خَلدُون المسناوي
على متن عربة الأجرة أو سيارتك الخاصة ،أو الحافلة "رقم 16" المنطلقة من كازابرطا،وبعد دقائق معدودة من السّير، تبلغ منطقة المنار ، المنطقة التي تتميز بجمالية منفردة لا مثيل لها ..المنطقة عبارة عن مرتفع يطل على وهدة سحيقة بعلو أمتار تنتصب عليه في القمة بناية منارةٍ يرجع بناؤها للعهد الإستعماري ... المنارة هذه يتكلف فريق ضئيل العدد من القوات المسلحة بحراستها ليلا و نهارا ،بحيث يُمنع زوار المكان هنا من الولوج داخلها ، إذ يحدها سياج حديدي على محيطها يقف سدا حائلا أمام تقدم أي شخص ..إلخ إلخ...
بمنطقة المنار التي تبدو للعين من قرب المدينة العتيقة لطنجة و كذلك من الشاطئ المحاذي لمحج محمد السادس ، هناك شامخة في منظر نضر باهٍ مبهر، تتواجد مقاهي شيدت خصيصا لاستقبال الزوار من السواح القادمين من داخل المغرب و من الخارج ، تقدم أقداح الشاي و القهوة ، على موائد فوق الأرض المتربة من دون أن تقدم صحون الأكل ..إلخ... هذه المقاهي التي يتسم وجودها بنوع خاص من الوجود.. الجلوس إلى موائدها لقرابة ساعة زمن ، يجلب إليك رؤية منظر سفن قادمة و ذاهبة من ونحو أوروبا تجر وراء ها خطا مُشعثا على صفحة الماء.. أوه ،إني أحيا الآن وأنا أنظر إلى ذلك ! .. في الصيف ، سهام الشمس تهبط بقسوة على مياه البحر تنعكس عليها ببياض ناصع يوصد العينين أثناء النظر .. في شهر نوفمبر الضباب يغشى السفن القادمة لأوروبا و الجانحة نحو طنجة، و الريح القوية تعبث بثيابك وتُطيِّر الغبار من حواليك ..إلخ إلخ ...
أثناء فصل الصيف، يتضخم الهبوب السياحي على منطقة "المْنَار" بمدينة طنجة بتكاثر من كل صوب و حدب،منطقة "المْنَار" التي تضم أبرز المنتجعات السياحية الترفيهية كنادي " المنار بارك " و التي تضم أيضا أفخم الفنادق " ال5 نجوم " ، المنتجعات و الفنادق التي تمتلأ عن آخرها مع حرارة فصل الصيف "المسابح .. إلخ..." ،غير أنه في فصل الربيع يكون للمكان هنا معنىً آخر تماماً ولا أجمل ولا أنضر ، بحيث يكسو الإخضرار الأشجار المتدفقة المنهمرة على سفوح الجبل المرتفع المقتحم مياه البحر .. لمنطقة المنار إذن معاني متنوعة تنوع الفصول الزاحفة عليها ...في الصيف معنى ، في الربيع آخر ،و في الشتاء ..، هكذا هو التحدث إذن عن منطقة إسمها "المنار" بمدينة طنجة على طول العام ...
غروب الشمس ب: "المنار" غروب خاص جداً، لا غروب نظير له ..الغروب في عمق العالم! تصوروا. ،قرص الشمس يغوص في ازرقاق المياه المرتعش ، وباخرة تخترق في تحدٍّ ، نصف قرص الشمس "المؤنسة المولهة" العلوي المنبجس في هذه الآونة الذي أطلق فيه بصري في توله، وباخرة أخرى تلاحق الشمس المطاردة للظلام ،و طيور تحلق في طراوة غيوم تغمرها أشعة شمس تميل باطراد للون البرتقالي ...إلخ إلخ ..الغروب في عمق العالم هذا تنظر إليه لدقائق و تستدير على عقبيك ثم ترحل ...،تتذكر في أوقات ما هذا الغروب أكنت طنجاويا "أو حتى قاطنا ببناية المنارة" ،أو، كنت من خارج طنجة،،إن نظرك للغروب في عمق العالم في يوم من أيام حياتك سيصير ،في العمق، جزء اً من كينونتك لآخر جزء في المائة من وجودها !،لا يمكنك بأي حال أن تتصور خلاف ذلك ..إن الأمر أعمق مما قد تتصور لأول وهلة! ..لنفترض أنك وصلت إلى هذا المكان "و ينطبق هذا على أي مكان" ، وقد تأتي إليه مرة أو مرات أخرى... وقد لا تعود إليه بسبب خنجر الموت "العدم" الذي قد يصيبك في أية لحظة بعد زيارتك له ..إذا قلنا لك أنك ستموت سنقتلك بعد نظرك للغروب في يوم من الأيام في المنار"المنار ليس إلا مثلا" ، أليس كان سوف يكون لهذا الغروب المعنى المقرون برغبة الإنسان في الحياة دائما! أليس كان سوف يكون لهذا الغروب أكثر من معناه كغروب "من الناحية الكوزمولوجية" !...
ليل منطقة "المْنَار" له معنى مغاير تماماً عن نهارها.. المصباح المراقب الساطع المشع بشكل مركز المتحرك يمينا و شمالا باتجاه مقوس إلى سطح البحر ، وحلقات السكارى في السفوح!،، و مراكب مطاطية "زودياك" في بعض الفترات من العام ، تنزلق مندفعة من حافة سفوح جبل المنار في اتجاه ضفة القارة الأوروبية..،ضفة القارة الأوروبية التي تبدو من منطقة المنار التي تبعد عنها ليس بأكثر من 12 كلمترا ، في وضوح جليّ و جاذبية آسرة آخّاذة ...
منطقة "المْنَار" بمدينة طنجة المعروفة بالعالم بشكل كبير"مدينة طنجة"!، ليس فقط هي تلك المنطقة التي ننظر من خلالها للسفن تمخر مياه البحر بين إفريقيا وأوروبا و تنتصب على قمتها منارة ترمز للتاريخ ، و ... و كل ما تحدثنا عنه فيما تقدم ،لا.. إن وضع أقدامك بمنطقة المنار بطنجة، وصول لك إلى عمق "مركز العالم" من حيث الجغرافيا و تأمل في يَنبوع مفرز لعطر و لترنم و لحب و لسحر ليمت في العمق بتقارب العدوتين..إلخ..إلخ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق