خَلدُون المسناوِي
مستحيل ألاّ يحس أحدٌ بشيء ما نحو
"سَلا" حينما يترجل من جانب سورها
المشعللإعتزاز المثير "رغما" لمشاعر الإحترام!. سيستولي عليك شعور طفيف جدا بالإحترام ،فقط
إن تأملت لقرابة نصف دقيقة جانبا من جدارها
الشامخ المُسنن.. من اليسير أن تتكلم بابتذال عن سلا في زمن تخبطها اليوم ،لكن أن تسبر
عمق سلا ،فصعب! صدقني ! صعب جدا! إنها مدينة
ليست ككل المدن : التاريخ ،والعلاقة المميزة مع البحر،والنظال الوطني ،والفن... ، لكن
سلا كيف هي اليوم ؟ كما تعرفون، غارقة في اختلالات
عديدة في كل المجالات، لا طرق ولا مستوصفات
ولا مطافئ ولا أزقة ولا مدارس ولا أي شيء غير معطل بها ...
في السنين الأخيرة,اجتاح الإجرام مدينة سلا بصورة غير مسبُوقَة،كُلكم تصرخون بذلك ،،صارت المدينة
معروفة ببلاد المغرب كله بالإجرام أكثر مما هي معروفة بخصوصيتها التاريخية المنفردة.
الإجرام الذي أصبح يخيف سكانها بشكل لا يُصدق ..الشكوى منه أمام عتبات المنازل .بالمقاهي.
بنواصي الشوارع . داخل عربات الأجرة ...المجرمين في ارتفاع ،الهمجية تتسرب في نمط العيش داخل المنازل
،و الكلّ يتفرج في انتعاش ! ...أتذكر أنه كان قد تم القبض علي من لدن دورية
أمنية مستاء ألف سجارة حشيش خلف ضريح سيدي
موسى .."وغي وحاد الجوان حشاك أشّاف : قلت لرجل أمن ـ جرني من كتفي بقوة إلى عربة الأمن إصعد إصعد لدين أمك : قالها في غطرسة جارّاً الباب
الجانبي للعربة في عنف بالغ ..بعد الوصول للكوميسارية قَرَّب ضابط أمن أنفه
من فمي :سكران يا ابن القح...كنت سكرا.. ! ..سأتذكر فيما بعد أن عميدا في كوميسارية حي سيدي موسى بسلا كان قد صرخ في وجهي داخل فناء الدائرة عقب تأويلي
الدموقراطي في لحظة لدستور 96! : هذا مجرد كلام كتب !..نحن من نعرف الواقع ! يلزم أن
يلج نصف سكان سلا إلى السجن كي يعيش النصف الآخر! عبارة قد تكون قد أُطلقت في حالة
غضب لكنها تعرب بعمق عن الحالة التي تعيش على إيقاعها المدينة فيما يتعلق بالفوضى و
الإجرام ... إلخ......سلا كل الزقاق يباع فيها الحشيش، سلا وحده الحظ معك ففي أي وقت يمكن أن تُعنف لسرقتك ، سلا اللصوص يسرقونك
ثم يعصفون بوجهك فتنهمر دمائك رغما أنك لم تقاومهم ! ، سلا ليس السنحات المجرمة فحسب
من توقف المارة بالسيوف و تطالبهم بالهاتف و المحفظة، هناك تلاميذ يوقفون المارة بالليل
و يلجون المدارس بالنهار !،،هذا ناهيك طبعا عن الإعتداء ات الإجرامية التي تتم كل يوم
بسجن الزاكي!، سلا الألاف ينفخون السلسيون في الشوارع عقب منتصف الليل ، سلا أشخاص
ينامون بمقبرة باب معلقة و مقبرة سيدي بلعباس ، سلا حينما يعتدي عليك مجرم بسكين أو
مِدية أو شفرة حلاقة ،و تغذّ الخطى للحال نحو الشرطة ،هدأ روعك مهما سرق منك أو اعتدي
عليك !،فلست إلا مثل العشرات طرأ لهم ما طرأ لك قبلك و آخرون بعدك سيقع لهم ما وقع
لك ،
رجال الأمن "طالع ليهم الدم" ،العمل كثير عليهم ،وهم أيضا قد يحدثونك
وهم ينقرون لك المحضر عن عملية سرقة بالعنف حدثت لهم البارحة أو الأسبوع المنصرِم!
...إلخ إلخ ..في مدينتنا، يوميا يزداد عدد المتشردين ،الكل مهدد بذلك ونصف السكان يعيش
بأقل من 5دراهم والمئات يصولون الشوارع يحملون في جلود أجسادهم الميكروبات كلها!...
سلا ،قُطّاع الطرق يوقفونك في كل مكان ،فحتى
بجوار مقر ولاية الأمن و مقر الديمومة أمام محطة القطار سلا ـ المدينة يفعلون ذلك...
سلا ،إذا كنت على علاقة بموظف أمن بالمدينة يُبحث في شكايتك جديا و تقوم الدنيا و تقعد
،إذا لم تكن كذلك يكتب لك "محضر ـ شكاية" بلا أي "بحث مجهود" ميداني ومن الأفضل إن سُرقت تحت العنف ،أن لا تقدم أية
شكاية كي لا تُضيع وقتك ،سلا أي شخص يمتطي الحافلة و يأتي إليها .. .. .. سلا في كل
الزقاق التسول ... سلا يتواجد بها العديد من الأشخاص نتاج لعلاقات جنسية مع داعرات
"لا أباء لهم…"
سلا الأسواق المنظمة المبنية الستة الموزعة
على أحياء المدينة موصدة ، والناس يبيعون بجوارها !..في شوارع و زقاق عديدة يتجمع باعة
الفراشة و أصحاب العربات في احتلال واضح للملك العمومي والدولة غير قادرة على استئصالهم
،و ذلك لوعيها بكون الإقتصاد غير المهيكل هو المعين الوحيد للملايين من المغاربة الذين
يعيشون من أرباح هذه التجارة غير المهيكلة المنتشرة وبأشكال متنوعة بجميع أطراف المدينة..إلخ...
على مسافة جدار المدينة القديمة من باب
الخميس نحو باب المريسة ، أعداد من الشبان يعاقرون الخمر أمام الملأ ورجال الأمن لا
يحركون ساكنا حيالهم ، وكذلك الشأن بقرب الولي الصالح سيدي موسى قرب قصبة كناوة...
بل صرت تجد في أي مكان شبانا يحملون قنينات زجاجية أو قصديرية للخمر يفرغون منها في
أجوافهم وهم يسيرون في الشارع بشكل عادي ، الشيء الذي يؤدي إلى جرائم و اصطدامات شتى
بسبب هذا الأمر ،هذا في الوقت الذي تتراجع فيه السياسة الجنائية على الصعيد المحلي
بشكل فضيع ،إذ تتعامل الدولة مع المجرمين بسلا بمنطق : السجن مملوء عن آخره أين سنضع
هذا المجرم أو ذاك !... في الوقت الذي قد تجد فيه سجينا في الزاكي مقدما في محضر الشرطة
بتهمة سرقة "كارط ميموار" ...! ...إلخ إلخ...
مستشفى الأمير مولاي عبد الله يلخص بجلاء
الحالة التي تعيش فيها المدينة من حيث حدة الإجرام بأحيائها ،فعدد المعصوفة وجوههم
و أذرعتهم و بطونهم بالسكاكين الآتون للمستشفى
ليلا لا ينفك يزداد يوما بعد يوم ، في الوقت الذي يعيش فيه هذا المستشفى وضعا اكتظاظيا
لا يمكن بأي حال نفيه ،و كذلك فوضى في التدبير و استقبال المرضى و علاجهم، لا يمكن
التغاضي عنها بأي حال من الأحوال .. في الأسبوع المنصرم رافقتُ صديقاً صوب المستشفى
كان قد اشتكى من وجع في بطنه و سألني مرافقته .. أمام المدخل الرئيسي للمركب الإستشفائي
،استل أمامنا يافع "لا يمكن بأي حال أن يتجاوز عمره الخامسة عشرة سنة" بعنف
ساطورا يبلغ نصله قرابة نصف متر من تحت قميصه وشرع يرفع سكينه للأعلى ناحية المستشفى
قائلاً في تهديد : سأقتله سأقتله! ،لن يفلت
من يدي !!...هذا اليافع المجرم سيظل قرابة عشر دقائق مُشهرا سيفه أمام الغادي و الرائح
بجانب مؤسسة صحية و لا أحد سيثنيه لا من المارة
ولا من شرطة المستشفى التي ستتذرع بأن الفوضى المُقترفة هذه تقع خارج مجال اشتغالها
،،،
شيء مهم يجب أن يفهمه المواطنون بمدينة
سلا، و لاسيما الذين ضاعت وجوههم بخربشات سكاكين قطاع الطرق المشحوذة ،و هو ،أنّ الأمن
موجود بمدينتهم و كذلك بالبلاد كلها ولكنه ليس أمن الأفراد على حِدى، و إنما إقرار
الأمن الذي يحول دونما زعزعة الإستقرار السياسي للدولة! ،فإصابة حتى نصف سكان المدينة في النهار أوالليل بالسكاكين في أجسامهم
، لا يمكن أن يمس هذا استقرار الدولة في شيء لاسيما أن هذه الجرائم التي تتم لا يؤسس
لها أي تشدد إيديولوجي ! ...
القاعات السينمائية بمدينة سلا التي لا
تتوفر على بناية مسرحية خاصة بها، كلها اليوم مُوصدة .."قاعات سينمائية كثيرة
أُوصدت بسلا" عبارة تُقال اليوم من لدن أبناء الثمانينات و السبعينات الذين عاشوا
حميمية السينما، بنوع من التنهد و التحسر تلمسهما في نبرتهم !.. سينما "لوبرا" بشارع محمد الخامس بتابريكت
و "كوليزي" و"الملكي" خلف أسوار المدينة العتيقة و،و ..،هي قاعات
سينمائية أغلقت قبل سنين قليلة ،،أينه ذلك الزمن..إييهْ! تقتني فيه
التذكرة التي تمكنك من الفرجة في فلمين اثنين ،بعد انتهائك من الفرجة في الفيلم
الأول تخرج في "لونطراكط" لدهليز
السينما ،إما أن تعود لمشاهدة الفيلم الثاني
بعد تناولك لوجبة سندويتش خفيفة أو الزريعة إلخ ...، أو أن تبيع التذكرة لأشخاص بنصف
ثمنها تجدهم مرابطين في باب السينما لغرض الفرجة
في الفيلم الثاني ..إلخ،،، لابد أن يتذكر في وقت من أوقات حياتهم الكثير من السلاويين تفاصيل جزيلة عن أيام كوليزي التي كانت تمتلأ مقاعدها عن آخرها قبل انطلاق
الفيلم الأول بخمسة دقائق و امتلاء جنبات جدرانها بالمرتادين المتأخرين الذين سيتفرجون
في الفلم الأول أو في الفلمين إثنانهما واقفين على سيقانهم إييييييهْ!فينا هي دِيك
لِيّام أولاد سلا وما أدرَاك ما سَلا! ... سينما كوليزي، التي كانت تقدم لمرتاديها
من السلاويين في أحيان كثيرة "الأفلام المحتوية على الكثير من اللقطات الخليعة!"
،كان لابد مع انبثاق مشهد خليع داخل قاعة السينما واسترساله لأكثر من نصف دقيقة أن
تسمع صياحات عبارات : "أنظر أنظر إلى أبوك كيف يفعل مع أمك في الفراش!" ، "أختك أختك! أنظر يا ابن القح... ماذا يفعلون
لها !.." ،أتذكر كذلك فيما أتذكر ،أنه كان عندما تظهر في الشاشة لقطة خليعة ،
كنت تجد مراهقين "وقد أكون أن كنت منهم
!!" يسربون أكفهم تحت سراويلهم لغرض الإستمناء! ...أتذكر أيضا أنه رغم المراقبة
التي كان يقترفها حراس السينما اتجاه الداخلين لها و ذلك بتحسس ثيابهم إن كانت تحتها
قنينة خمر ، إذ لا بد ما كنت تجد البعض يفرغ في جوف بطنه أقداح الخمر بوسطها ..ذات
يوم كنت داخل سينما كوليزي ، رُفعت قنينة خمر خاوية في العلاء و سقطت على رأس مرتاد
من مرتادي السينما "آي آي يا مِّي راسي ..." أُشعلت الأضواء، وتدخل حراس
السينما وكانت ليلة ما أقلها من الليالي .." بعد إيصاد هذه السينما و كل القاعات
السينمائية بمدينة سلا و شروع المدينة رغم
استضافتها لمهرجان الفيلم "المرأة"! منذ أعوام، في أزمة "فن" كبيرة
تجلت في العمق، في ارتفاع العنف فيها، بشكل هائل لم يكن ليصل إلى الحدة التي وصل إليها
اليوم لو بقيت القاعات السينمائية على وهجها المذكور التي كانت عليه! ...بعد انتهاء
أمر السينما بسلا ،صرنا نشعر بحنين بالغ لتلك الأيام المجيدة لمدينتنا ،صرنا نطلب رجوع
تلك الأيام لنا و لو بأشيائها السيئة تلك... "سقوط القنينات الفارغة على الرؤوس" !...
ليل مدينة سلا ، ليلٌ ليس إطلاقا كأي ليل!..إنه ليل خاص جداً،
ليس فيما يخص ارتفاع الإعتداء ات البتة .. ولكن من حيث "جمال" هذا الليل
بكل ما يحشوه من محتوى ...كانت ليلة مُقمِرة
حينما كنتُ أسير تحت قنطرة الفداء للسكة الحديدية
بعد منتصف الليل سَكران قادم من "بار اليهودي" بحي المحيط ب"الرباط"
... صعدت من المنحدر المصعد للسكة الحديدية ،سرت مترنحاً لمسافة على طول السكة الحديدية
،صومعة حسان في طور الترميم بعيداً قدام عيني مشعة على ضوء أصفر ، بينما أنا أمشي أومأت
بصري يمينا ناحية باب المريسة ،أوه ! باب المريسة ، يا له من باب تاريخي وكأني لم يسبق
لي أن رأيت هذا الباب من قبل!،عرفت سلا أكثر من إثنان و عشرون سنة ، لم يسبق لي أن
رأيت باب لمريسة بهذا المعنى!! ، فكرت في لحظة في استعلاء!: ومن دهاه رأى هذا الباب بهذا المعنى الذي أراه للتو أنا !..كثيرون
يقولون ،سلا وكذلك الرباط، مدينتان "لا تطاقان" ،منهم صحفية تكتب عمودا أسبوعيا
في جريدة وطنية قالت عن الرباط ذلك وقالت عنه "بشكل ما" متسلط ، الصحفية
التي سبق أن خصصت تلاث أربع عمودها لكاتب هذه الأسطر.. لست شاعرا أيتها المرأة ! ،صحفيتنا
هذه رأيتها مرة واحدة من داخل بار "التجار"
بشارع محمد الخامس بالدار البيضاء ،تتمشى مشية متمردة أحالتني ل:بريجيت باردو!، يبدو أنها لم يسبق لها أن فتحت
كتب "الإستطيقا" إطلاقا، فلو كانت قرأت لمارك جمينيز و لجورج فيغاريلو و تأملت لأشهر مرغمة وهي سائرة
في الشوارع! لفكرة "جمال الإهانة" لدوستويفسكي ،لفهمت أن الرباط و سلا ،
يجسدان فكرة "جمال البؤس!"..أتذكر الآن،أني كنت قد فكرت حينما كنت مقتعدا
إلى مائدة في بار "التجار" و مرت الصحفية هذه ،أن أخرج ركضا من باب البار
وأسرع إليها و أمسكها من كفها و أتوجه بها رغما عنها إلى أقرب عربة أجرة دون إلمام بشيء تُقِلنا إلى
مكان خالٍ وأقبلها هناك بعنف بعنف بعنف.. نعم، أيتها المتمردة لاأعرف لماذا فكرت في
ذلك !!! أجهزت على آخر نقطة من كأس النبيذ أمامي وخرجت.. أتذكر أني بعد خروجي في تلك الليلة من البار سرت مُطرقاً على طول شارع
محمد الخامس يداي إلى الخلف أفكر "قد يكون في تحسُّر" أنه لم يسبق لي أن
ربطت علاقة عاطفية مع امرأة في حياتي ! ، ربما
عدم إجادتي فن مغازلتهن سبباعميقا في ذلك ،وجدتني أفكر في شيء من الخجل من نفسي ! ...
مدينة سلا الغارقة في البهيمية و الهمجية و التخلف العميق ،مدينة تعبر بصورة مستفيضة عن الفساد و الإنحلال
الأخلاقي الذي يعم الأحزاب السياسية والنقابات و الجمعيات ، و تلخص بجلاء المستوى الحضاري الحقيقي للإنسان المغربي
في هذا العالم! . مدينة سلا صورة تبين أشد
البيان الإنتهاز الوافر الذي يتخلل مؤسساتنا التدبيرية .. لا غرو إن قلنا أنّ الإطارات
التنظيمية،الذي من المفروض عليها تأطير المجتمع المغربي نحو الصلاح تقترن ب:
"مسارات فردية" من دون أن يكون لهذه الإطارات تأثيرا إصلاحيا إيجابيا عميقا
على مسار مجتمعنا العليل بكل الإختلالات و في جميع الأصعدة ، اللهم فيما يتصل بما يمكن
أن يُجنى من رحم القرارات الملكية.. لقد بات من المخجل و المثير للإشمئزاز أن نصغي
إلى سياسي يشرع في "التأويل الديموقراطي" للوضع الدستوري القائم حاليا بالبلاد
من أجل تبرير ممارسته السياسية المبنية على المعارضة !! و إبعاد المسؤولية عنه عندما يقتضي الأمر ذلك من خلال تفسير الوضعية
المتخلفة للمجتمع بصمت المثقف ! في الوقت الذي لا تتوفر فيه الشروط الممكنة للمثقفين
للدفاع عن إعمال الأفكار الكونية في المجتمع المغربي ..إلخ..." إني لأعرف أعماقهم و ألاعيبهم
!"... إنّ مدينة سلا تحتاج لقرارت ملكية أكثر جرأة حيال هذه الإطارات المحلية
المعينة و المنتخبة التي نهبت و سرقت و أحكمت سيطرتها على المجتمع السلاوي الذي سار
يقترب من رقم المليونان نسمة في الوقت الذي تتنامى فيه المشاكل بشكل رهيب ...
"خ،م" جالس بمقعد بمقهى "سبع بنات" بباب شعفة بمدينة سلا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق