدينة يفعلون ذلك... سلا ،إذا كنت على علاقة بموظف أمن بالمدينة يُبحث في شكايتك جديا و تقوم الدنيا و تقعد ،إذا لم تكن كذلك يكتب لك "محضر ـ شكاية" بلا أي "بحث مجهود" ميداني  ومن الأفضل إن سُرقت تحت العنف ،أن لا تقدم أية شكاية كي لا تُضيع وقتك ،سلا أي شخص يمتطي الحافلة و يأتي إليها .. .. .. سلا في كل الزقاق التسول ... سلا يتواجد بها العديد من الأشخاص نتاج لعلاقات جنسية مع داعرات "لا أباء لهم"




سلا الأسواق المنظمة المبنية الستة الموزعة على أحياء المدينة موصدة ، والناس يبيعون بجوارها !..في شوارع و زقاق عديدة يتجمع باعة الفراشة و أصحاب العربات في احتلال واضح للملك العمومي والدولة غير قادرة على استئصالهم ،و ذلك لوعيها بكون الإقتصاد غير المهيكل هو المعين الوحيد للملايين من المغاربة الذين يعيشون من أرباح هذه التجارة غير المهيكلة المنتشرة  وبأشكال متنوعة بجميع أطراف المدينة..إلخ...





على مسافة جدار المدينة القديمة من باب الخميس نحو باب المريسة ، أعداد من الشبان يعاقرون الخمر أمام الملأ ورجال الأمن لا يحركون ساكنا حيالهم ، وكذلك الشأن بقرب الولي الصالح سيدي موسى قرب قصبة كناوة... بل صرت تجد في أي مكان شبانا يحملون قنينات زجاجية أو قصديرية للخمر يفرغون منها في أجوافهم وهم يسيرون في الشارع بشكل عادي ، الشيء الذي يؤدي إلى جرائم و اصطدامات شتى بسبب هذا الأمر ،هذا في الوقت الذي تتراجع فيه السياسة الجنائية على الصعيد المحلي بشكل فضيع ،إذ تتعامل الدولة مع المجرمين بسلا بمنطق : السجن مملوء عن آخره أين سنضع هذا المجرم أو ذاك !... في الوقت الذي قد تجد فيه سجينا في الزاكي مقدما في محضر الشرطة بتهمة سرقة "كارط ميموار" ...! ...إلخ إلخ...

مستشفى الأمير مولاي عبد الله يلخص بجلاء الحالة التي تعيش فيها المدينة من حيث حدة الإجرام بأحيائها ،فعدد المعصوفة وجوههم و أذرعتهم و بطونهم بالسكاكين الآتون  للمستشفى ليلا لا ينفك يزداد يوما بعد يوم ، في الوقت الذي يعيش فيه هذا المستشفى وضعا اكتظاظيا لا يمكن بأي حال نفيه ،و كذلك فوضى في التدبير و استقبال المرضى و علاجهم، لا يمكن التغاضي عنها بأي حال من الأحوال .. في الأسبوع المنصرم رافقتُ صديقاً صوب المستشفى كان قد اشتكى من وجع في بطنه و سألني مرافقته .. أمام المدخل الرئيسي للمركب الإستشفائي ،استل أمامنا يافع "لا يمكن بأي حال أن يتجاوز عمره الخامسة عشرة سنة" بعنف ساطورا يبلغ نصله قرابة نصف متر من تحت قميصه وشرع يرفع سكينه للأعلى ناحية المستشفى قائلاً  في تهديد : سأقتله سأقتله! ،لن يفلت من يدي !!...هذا اليافع المجرم سيظل قرابة عشر دقائق مُشهرا سيفه أمام الغادي و الرائح بجانب مؤسسة  صحية و لا أحد سيثنيه لا من المارة ولا من شرطة المستشفى التي ستتذرع بأن الفوضى المُقترفة هذه تقع خارج مجال اشتغالها ،،،




شيء مهم يجب أن يفهمه المواطنون بمدينة سلا، و لاسيما الذين ضاعت وجوههم بخربشات سكاكين قطاع الطرق المشحوذة ،و هو ،أنّ الأمن موجود بمدينتهم و كذلك بالبلاد كلها ولكنه ليس أمن الأفراد على حِدى، و إنما إقرار الأمن الذي يحول دونما زعزعة الإستقرار السياسي للدولة! ،فإصابة حتى نصف  سكان المدينة في النهار أوالليل بالسكاكين في أجسامهم ، لا يمكن أن يمس هذا استقرار الدولة في شيء لاسيما أن هذه الجرائم التي تتم لا يؤسس لها أي تشدد إيديولوجي ! ...

القاعات السينمائية بمدينة سلا التي لا تتوفر على بناية مسرحية خاصة بها، كلها اليوم مُوصدة .."قاعات سينمائية كثيرة أُوصدت بسلا" عبارة تُقال اليوم من لدن أبناء الثمانينات و السبعينات الذين عاشوا حميمية السينما، بنوع من التنهد و التحسر تلمسهما في نبرتهم !..  سينما "لوبرا" بشارع محمد الخامس بتابريكت و "كوليزي" و"الملكي" خلف أسوار المدينة العتيقة و،و ..،هي قاعات سينمائية أغلقت قبل سنين قليلة ،،أينه ذلك الزمن..إييهْ!  تقتني فيه  التذكرة التي تمكنك من الفرجة في فلمين اثنين ،بعد انتهائك من الفرجة في الفيلم الأول تخرج في "لونطراكط"  لدهليز السينما  ،إما أن تعود لمشاهدة الفيلم الثاني بعد تناولك لوجبة سندويتش خفيفة أو الزريعة إلخ ...، أو أن تبيع التذكرة لأشخاص بنصف ثمنها تجدهم مرابطين في باب السينما لغرض  الفرجة في الفيلم الثاني ..إلخ،،، لابد أن يتذكر في وقت من أوقات حياتهم  الكثير من السلاويين تفاصيل جزيلة عن أيام  كوليزي التي كانت تمتلأ مقاعدها عن آخرها قبل انطلاق الفيلم الأول بخمسة دقائق و امتلاء جنبات جدرانها بالمرتادين المتأخرين الذين سيتفرجون في الفلم الأول أو في الفلمين إثنانهما واقفين على سيقانهم إييييييهْ!فينا هي دِيك لِيّام أولاد سلا وما أدرَاك ما سَلا! ... سينما كوليزي، التي كانت تقدم لمرتاديها من السلاويين في أحيان كثيرة "الأفلام المحتوية على الكثير من اللقطات الخليعة!" ،كان لابد مع انبثاق مشهد خليع داخل قاعة السينما واسترساله لأكثر من نصف دقيقة أن تسمع صياحات عبارات : "أنظر أنظر إلى أبوك كيف يفعل مع أمك في الفراش!"  ، "أختك أختك! أنظر يا ابن القح... ماذا يفعلون لها !.." ،أتذكر كذلك فيما أتذكر ،أنه كان عندما تظهر في الشاشة لقطة خليعة ، كنت تجد مراهقين "وقد أكون أن كنت  منهم !!" يسربون أكفهم تحت سراويلهم لغرض الإستمناء! ...أتذكر أيضا أنه رغم المراقبة التي كان يقترفها حراس السينما اتجاه الداخلين لها و ذلك بتحسس ثيابهم إن كانت تحتها قنينة خمر ، إذ لا بد ما كنت تجد البعض يفرغ في جوف بطنه أقداح الخمر بوسطها ..ذات يوم كنت داخل سينما كوليزي ، رُفعت قنينة خمر خاوية في العلاء و سقطت على رأس مرتاد من مرتادي السينما "آي آي يا مِّي راسي ..." أُشعلت الأضواء، وتدخل حراس السينما وكانت ليلة ما أقلها من الليالي .." بعد إيصاد هذه السينما و كل القاعات السينمائية بمدينة سلا و شروع المدينة  رغم استضافتها لمهرجان الفيلم "المرأة"! منذ أعوام، في أزمة "فن" كبيرة تجلت في العمق، في ارتفاع العنف فيها، بشكل هائل لم يكن ليصل إلى الحدة التي وصل إليها اليوم لو بقيت القاعات السينمائية على وهجها المذكور التي كانت عليه! ...بعد انتهاء أمر السينما بسلا ،صرنا نشعر بحنين بالغ لتلك الأيام المجيدة لمدينتنا ،صرنا نطلب رجوع تلك الأيام لنا و لو بأشيائها السيئة تلك... "سقوط القنينات الفارغة على الرؤوس" !...



ليل مدينة  سلا ، ليلٌ ليس إطلاقا كأي ليل!..إنه ليل خاص جداً، ليس فيما يخص ارتفاع الإعتداء ات البتة .. ولكن من حيث "جمال" هذا الليل بكل ما يحشوه من محتوى   ...كانت ليلة مُقمِرة حينما كنتُ أسير تحت قنطرة الفداء للسكة الحديدية  بعد منتصف الليل سَكران قادم من "بار اليهودي" بحي المحيط ب"الرباط" ... صعدت من المنحدر المصعد للسكة الحديدية ،سرت مترنحاً لمسافة على طول السكة الحديدية ،صومعة حسان في طور الترميم بعيداً قدام عيني مشعة على ضوء أصفر ، بينما أنا أمشي أومأت بصري يمينا ناحية باب المريسة ،أوه ! باب المريسة ، يا له من باب تاريخي وكأني لم يسبق لي أن رأيت هذا الباب من قبل!،عرفت سلا أكثر من إثنان و عشرون سنة ، لم يسبق لي أن رأيت باب لمريسة بهذا المعنى!! ، فكرت في لحظة في استعلاء!: ومن دهاه رأى  هذا الباب بهذا المعنى الذي أراه للتو أنا !..كثيرون يقولون ،سلا وكذلك الرباط، مدينتان "لا تطاقان" ،منهم صحفية تكتب عمودا أسبوعيا في جريدة وطنية قالت عن الرباط ذلك وقالت عنه "بشكل ما" متسلط ، الصحفية التي سبق أن خصصت تلاث أربع عمودها لكاتب هذه الأسطر.. لست شاعرا أيتها المرأة ! ،صحفيتنا هذه رأيتها مرة واحدة  من داخل بار "التجار" بشارع محمد الخامس بالدار البيضاء ،تتمشى مشية متمردة أحالتني  ل:بريجيت باردو!، يبدو أنها لم يسبق لها أن فتحت كتب "الإستطيقا" إطلاقا، فلو كانت قرأت لمارك جمينيز  و لجورج فيغاريلو و تأملت لأشهر مرغمة وهي سائرة في الشوارع! لفكرة "جمال الإهانة" لدوستويفسكي ،لفهمت أن الرباط و سلا ، يجسدان فكرة "جمال البؤس!"..أتذكر الآن،أني كنت قد فكرت حينما كنت مقتعدا إلى مائدة في بار "التجار" و مرت الصحفية هذه ،أن أخرج ركضا من باب البار وأسرع إليها و أمسكها من كفها و أتوجه بها رغما عنها  إلى أقرب عربة أجرة دون إلمام بشيء تُقِلنا إلى مكان خالٍ وأقبلها هناك بعنف بعنف بعنف.. نعم، أيتها المتمردة لاأعرف لماذا فكرت في ذلك !!! أجهزت على آخر نقطة من كأس النبيذ أمامي وخرجت.. أتذكر  أني بعد خروجي   في تلك الليلة من البار سرت مُطرقاً على طول شارع محمد الخامس يداي إلى الخلف أفكر "قد يكون في تحسُّر" أنه لم يسبق لي أن ربطت علاقة عاطفية مع امرأة في حياتي  ! ، ربما عدم إجادتي فن مغازلتهن سبباعميقا في ذلك ،وجدتني أفكر في شيء من الخجل من نفسي ! ...



مدينة سلا الغارقة في البهيمية و  الهمجية و التخلف  العميق ،مدينة تعبر بصورة مستفيضة عن الفساد و الإنحلال الأخلاقي الذي يعم الأحزاب السياسية والنقابات و الجمعيات ، و تلخص  بجلاء المستوى الحضاري الحقيقي للإنسان المغربي في هذا العالم! .  مدينة سلا صورة تبين أشد البيان الإنتهاز الوافر الذي يتخلل مؤسساتنا التدبيرية .. لا غرو إن قلنا أنّ الإطارات التنظيمية،الذي من المفروض عليها تأطير المجتمع المغربي نحو الصلاح تقترن ب: "مسارات فردية" من دون أن يكون لهذه الإطارات تأثيرا إصلاحيا إيجابيا عميقا على مسار مجتمعنا العليل بكل الإختلالات و في جميع الأصعدة ، اللهم فيما يتصل بما يمكن أن يُجنى من رحم القرارات الملكية.. لقد بات من المخجل و المثير للإشمئزاز أن نصغي إلى سياسي يشرع في "التأويل الديموقراطي" للوضع الدستوري القائم حاليا بالبلاد من أجل تبرير ممارسته السياسية المبنية على المعارضة !! و إبعاد المسؤولية  عنه عندما يقتضي الأمر ذلك من خلال تفسير الوضعية المتخلفة للمجتمع بصمت المثقف ! في الوقت الذي لا تتوفر فيه الشروط الممكنة للمثقفين للدفاع عن إعمال الأفكار الكونية في المجتمع المغربي  ..إلخ..." إني لأعرف أعماقهم و ألاعيبهم !"... إنّ مدينة سلا تحتاج لقرارت ملكية أكثر جرأة حيال هذه الإطارات المحلية المعينة و المنتخبة التي نهبت و سرقت و أحكمت سيطرتها على المجتمع السلاوي الذي سار يقترب من رقم المليونان نسمة في الوقت الذي تتنامى فيه المشاكل  بشكل رهيب ...


"خ،م" جالس بمقعد بمقهى "سبع بنات" بباب شعفة بمدينة سلا