الثلاثاء، 27 أكتوبر 2015

مدينة شفشاون الزرقاء بشمال المغرِب : مملكة الأنس و السهر..




خَلدُون المسناوي


الجميع يعرف شفشاون، لاشك.لا أعرف إن كنتم تعرفون أن شفشاون،رقعة تدفع بعض الأوروبيين القدوم لها لتناول الجودة العالية جدا جدا من الحشيش. سياحة الحشيش؟،لما لا!،طَيِب،هل تعرفون أن بعض زوار شفشاون ما أن يضعوا حقائبهم بحُجر الفندق التي يُعْطَونها ببعض الدقائق ، حتّى يهرولون بصحبة شاونيين مدمنين، إلى نواحي المدينة حيث يجِدون حقول زراعة الكيف التي يأخذون منها مايشاؤون من الجودة الرفيعة.  يدخنون بعضها هناك في بيوت متهرِّأة، ويرجعون للفنادق أو للمقاهي المنتشرة بداخل المدينة العتيقة "التي يعتبر تعاطي الحشيش وسطها أمرا  طبيعيا على الرغم من أن القانون الساري الصلاحية بخصوص تحوز الحشيش يمنع ذلك"،ثم يشرعون في لف سجائرهم المحشوة بالحشيش بتأنٍ وارتياح رافعين  في تضاحك أكفهم المطلِقة للدخان إلخ.. الوهج السياحي المتولد من أن المنطقة إضافة لتوفرها على الحشيش الجيد ،تتوفر على جمال طبيعي نادر ،لا يتوفر عليه وزان مثلا المتغلغل بحشيش الطبيسلة و الكيف الممتاز والمتوفر على ثروة طبيعية  لا يمكن إنكارها كلياً "وزان تقابل الجمال الطبيعي الذي للشاون أو تفوق على الرغم من أنها لا تجتذِب السياح!"  ،بحيث تبقى الشاون مستقدمة للسياح على طول العام بكل فصوله من المدن الداخلية ومن الخارج جراء توهجها الفائق، المتضوع بساحة وطاء الحمام بلا أفول...




ساحة وطاء الحمام البرّاقة المشتعلة بالأنس والحيوية و الحياة، نقطة جاذبة لكل، الأوروبيين و القادمين من القارة الأمريكية و الصين الذين،ما إن  يضعوا حقائبهم  لتو وصولهم بالفنادق المتعددة  الموجودة بالمدينة العتيقة للشاون،  ،حتى يتدفقون لها جماعات متلازمي الأكتَاف   . الساحة تعرف بقدر كبير  ب"منشأة القصبة" ،  البناية التاريخية الواقعة بساحة وطاء الحمام التي   يعود  تشييدها :شطر منها لعلي ابن رشد و شطر آخر للبرتغاليين ،،،لم يكن يوم جمعة ولِذلِكَ أديت في شباك ببوابة القصبة عشرة دراهم للدخول بدل أن ألج بالمجان،عبرت عتبة المدخل ،امتدت قدمي  لأول أدراج لمحتها كانت عن يميني بمسافة قليلة ، الجانب من بناية القصبة التي أصعد سلمها الآن يتكون من طابقين كل طابق تندفع له بعد عبورك بابا تقليديا سميكا متقن الحرفة ، تجد غرفه الطينية الجدران والمسقفة بخشب العرعار الممتاز، عبارة عن معرض تعلق في جدرانه صور شجِيّة مؤطرة  موقعٌ بتعاليق تاريخية تحتها... توقفت أمام صورة ضخمة، إنها لشخصية مهمة بالمدينة على ما يبدو : المرأة الحرة، امرأة تسمى عائشة كما أدقق النظر الآن مُنحنِيَ الظهر في سطر صغير الأحرف  يقع تحت الصورة...إلخ.. كانت كل الحجر التي دخلتها في الطابق العلوي  نصف مظلمة تقريبا وتبرز في مركز سقوفها أسرجة جميلة الشكل،كان ضوء النهار لا يجد له منفذا  عدا نوافذ مقوسة تمكنك من الإطلال بصدرك و رأسك مرتفقا بذراعيك عصي خشبية غليظة على الساحة من  فوق ،ينفذ منها لقرارة الغرف المربعة الكبيرة ..اعتليت بقدميَّ عتبة واطئة و أطللت رافعا رأسي قليلا على الجبال الماردة المحيطة بالشاون ،غيرت قوس النافذة بحيث أطللتُ من نافذة مقوسة أمكنني خلالها مشاهدة المسجد الأعظم ذو الأدراج بصومعته السامقة المنتصبة في رفعة أمام حدقتاي ... هبطت من الطابق العلوي الذي لن أصعد أي طابق علوي غيره. هبطت بحذر بالغ على الدرج لأنني غير متعود عليه إلى فسحة الباب الذي دلفتُ منه، ثم أجلت بصري في كل الجهات ، في لحظة جرت بصري يافطة مكتوب عليها : سجن . نعم إنه سجن قديم ، يعتبر الآن تراثا يزوره السياح ، إلخ.  كانت بوابته الخشبية الرفيعة التي تنفث من حولهارائحة  شذية منفتحة لنصفها ،إذ كان من الممكن أن يدخلا جسدان اثنان الواحد بجانب الآخر ... لما دخلت لهذا السجن القديم وجدته يتشكل من غرفتان اثنتين  ،لهما نفس المساحة تقريبا ، وهما طويلتان، السجن يتوفر على نافذة للتهوية ظلت محفورة بجدار السجن ليومنا هذا.. لو لم تكن مصابيح مشتعلة بقلبه لما كان من الممكن تمييز جوفه و معالمه بالداخل ،  الغرفة الأولى تؤدي بك للغرفة التالية ثم الأخيرة ، و التي يبصر أي شخص مضى إلى داخلهما، سلاسل قديمة متبثة بالجدران و في الطرف الآخر لها دوائر حديدية صلبة بحجم معصم اليد في استدارَتِها كانوا  يقيدون بها حركة المساجين في الزمن القديم في ركن ما داخل السجن بحيث لا يعود بمستطاع السجين التحرك داخل زنزانة السجن...القصبة تحتوي كذلك على بناية على يسار مدخلها ببضع خطوات يمكن أن تُرى فيها مواد جبسية و أخرى خشبية و صفائح زليج، تهم الصناعة التقليدية الشّاونية..بجانب القصبة أو بالأحرى لصقها ، يوجد "مسرح" تُعرض فيه الأعمال المسرحية أحياناً و هو المسرح الذي قد يعرف حيوية دائبة لأعمال مسرحية موجهة للأطفال "أطفال المخيمات" في فصل الصيف ،،المسرح ينعتونه الناس هنا ب: مسرح القصبة..الصناعة التقليدية بالمدينة الزرقاء تعد من القوائم الأساسية لاقتصاد المدينة ، بحيث تحدث دينامية بيع و شراء في الدكاكين الموجودة بداخل و محيط المدينة العتيقة توفر فرص شغل لجزء من سكان المدينة، الناس يعيشون كذلك بأشياء أخرى بالشاون،الإدارات الخاصة والعمومية ، دكاكين المأكولات ، و الأسواق بشكل عام ...




عندما سأعبر باب القصبة نحو الخارج ،  الساعة ستكون تشير للخامسة مساء و أنا متوقف أمام باب الموقف المقابل لصف دكاكين الحي التجاري السويقة،كنت منتوِياً أثناء ها التوجه إلى شلال رأس الماء، فنزلت مسرعا حثَّ الخطى،إلى التحت من خلال التواء غائر  نحو البوابة الرئيسية للمدينة العتيقة :"باب راس الما" ، تمشيت يسارا قليلا بجانب نسوة يومأن برؤوس تعلوها طرابيش  قشية جبلية  يبعن خضرا و فواكها و خرداوات مبعثرة على طاولات  قشية خشنة، و انعطفت نحو زقاق : "ابن رشد". قرب صف من الفنادق بهذا الزقاق ارتقيتُ درجا حادّ الارتقاء سيوصلني لشلال "راس الما" ... عشرة دقائق تقريبا من السير بالقدمين في طلعة ابن رشد هذه، حتى بدأت تبدو لي مياه الشلال تتدفق  من جانبيّ عبر مجريين ، حينما تدنو من منبع الشلال ، ستجد أدرجا  مشقق ومُصدعٌ إسمنتها بالماء "منخورة" تنزل من هذا صوب الأرض المنبسطة "مركز المدينة" .. بقرب مصب شلال راس الما، الشلال الذي تنجرف مياهه بقوة من جوف الجبل المستقرة في سفحه أسفله شفشاون ببهاء بالغ، تتواجد مقاهي و مطاعم لطيفة و مصورين محترفين يصورونك مع ببغاء طيّع مبقع بالألوان يزدهي مُسرحا جناحيه  .. في الطريق أثناء صعودك الطريق المكفهرة بين المجريين المنزلين المياه للتحت ،يظهر لك نسوة ينحنين في همة بظهورهم على مياه المجاري، يغسلن ثياب أهلهن. في نهاية السير: بمصب عين راس الما ،تبرق لك صخرات ضخمة مُفزعة مبعثرة من حولك هنا وهناك، و الجبل مارد فوق رأسك .. إلخ...



قدوما من وزان  قبل بلوغ مدينة شفشاون ببعض الكلمترات القليلة،لابد أن يتراءى لك  من عربتك أو الحافلة، جبل سامق جدا سامق على كل الجبال اللاصقة به ،، الأعلى في الجبال الظاهرة لك، كما يستحيل ألاّ تتنبه لقمة هذا الجبل التي تبدو لك و كأنها مكشوطة مطلقا من الإخضرار المنتشر عليه كله هو، جبل: "الأقرع" هذا الذي تراجع نمو الأشجار والنباتات بعلائه لحد العفاء ... كان سيد في الستينات من عمره ،  راقد إلى جانبي في الحافلة، أنفه مميز ، سُحنته سحنةُ ريفي ،لقد صعد إلى الحافلة في محطة وزان و قعد بجواري بعد نزول امرأة متقدمة في السن بنفس المدينة ركبت معي من محطة القامرة ب"رباط الفتح".. إلخ...لحظة تحرك الحافلة من محطة وزان نحو شفشاون ، لاح عبر زجاج الحافلة قطيع هائل من الأكباش يقوده راع ، خطف أبصار ركاب الحافلة الذين اشرأبوا برؤسهم محدقين فيه بهمهمات مبهمة.. كان يفصلنا عن عيد الأضحى بضعة أيام..، تكلم الرجل بصوت دافئ رصين يخالِطُه قليل من الإستنكار : ـــــ هاد العيد غالي بزاف ...يا إلهي وصلت فيه الأضحية إلى 5000 درهم للرأس...
ـــــ قلت ببرود وبعدم اكتراث : لمن يريد فشأنه ذلك. ثم أضفت مائلا نحوه : أما بالنسبة إلي أنا ، فبصراحة ،لا يهمني ذلك.  /  تقبلت  تلك النظرة المنبعثة من وجهه القائلة بتكرار : شاب شاب.. ! ..ثم سألتُه : أنت من هنا . هز رأسه بالنفي. ثم أضاف لتوه : لكنني أعيش أكثر من عشرين عاماً بالشاون. ثم استرسل ماسا صدره بيده : أنا من الحسيمة ،و بنبرة مستفهمة : وأنت ...إلخ... بعد صمت طال لفترة قصيرة،قال الرجل الطاعن في السن وعلامات التفكير منطبعة على تقاسيم وجهه وهو ينقر  منخاريه برأس أصبعه :  ... في السبعينات أتذكر  كنت أجيء في الحافلة من الدار البيضاء إلى الشاون   بألف و أربعمائة فرنك  أي ما يعادل 14 درهماً في وقتنا هذا كانت النقود تحسب بالفرنك في ذلك الوقت .. ثم استأنف بصوت ينم عن الإعتراف بسِرّ كبير: وأية حافلات كنا نجيء على متنها ، ماذا سأقول لك ، كان عرض الحافلة يضم صفان اثنان من الكراسي، صف فيه ثلاثة مقاعد متلاصقة ثلاثة خلف ثلاثة و الصف الثاني  على جنبه من خلال الرواق الفاصل طولا بين الصفين ، فيه مقعدان خلف مقعدان  كما ترى اليوم ... صمت لحظة قصيرة ،ثم : "لم يسبق لك أن رأيت ذلك ، قال سائلا إياي". قلت مندهشا وبلا تردد : لا.   أدار وجهه لي، ابتسم بألفة، طوى جريدة بيديه بسطها فوق ركبتيه، ثم غفا  مرخيا رقبته على ظهر الكرسي ...  ،كان عمودٌ صحفي معنون ب: "ممنوع على الرجال" ينبجس من جريدة الرجل تعتليه صورة امرأة مزوقة الوجه ... الصحافة  تهتم بشؤون المواطنين و تكشف عن معاناتهم ، اليوم هناك صحفيات يكتبن عمودا  لحبيبهن يؤنبنه و لصحفيين يجبنهم ، قلت في نفسي ممتعضاً. رفعتُ بَصرِي، كانت سحب ثقيلة بعيدةٌ ناصعة البياض كالثلج تغمر بشكل لا يصدق ، قمم جبال أمامي في هيبة و ووقار كبيرين.   بعد دقائق قليلة، اتخذت الحافلة الملتهبة الممتلئة بالركاب مُنعطفا دائريا عريضا داخل ساحة مُسوَّرة خالية "المحطة" و توقفت. كانت نهاية الرحلة .





شلالات "أوقشور" :

بعد قطع مسافة طويلة على القدمين مبهور الأنفاس بين الأشجار الماردة وسط غابة واسعة، بلغنا شلالا تصدر عنه مياه شديدة الإندفاع ، لقد ظللتُ أسير بجانب واد متدفق بغزارة بالمياه الآتية من موضع الشلال قرابة ساعة زمن حتى لاحت  موائد متناثرة على جنبي الوادي  الذي تقع إلى جنبه حفر مملوءة بماء نقي يرى فيها زائري و زائرات أوقشور مسبحا يرتمون إليه للسباحة..إلخ... في أوقشور كذلك ،يجلبون السواح الأوروبيون الدراجات الرياضية معهم فوق عرباتهم لغاية الصعود عليها في الجبال المحيطة بالشاون .. كان الإخضرار يتموج في ضوء النهار من حولي بشكل لا أدري كيف حينما كنت أسير بحذائيّ الطويلي الأعناق بين الأشجار في الطريق الحصباء الضيقة.  كنت مراراً أتخطى موسعا خطواتي شخصا واحدا  أو زوجا أو ثلاثة أشخاص...أوقشور حقيقة تنضم إلى أبرز الأماكن الطبيعية التي يتميز بها المغرب ، بحيث تظل من الوجهات المهمة بالنسبة للسواح  من أوروبا و أمريكا التي لابد من زيارتها عند الدخول للمغرب ، كما أيضا تبقى أوقشور وجهة مهمة بالنسبة للسياح الداخليين المغاربة أيضاً...كلما وُجِدتُ في أحضان اخضرار مفرط مكتسح أو ثلوج منتشرة من حولي أو رمال صحراوية  تُطوقني على مدى البصر إلاّ،وانبثقت في ذهني فكرة : غرابة هذا الكوكب الأرضي بشكل عميق ومُرعِب!...



من أجمل ما تنطوي عليه مدينة الشاون ، الزقاق الغائرة الملتوية المصبوغة جدرانها بالأزرق الخفيف على ارتفاع مترين، والقطط الأنيسة الراكضة فيها  الخاطفة للبصر،والنساء الشونيات ملفوفات في ثوبهن التقليدي يسرن  بهذه الزقاق،و تلك الشموع التي تنير في مودة فوق موائد المقاهي الكائنة بساحة وطاء الحمام بعد أن تَعتم الساحة في أسرار  الظلام وتَدمس   ، نعم تلك الشموع ، إنها ليست شموع عادية ،  شموع  تضفي سحرا منقطع النظير على ساحة وطاء الحمام و تُصيِّر من ليل الشاون : مملكة الأنس  و السهر..مدينة مأنوسة حقّاً،الشاون أَقُول.



مدينة شفشاون الزرقاء بشمال المغرِب المتميزة بفسيفسائها الطبيعي " أوقشور ـ تساقط الثلوج ـ الإخضرار الممعن الحرارة ...إلخ..." ، تجعل من كل زائريها و زائراتها زوارا دائمين بعد قدومهم الأوّل.. الشاون مدينة حقا تبقى عالقة بالذهن بعد مبارحتها ،على أن في الحقيقة كل زائر يفضل الفصل المُحبب له للمجيء لها ، فهناك من يحب الشاون الغارقة في الإخضرار "الربيع" وهناك من يأتي للتسلق  و الصيد في جبالها "كلهم أوروبيون!"، غير أن الشاون يبقى الإهتمام بها مسألة مهمة جدا خاصة منطقة أوقشور الرائعة التي تفتقر إلى كل التجهيزات التي تستحقها منطقة طبيعية تضاهيها من حيث الجمال و الجاذبية..إلخ...



الصورة : "خ،م" بمدينة الشاون.




الجمعة، 11 سبتمبر 2015

مدينة أصيلة : اقتصاد سياحي يرتكز على الأصياف.




خَلدُون المسناوِي 

مدينة أصيلة القائمة بين مدينتي طنجة و العرائش، لها صيت في كل أنحاء المغرب ،فهي المدينة التي يستعذب الجميع القدوم إليها في فصل الصيف،الكلّ يقلْ لك أصيلة أصيلة في الأصياف ،نعم. : ...حبّاً في شواطئها الجذابة ، الحميمية المكتنفة لشوارعها ، و كذلك لسحر أسوارها العتيقة ..إلخ...

أصيلة تلبث طيلة العام فارغة من الزوار  ..الإنجراف إليها لا يكون سوى ثلاثة أشهر الصيف ، ولا يشتد بحدة سوى في شهر شتنبر الذي و كأنه يتصور لك وأنت في خضمها أن  المغرب كله يوجد بأصيلة هذه ،في الشتاء و في الربيع يمضي بعض قليل جدا من المغاربة، يومان أو ثلاثة بين جمالها ،يستلطفونها هادئة بمعزل عن جلبتها التي تصل ذروتها في شتنبر ،السكان الأصليون لأصيلة يلمسون بشكل جليّ، تدفق الناس عليهم في الصيف بعكس الفصول الأخرى التي يلحظون أن مدينتهم فيها تكون خاوية سوى منهم.. البعض من السكان الأصليين لأصيلة تتغير تركيبات كينوناتهم في فصل شتنبر ، أشباه سلاطين تراهم مُدخلين أكفهم في جيوبهم رافعين رؤوسهم في عنترة برؤوس الزقاق!، آه سحقا لتلك النظرات الكريهة المستعلية لبعض "الأصيليين" في رؤوس الأزقة التي تقول لك : البراني يستمتع بمدينتنا !.

دلفت من البوابة الرئيسية للمدينة العتيقة لأصيلة "بوابة: الحومر" ،استدرتُ نصف دورة لليسار،  جُلتُ في زقاقها الجميلة الغنية بأريج التاريخ ، الزقاق مليئة بالمارة الأجانب لكن أجزلهم، مغاربة، سأظل أتجول زقاق المدينة العتيقة لأكثر من ستين دقيقة ، الجو أنيس هنا أنيس جدا  ، لقد رأيت كثيرين من المارة ينجرون في زقاق متعرج وراء بعضهم البعض ، انجررت بدوري وراءهم، لما استدرت من زقاق طويل غائر اعتلى بصري قوس تاريخي يدخل و يخرج منه الناس، تقدمت منه حازرا أنه منشأة تاريخية، خطوات قليلة و اجتزت بوابة القوس التاريخي ، كان شخص أسمر  خارج يسير في اتجاهي المعاكس ، ابتدرته بالكلام : السلام ، أريد أن أسألك يا أخي، ما هذه البناية .. توقف عن السير و قال ناظرا برصانة إلى عينيّ: هذه البناية هي : "قصر الريسوني" . ثم تابع كلامه بنبرة شارحة متقدما بضع خطوات لبهو القصر ،بحيث باتت تفصلني بيني و بينه مسافة  ظئيلة : هنا كان يقف الريسوني ،مشيرا بيده ناحية زاوية على يسار مدخل القصر ،ثم لوّح بيده قبالة الزاوية وهو يحدق في  قائلا : و هنا كان يقف شيوخ القبائل المجاورة لأصيلة يبايعونه، إلخ إلخ...سأرى هذه السطور بمعنى حقيقي وبشعور خاص  عندما ستمر السنين وسأرى هذه السطور وسأتذكر  أننا قبل أن نتبادل تحية الوداع أنا و هذا الشخص الذي قال لي أنه يبلغ السابعة و الأربعين و أنه عاطل ، أننا تناقشنا حول الوضعية العامة في المغرب و اتفقنا أن المجتمع المغربي "متأخر تاريخيا" وأنه لا يقابل حتى دستور 2011 وأنني مددت له قنينة كوكا كولا مبتسما في وجهه  كان قد بقي فيها أكثر من ربعها قليلا ، لقد انطبعت صورة وجهه في ذاكرتي ، لن أنساها مهما حييت ،إسمه أحمد.

خَرجتُ من الباب الجانبي ل "المدينة العتيقة" ل:"مدينة أصيلة" المنتصبة لصقه لافِتة التوجيه السياحي، و حتثت الخطى من خلال زحمة النَّاس فوق الرصيف ناحية امتداد طويل شاطئي ،كانت الساعة تشير إلى الخامسة والنصف فلقد كان الرصيف ناضحا بأكشاك المثلجات و السندويتشات وأصوات الموسيقى المرتفعة.. قفزتُ بأناقة، سوراً واطئا  و غمرتُ قدميَّ في رمال رطبة .. اقتربتُ مشيا من مياه البحر ، خُضتُ فيها ، إنها الآن تصل إلى خصري ، بل إلى عنقي ،،، أحس بحجر زلق يمس تحت قدمي ، إنني الآن أحيا ،الناس قدام عيني يسيرون ، استدرت ناحية داخل البحر  وسبحت ،،، ثم استدرت ناحيتهم مرة أخرى ، إنهم يتباعدون ،كانت امرأة عن بعدي بقرابة عشرة أمتار، تلف رأسها في منديل ترش زوجها الملتحي بالماء ...إلخ ... عدت سابحا فوق سطح الماء نحو اليابسة ،نشفت جسمي بفوطة بحركة سريعة وأنا أرتعد من ريخ خفيفة ، و خرجت من رمال الشاطئ الرطبة بخطوات هادئة خفيفة ...


سرت على أقدامي من محطة عربات الأجرة  باتجاه المدينة العتيقة ، سأمر من جانب ساحة "عبد الله كنون" ثم من جوار حديقة واسعة تسطع بالخضورة الخفيفة اللامعة تتدلى أغصان أشجارها المصفوفة لصق جدرانها مِن خلال القضبان الحديدية المُسيجة لها من فوق علاء الجدار، حديقة بوابتها مكتوب بجانبها الأيسر "محمد عابد الصابري" ،كان الشارع الذي أتمشى  عليه مائلا بحيث كانت قدمي تنزلق هابطة نحو الأسفل قليلا ، حينما مررت من جوار طفلة تسوق سيارة بلاستيكية صغيرة تبتسم ببراءة ، لم أنحني على الطفلة الصغيرة لأقبلها قبلة بريئة رغما أنني أحسستُ برغبتي الجارفة في فعل ذلك ، الأطفال كان دوستويفسكي النافذ في تاريخ البشر في هذا الكوكب بشكل أبدي ، يكلمهم بشكل جدي بغير استعلاء ومثل ذلك يفعل كاتب هذه الأسطر ،لقد ظللت إلى يومنا هذا و لا أدري إن كنت سأبقى ، أقسو على قلبي عندما أقابل طفلا صغيرا بصحبة شخص أعرفه ، أقول لنفسي في ذلك الوقت : " تحكم في نفسك! لا تقبله مهما أثر عليك ببراءته!! ، إكتفي بلمس رأسه برقة كي لا يقلق ذويه أمامك من عدم اعتبارك لابنهم ... أنَسيتَ المرأة التي قرصتك في فخدك بجوار باب المنزل التي صرخت في وجهك : أنت تُشلقم إبني!!! " المرأة ـ الجارة هذه لم أعد أراها منذ عدة أشهر ، عرفت أنها رحلت ... نقرتُ هذه الفقرة في لوحة الحاسوب الذي أمامي و نهضت للتواليت  ...



أصيلة  في الليل صيفا عنوان آخر تماما، فالليل بأصيلة شهر شتنبر ، هو ليل زاه تتخلله حيوية جد متضخمة ،المقاهي المطاعم الحوانيت :ممتلئة عن آخرها، شارع الحسن الثاني مكتظ بالمارة منتهى الإكتظاظ لحد التدافع بالأكتاف ، أنا الآن جالس على مقعد بداخل "بار شعبي" ملقيا ذراعيَّ على مائدة أمامي ، على بعد خطوة عن يميني شاب و فتاة ينحنيان بانكفاء بالغ على مائدتهما ، دَفعتُ كُرسِيَّ ناحيتهما ثم ملت نحوهما محاولا النظر من فوق كتفيهما ، كانت الفتاة ترسم رجلا عاريا ، انتبهت الفتاة إلي فاستدارت نحوي حتى قفزت من انكشاف فضولي أمامها، أتذكر أن وجهها في تلك اللحظة بالذات لم يكن يعبر عن أي قلق اتجاه فضولي بل كان استعذاب من لدنهما كلاهما ، اعتدلت في مجلسي و طلبت بيرتين ثانيتين، سكبت الأولى في الكأس أمام شخص بيساري عيناه تلمع بنشوة الخمر ...كان بوق موسيقى البار أثناء ها ينثر :"وقتاش تغني يا قلبي إيلا مغنيتي اليوم" ل محمد الحياني . 

مدينة أصيلة بشمال المغرب ، مدينة جميلة تاريخية، يشتعل  التدفق إليها ، مع كل فصل صيف من دون أن يكون أي توافد عليها في الفصول الأخرى بعكس الشاون "شفشاون" أو أقشور مثلا اللتان تجتذبان الزوار طيلة السنة وليس في الصيف فقط كشأن أصيلة الممسوسة بتكبر طنجة بالشيء القليل .. أصيلة مدينة يبقى اقتصادها السياحي يعتمد على ذلك القدوم الهائل لها لكن المنحصر في الصيف فحسب ،و الذي لذلك يجنح أصحاب الفنادق  بها الذين يظلون بالشتاء و الربيع و الخريف من دون أي عمل تقريبا،إلى رفع أثمنة المبيت، ومثل ذلك يقترف أصحاب المطاعم ومحلات المأكولات ،،،إلخ...

الصورة : "خ،م" متوقف بجانب السور العتيق للمدينة القديمة بأصيلة. 




الجمعة، 4 سبتمبر 2015

مَدينة "العرائش" المغربية : مَدينةٌ بهية بطابع تاريخي مُتعدِّد.





خَلدون المسناوي 

 في تمام الساعة التاسعة صباحاً عبَرتُ بخطوات تابثة مرتديا حقيبة ظهرية،  بوابة محطة سلا للحافلات.  اتجهت رأساً صوب شباك  تذاكر السفر، و خاطبت مادا يدي بورقة خمسين درهما من خلف زجاجة مغلفة بشبك حديدي، شخصا منكفئا  يكتب في دفتر ملاحظات, إلى مكتب صغير بغرفة نصف مضاء ة : تذكرة سفر للعرائش من فضلك.  كنت أعرف مقدما أن هناك حافلة ستتحرك باتجاه العرائش في العاشرة صباحا و لذلك فقد سألته منحي التذكرة  دون أي مقدمات.. كان فناء المحطة  الشبه المظلم خاويا عدا من خمسة كراسي حديدية معوجة مصفوفة على مسافة خطوتين من الجدار المقابل للشباك  تقتعدن ثلاثة منها سيدة و فتاة تضع لسيقانها حقيبتي سفر...إلخ.. تفوه القابض رافعا حاجبيه من داخل الشباك بصوت مَشوب بالإرشاد : لا تُوجد تذاكر. أُخرج إلى ساحة  المحطة ،ستجد حافلة العرائش متوقفة بجانب عربات النقل ،ثم استرسل بنبرة مُفعمة  بالتحذير: ستتحرك  الحافلة في العاشرة .. هززت رأسي له في ابتسامة تنم عن الشكر ،وابتعدت من قرب الشباك..إلخ. سأنتظر بداخل الحافلة أقرأ في "السماء الواقية" لبول بوولز، ريثما تنطلق الحافلة.. الحافلة ستنطلق بالضبط، في تمام الساعة العاشرة و الربع .. إلخ إلخ... 


بعد ساعتين من السير في الطريق ، اجتازت الحافلة طريقا ضيقة تحت قنطرة بحيث أبطأ السائق من سرعة الحافلة  على مقربة من بصري عندما داسَ قدمه برفق على دواسة الكابح تاركا لعربة 205 بوجو آتية من الإتجاه المعاكس فرصة المرور.. ستلوح على حافة الطريق لافتة عريضة تهيب بأننا داخل مجال إقليم العرائش .. عندما تمايلت في لحظة قصيرة الحافلة أثناء سيرها فوق الطريق ،انتبهتُ رافعا رأسي للريح القوية المتسربة من فتحة سقفها المفتوحة، لجوفها بشكل يغمر بيننا صوتا قويا .. ضغط السائق على زر مؤشر اليمين ، و انعطف من طريق نصف دائرية متجاوزا دراجة ثلاثية العجلات باتجاه "القصر الكبير" التابع طبعا لإقليم العرائش ... سيومأ الركاب برؤوسهم  من زجاج النوافذ إلى "بلدة العوامرة"  قبل الوصول إلى العرائش بعد قرابة نصف ساعة من السير ..إلخ إلخ...


... لم ألبث أكثر من خمسة دقائق بغرفة الفندق.. الحيطان مطلية بصباغة باهتة الإصفرار و مصباح طويل متبث بالجدار المقابل للباب و نافذة واحدة ضيقة مغلقة المصراعين بزاوية الحجرة المربعة المنخفضة السقف المغلف بخشب مُخَطّط يلمع بشكل باهر على ضوء المصباح الناصع البياض   فيما نافذة أخرى على يمين الباب تفصل بيني و بين غرفة أخرى من خلال فجوة فارغة ...كان قد صدم بصري  كل هذا الذي في غرفة الفندق في أقل من نصف دقيقة قبل أن أنضو حقيبتي الظهرية بحركة سريعة وأرمي بها فوق السرير . جلست بحافة السرير و فتحت سيور حذائيّ
،أزلتهما بحركة أنيقة.. إلخ إلخ... وخرجت من الفندق .. 

كانت الساعة تشير إلى الخامسة مساء عندما كنت متوقفا قرب باب فندقٍ، بشارع "مولاي محمد بن عبد الله".. تقدمت في السير من جانب صف من الحوانيت و المقاهي و المطاعم ،عبرتُ الطريق إلى مدارة: "باب المدينة" ، نقلت بصري بين الناس الجالسين على المقاعد التي بلا ظهور و بين باعة حلويات الأطفال .. كان الجو جميلا هناك، جميلا جدا بحيويته الخليقة بصنع الانفراج والإنشراح في وجوه الناس ...قطعت الطريق الأخرى  المُدخِلَة من القوس المؤدي إلى "السوق الصغير"، و اقتنيت سروالا قصيرا ب 20 درهما  من محل بيع ملابس ،وذلك من أجل السباحة  ... تقدمت في السير بضع أمتار قليلة. تنفست عميقا عندما أحسست بأنني جائع جوعا متناهيا، فراحت حدقتا عيني تبحثان عن محل مطعم ،"أين سأجد هذا المطعم" كانت هذه الفكرة هي المستبدة بشخصي ..سأدخل محلا شعبيا ، و سأطلب صحن "لوبيا" و صحن "سمك مقلي" . لما سأنقد المُحاسب المرتكن بزاوية المحل ثمن الوجبة ، سأخطو خطوة قصيرة من جانب آلته إلى مقلاة كبيرة الحجم تقع تحت بصري فوق خصري قليلا، يحترق زيتها تحت لهيب نيران ، وسألتقط برأس أصبع كفي قطعة بطاطس مقلية.. كانت لذيذة أحسستها في فمي. سأكون كاذبا إن قلت أن صوت احتراق الزيت تحت النار لم يحدث فيّ شعورا بالرضى و الراحة ! .

خرجت من المطعم. انعطفت من زقاق صغير فوجدتني في ساحة: الحرية ،لقد عرفت أنني في ساحة "الحرية" لما اصطدم بصري عبثا بيافطة مكتوب عليها : "ساحة الحرية" ، قلت في نفسي بشعور ساخر : أية حرية يمكن أن يعيشها البشر مجرد كذب! أية حرية يمكن أن يعيشها البشر فوق هذا الكوكب الأرضي الغريب ! ، الحرية هي الشعور المعتزل الهادئ بالقوة ،برقت في ذهني هذه الفكرة وهي لدوستويفسكي، أعرف أعرف... الحرية هي أن تسيطر على الآخرين هكذا جزمت مع نفسي حينما مررت من جانب مسجد "الكويت" هاما بالخروج من باب القصبة الحجري ،صوب ساحة "دار المخزن" ... 

على بعد مسافة ظئيلة من يميني، لاحت بناية ضخمة تعتليها صومعة سامقة ،إنها "الكومانضانصيا". رفعت رأسي لعلائها ثم مررت أنظاري بين زواياها قبل أن يستقر نظري  ببوابتها الرئيسية . اقتربت منها بحيث تقدم مني حارس كان يرابط إليها ينظر إلي بتساؤول . حييته، ثم قلت له في استفسار: ما هذه البناية. قال رافعا يده بترحيب : إنها بناية "الكومانضانصيا"   و هي الآن بناية ثقافية تدرس بها قواعد الموسيقى..قاطعته مشيرا بيدي ناحية بناية مربعة تقع بجوار "الكومانضانصيا" : و ما هذا .. فرد علي : ـ هذا معهد للموسيقى كان قد بناه المولى "إسماعيل" .. شكرته متصافحين بحرارة ثم تقدمت ناحية مدفع وحيد و مددت ذراعي على قضبان حديدية مستطيلا النظر صوب ميناء العرائش ، سفن الصيد المتوسطة الحجم و القوارب... إلخ إلخ... 

سرَّحتُ بصري بعيدا هناك فوق المرسى"ميناء العرائش"، وسألت شيخا يتوكأ على عكاز ظهر فجأةً بجواري واقفا مادا ذراعي ناحية مرتفعات : ما تلك المرتفعات؟ قال : آه ،إنك تتكلم عن "آثارات الشميش" يا بني ..إنها آثارات جميلة.. نبست بصوت سائلٍ: عبارة عن ماذا هذه الآثار،أنا سائح أتيت قبل أيام إلى هنا... ـ قال بصوت متهدج ينم عن الخبرة: إنها آثار تركها الرومان .. مسرح وبنايات... إلخ... سأستدير على عقبيَّ بعد أن أودعه، و سأحث الخطى من قرب محطة عربات الأجرة منعطفاً من جانب برج "اللقلاق" المطل على  شارع محمد الخامس المليء بالمقاهي ،ثم سأغد السير باتجاه مدارة "كواترو كامينو" ... لقد شوقني هذا الرجل الذي التقيته بالمصادفة كثيرا ،بحيث قررت امتطاء وسيلة نقل للذهاب ل"آثارات الشميش" هذه ... إلخ ...


صعدتُ حافلةً باهتة الإزرقاق قرب مدارة "كواترو كامينو" . كانت الحافلة ممتلئةً بالرجال و النساء و الأطفال،من جميع الأعمار .الواقيات الشمسية "الباراسولات" موضوعة فوق ركبهم وركبهن و الحقائب المحشوة بالسندويتشات منزلة إلى أقدامهم و أقدامهن.. أربعة أشياء في شمال المغرب الأقصى لا تجادل ولا تناقش فيها : النساء الحنونات، وسحنات الأطفال الجميلة ، الحشيش الجيد "الطبيسلة" ، و الشواطئ... اقتعدت مقعدا فارغا بجانب طفل أشقر الشعر ونظرت من النافذة. رهيب رهيب! ،إنني في هذه اللحظة بالذات بينما تتشظى سهام أشعة الشمس من زجاجة جانبية لعربة متوقفة بجوار الحافلة بشكل يجعلني أغمض عيني نصف إغماض ، أتخيلني جالسا أنا و الكاتبة ستيفاني ماير  و الرئيس الفرنسي و بوتين رئيس روسيا و  السيسي رئيس مصر نستدير مائدة نحتسي كؤوس الويسكي فوق سطح مكتب الأبحاث القضائية التابع لمخابرات النظام المغرِبِي و عمي الشاعر عمر الخيام  يحمل كلاشنيكوف يقف بجوارنا يحرسنا! مكشرا بوجهه تكشيرته المألوفة ، و شرفات أفيلال بوجهها الحنون الجذَّاب تسقينا منحنية بأناقة بالغة على المائدة ...  ... "هاه! و الله يعطيني مع ربكم البومبيا ديال المغرب كامل ...". 

نزلتُ مسرعا من الحافلة التي كانت مكتظة عن آخرها قرب المرتفع الغابوي "الشميش" المليء بالآثار بعد تجاوزها  لواد "ليكسوس" وشاطئ واد الرمل..، "الحافلة" التي ستكمل طريقها الممتدة نحو أصيلة إلى شواطئ : ميامي 1و2و3.. عبرت الطريق الجهة الأخرى، و سرت باتجاه أربعة شبان يلبسون قطع ثياب تدل على الأمن الخاص ..إلخ... استفسرني أحدهم سبب قدومي فقلت له أنني سائح ..صعدت المرتفع الجبلي الغابوي بحيث كانت المهمة جد شاقة ... سأبقى دائما في المستقبل أتذكر أنني رأيت حينما صعدت جبل الشميش : "المسرح الروماني الدائري" الباهر جدا و بنايات "تعود لعهد تواجد الفنيقيين بالعرائش" بنايات اقتصادية هي عبارة عن صهاريج كانت تخصص لترقيد الأسماك... إسمعوا .   لن أنسى مهما حييت المسرح الروماني الدائري بمرتفع الشميش ، جبروت عالٍ يشعرك بالإحترام الكبير للحضارة الرومانية و يبهجك أشد البهجة لأنك تنتمي لبلد عظيم إسمه "المغرب الأقصى"... مررت بين الأشجار على طريق مرسومة بينها من العديد من البنايات الأثرية الرومانية و الفينيقية، حتى وصلتُ إلى وسعة مطلة على فراغ واسع جدا تظهر من خلاله العرائش كلها على عرضها في أبهى صورة وراء واد ليكسوس اللامع على شعاع الشمس ...إلخ... 

مدينة العرائش ، لا تتوفر على  شواطئ : ميامي 1و2و3، الثلاثة الشواطئ الجميلة فحسب "المُحاطة بخيام المطاعم"، و إنما كذلك تتوفر على شاطئ "الحجرة المثقوبة" الموجود قرب كليطو المجاورة للسجن المحلي لمدينة العرائش ،و الذي يرتاده الصيادون ...إلخ إلخ... على أن الشاطئ المستقر قرب وسط المدينة والذي لا يبعد سوى بمسافة قليلة عن مدارة باب المدينة ،وهو شاطئ "فارونا" المجاور لبناية تركتها إسبانيا ،بناية: "السبيطار الإسباني" ، تتناثر على امتداد مسافة فوق رماله الرطبة صخور ضخمة بشكل مبعثَر يَنشُر جوا من الإحساس بالجمال الطبيعي ... كانت الشمس تأفل بلطف و وداعة بعيدا هناك أمام بصري وراء منتهى مياه البحر ،السماء كان ازرقاقها يزداد قتامةً نحو الليل بحيث كان يظهر القمر مكتملا باديا بشكل باهت في جناح من السماء.. تقدمت في السير و هبطت أدراجا تنزل من الأعلى إلى الأرض الصخرية على ارتفاع حوالي إحداعشر مترا ... بعد بلوغي الصخور الصلبة المبعثرة ،جذبت بصري أضواء مستقيمة الإمتداد يحركها بشكل عشوائي أشخاص لا تُميَّز وجوههم في الظلمة، في اتجاهات مختلفة .. كان الظلام قد هبط و بدأت منارة العرائش تبعث ضوءها المُرَكَّز بشكل نصف دائري على سطح مياه الشاطئ ،،، ليست إلاّ أقل من نصف ساعة و شرعت سفن صيد صغيرة تطفو فوق الماء تباعاً زاحفة و أضوائها تنضح من نوافذها بروعة مُحدَثَةٍ في الرائي لا مثيل لها ...إلخ إلخ...

مَدينة العرائش الكائنة بشمال المغرب ،مدينةٌ تتميز بهدوئها وسكينتها الدائمين و عدم انتشار جلبة الجريمة  فيها .. إنها مدينة لا تنام في فصل الصيف كلية.. تظل متيقظة إلى الثالثة أو الرابعة صباحا هي التي ينكب عليها عدد لا بأس به من السياح في الأصياف من مدن المغرب لِما تزخر به من شواطئ رفيعة بهيجة تفعل فعلها مع الزائر ..إن مَدينة العرائش من خلال المنطقة السياحية الضخمة التي شُيدت قرب شاطئ "بِلِيكرُوسَا"، تتطور في اتجاه أن تضحي قطبا اقتصاديا"سياحيا" مهما بشمال المغرب ،هي مَدينة العرائش التي يجب أن نتذكر دائما عنها قبل كل شيء, أن أرضها تشهد بتعدد الطابع التاريخي على أرضها ..إلخ إلخ...


مَدينة "العرائش" المغربية : مَدينةٌ ذات طابع تاريخي مُتعدِّد.


خَلدون المسناوي 

 في تمام الساعة التاسعة صباحاً عبَرتُ بخطوات تابثة مرتديا حقيبة ظهرية،  بوابة محطة سلا للحافلات.  اتجهت رأساً صوب شباك  تذاكر السفر، و خاطبت مادا يدي بورقة خمسين درهما من خلف زجاجة مغلفة بشبك حديدي، شخصا منكفئا  يكتب في دفتر ملاحظات إلى مكتب صغير بغرفة نصف مضاء ة : تذكرة سفر للعرائش من فضلك.  كنت أعرف مقدما أن هناك حافلة ستتحرك باتجاه العرائش في العاشرة صباحا و لذلك فقد سألته منحي التذكرة  دون أي مقدمات.. كان فناء المحطة  الشبه المظلم خاويا عدا من خمسة كراسي حديدية معوجة مصفوفة على مسافة خطوتين من الجدار المقابل للشباك  تقتعدن ثلاثة منها سيدة و فتاة تضع لسيقانها حقيبتي سفر...إلخ.. تفوه القابض رافعا حاجبيه من داخل الشباك بصوت مَشوب بالإرشاد : لا تُوجد تذاكر. أُخرج إلى ساحة  المحطة ،ستجد حافلة العرائش متوقفة بجانب عربات النقل ،ثم استرسل بنبرة مُفعمة  بالتحذير: ستتحرك  الحافلة في العاشرة .. هززت رأسي له في ابتسامة تنم عن الشكر ،وابتعدت من قرب الشباك..إلخ. سأنتظر بداخل الحافلة أقرأ في "السماء الواقية" لبول بوولز، ريثما تنطلق الحافلة.. الحافلة ستنطلق بالضبط، في تمام الساعة العاشرة و الربع .. إلخ إلخ... 


بعد ساعتين من السير في الطريق ، اجتازت الحافلة طريقا ضيقة تحت قنطرة بحيث أبطأ السائق من سرعة الحافلة  على مقربة من بصري عندما داسَ قدمه برفق على دواسة الكابح تاركا لعربة 205 بوجو آتية من الإتجاه المعاكس فرصة المرور.. ستلوح على حافة الطريق لافتة عريضة تهيب بأننا داخل مجال إقليم العرائش .. عندما تمايلت في لحظة قصيرة الحافلة أثناء سيرها فوق الطريق ،انتبهتُ رافعا رأسي للريح القوية المتسربة من فتحة سقفها المفتوحة، لجوفها بشكل يغمر بيننا صوتا قويا .. ضغط السائق على زر مؤشر اليمين ، و انعطف من طريق نصف دائرية متجاوزا دراجة ثلاثية العجلات باتجاه "القصر الكبير" التابع طبعا لإقليم العرائش ... سيومأ الركاب برؤوسهم  من زجاج النوافذ إلى "بلدة العوامرة"  قبل الوصول إلى العرائش بعد قرابة نصف ساعة من السير ..إلخ إلخ...


... لم ألبث أكثر من خمسة دقائق بغرفة الفندق.. الحيطان مطلية بصباغة باهتة الإصفرار و مصباح طويل متبث بالجدار المقابل للباب و نافذة واحدة ضيقة مغلقة المصراعين بزاوية الحجرة المربعة المنخفضة السقف المغلف بخشب مُخَطّط يلمع بشكل باهر على ضوء المصباح الناصع البياض   فيما نافذة أخرى على يمين الباب تفصل بيني و بين غرفة أخرى من خلال فجوة فارغة ...كان قد صدم بصري  كل هذا الذي في غرفة الفندق في أقل من نصف دقيقة قبل أن أنضو حقيبتي الظهرية بحركة سريعة وأرمي بها فوق السرير . جلست بحافة السرير و فتحت سيور حذائيّ
،أزلتهما بحركة أنيقة.. إلخ إلخ... وخرجت من الفندق .. 

كانت الساعة تشير إلى الخامسة مساء عندما كنت متوقفا قرب باب فندقٍ، بشارع "مولاي محمد بن عبد الله".. تقدمت في السير من جانب صف من الحوانيت و المقاهي و المطاعم ،عبرتُ الطريق إلى مدارة: "باب المدينة" ، نقلت بصري بين الناس الجالسين على المقاعد التي بلا ظهور و بين باعة حلويات الأطفال .. كان الجو جميلا هناك، جميلا جدا بحيويته الخليقة بصنع الانفراج والإنشراح في وجوه الناس ...قطعت الطريق الأخرى  المُدخِلَة من القوس المؤدي إلى "السوق الصغير"، و اقتنيت سروالا قصيرا ب 20 درهما  من محل بيع ملابس ،وذلك من أجل السباحة  ... تقدمت في السير بضع أمتار قليلة. تنفست عميقا عندما أحسست بأنني جائع جوعا متناهيا، فراحت حدقتا عيني تبحثان عن محل مطعم ،"أين سأجد هذا المطعم" كانت هذه الفكرة هي المستبدة بشخصي ..سأدخل محلا شعبيا ، و سأطلب صحن "لوبيا" و صحن "سمك مقلي" . لما سأنقد المُحاسب المرتكن بزاوية المحل ثمن الوجبة ، سأخطو خطوة قصيرة من جانب آلته إلى مقلاة كبيرة الحجم تقع تحت بصري فوق خصري قليلا، يحترق زيتها تحت لهيب نيران ، وسألتقط برأس أصبع كفي قطعة بطاطس مقلية.. كانت لذيذة أحسستها في فمي. سأكون كاذبا إن قلت أن صوت احتراق الزيت تحت النار لم يحدث فيّ شعورا بالرضى و الراحة ! .

خرجت من المطعم. انعطفت من زقاق صغير فوجدتني في ساحة: الحرية ،لقد عرفت أنني في ساحة "الحرية" لما اصطدم بصري عبثا بيافطة مكتوب عليها : "ساحة الحرية" ، قلت في نفسي بشعور ساخر : أية حرية يمكن أن يعيشها البشر مجرد كذب! أية حرية يمكن أن يعيشها البشر فوق هذا الكوكب الأرضي الغريب ! ، الحرية هي الشعور المعتزل الهادئ بالقوة ،برقت في ذهني هذه الفكرة وهي لدوستويفسكي، أعرف أعرف... الحرية هي أن تسيطر على الآخرين هكذا جزمت مع نفسي حينما مررت من جانب مسجد "الكويت" هاما بالخروج من باب القصبة الحجري ،صوب ساحة "دار المخزن" ... 

على بعد مسافة ظئيلة من يميني، لاحت بناية ضخمة تعتليها صومعة سامقة ،إنها "الكومانضانصيا". رفعت رأسي لعلائها ثم مررت أنظاري بين زواياها قبل أن يستقر نظري  ببوابتها الرئيسية . اقتربت منها بحيث تقدم مني حارس كان يرابط إليها ينظر إلي بتساؤول . حييته، ثم قلت له في استفسار: ما هذه البناية. قال رافعا يده بترحيب : إنها بناية "الكومانضانصيا"   و هي الآن بناية ثقافية تدرس بها قواعد الموسيقى..قاطعته مشيرا بيدي ناحية بناية مربعة تقع بجوار "الكومانضانصيا" : و ما هذا .. فرد علي : ـ هذا معهد للموسيقى كان قد بناه المولى "إسماعيل" .. شكرته متصافحين بحرارة ثم تقدمت ناحية مدفع وحيد و مددت ذراعي على قضبان حديدية مستطيلا النظر صوب ميناء العرائش ، سفن الصيد المتوسطة الحجم و القوارب... إلخ إلخ... 

سرَّحتُ بصري بعيدا هناك فوق المرسى"ميناء العرائش"، وسألت شيخا يتوكأ على عكاز ظهر فجأةً بجواري واقفا مادا ذراعي ناحية مرتفعات : ما تلك المرتفعات؟ قال : آه ،إنك تتكلم عن "آثارات الشميش" يا بني ..إنها آثارات جميلة.. نبست بصوت سائلٍ: عبارة عن ماذا هذه الآثار،أنا سائح أتيت قبل أيام إلى هنا... ـ قال بصوت متهدج ينم عن الخبرة: إنها آثار تركها الرومان .. مسرح وبنايات... إلخ... سأستدير على عقبيَّ بعد أن أودعه، و سأحث الخطى من قرب محطة عربات الأجرة منعطفاً من جانب برج "اللقلاق" المطل على  شارع محمد الخامس المليء بالمقاهي ،ثم سأغد السير باتجاه مدارة "كواترو كامينو" ... لقد شوقني هذا الرجل الذي التقيته بالمصادفة كثيرا ،بحيث قررت امتطاء وسيلة نقل للذهاب ل"آثارات الشميش" هذه ... إلخ ...


صعدتُ حافلةً باهتة الإزرقاق قرب مدارة "كواترو كامينو" . كانت الحافلة ممتلئةً بالرجال و النساء و الأطفال،من جميع الأعمار .الواقيات الشمسية "الباراسولات" موضوعة فوق ركبهم وركبهن و الحقائب المحشوة بالسندويتشات منزلة إلى أقدامهم و أقدامهن.. أربعة أشياء في شمال المغرب الأقصى لا تجادل ولا تناقش فيها : النساء الحنونات، وسحنات الأطفال الجميلة ، الحشيش الجيد "الطبيسلة" ، و الشواطئ... اقتعدت مقعدا فارغا بجانب طفل أشقر الشعر ونظرت من النافذة. رهيب رهيب! ،إنني في هذه اللحظة بالذات بينما تتشظى سهام أشعة الشمس من زجاجة جانبية لعربة متوقفة بجوار الحافلة بشكل يجعلني أغمض عيني نصف إغماض ، أتخيلني جالسا أنا و الكاتبة ستيفاني ماير  و الرئيس الفرنسي و بوتين رئيس روسيا و  السيسي رئيس مصر نستدير مائدة نحتسي كؤوس الويسكي فوق سطح مكتب الأبحاث القضائية التابع لمخابرات النظام المغرِبِي و عمي الشاعر عمر الخيام  يحمل كلاشنيكوف يقف بجوارنا يحرسنا! مكشرا بوجهه تكشيرته المألوفة ، و شرفات أفيلال بوجهها الحنون الجذَّاب تسقينا منحنية بأناقة بالغة على المائدة ...  ... هاه! و الله يعطيني مع ربكم البومبيا ديال المغرب كامل ... 

نزلتُ مسرعا من الحافلة التي كانت مكتظة عن آخرها قرب المرتفع الغابوي "الشميش" المليء بالآثار بعد تجاوزها  لواد "ليكسوس" وشاطئ واد الرمل..، "الحافلة" التي ستكمل طريقها الممتدة نحو أصيلة إلى شواطئ : ميامي 1و2و3.. عبرت الطريق الجهة الأخرى، و سرت باتجاه أربعة شبان يلبسون قطع ثياب تدل على الأمن الخاص ..إلخ... استفسرني أحدهم سبب قدومي فقلت له أنني سائح ..صعدت المرتفع الجبلي الغابوي بحيث كانت المهمة جد شاقة ... سأبقى دائما في المستقبل أتذكر أنني رأيت حينما صعدت جبل الشميش : "المسرح الروماني الدائري" الباهر جدا و بنايات "تعود لعهد تواجد الفنيقيين بالعرائش" بنايات اقتصادية هي عبارة عن صهاريج كانت تخصص لترقيد الأسماك... إسمعوا .   لن أنسى مهما حييت المسرح الروماني الدائري بمرتفع الشميش ، جبروت عالٍ يشعرك بالإحترام الكبير للحضارة الرومانية و يبهجك أشد البهجة لأنك تنتمي لبلد عظيم إسمه "المغرب الأقصى"... مررت بين الأشجار على طريق مرسومة بينها من العديد من البنايات الأثرية الرومانية و الفينيقية، حتى وصلتُ إلى وسعة مطلة على فراغ واسع جدا تظهر من خلاله العرائش كلها على عرضها في أبهى صورة وراء واد ليكسوس اللامع على شعاع الشمس ...إلخ... 

مدينة العرائش ، لا تتوفر على  شواطئ : ميامي 1و2و3، الثلاثة الشواطئ الجميلة فحسب "المُحاطة بخيام المطاعم"، و إنما كذلك تتوفر على شاطئ "الحجرة المثقوبة" الموجود قرب كليطو المجاورة للسجن المحلي لمدينة العرائش ،و الذي يرتاده الصيادون ...إلخ إلخ... على أن الشاطئ المستقر قرب وسط المدينة والذي لا يبعد سوى بمسافة قليلة عن مدارة باب المدينة ،وهو شاطئ "فارونا" المجاور لبناية تركتها إسبانيا ،بناية: "السبيطار الإسباني" ، تتناثر على امتداد مسافة فوق رماله الرطبة صخور ضخمة بشكل مبعثَر يَنشُر جوا من الإحساس بالجمال الطبيعي ... كانت الشمس تأفل بلطف و وداعة بعيدا هناك أمام بصري وراء منتهى مياه البحر ،السماء كان ازرقاقها يزداد قتامةً نحو الليل بحيث كان يظهر القمر مكتملا باديا بشكل باهت في جناح من السماء.. تقدمت في السير و هبطت أدراجا تنزل من الأعلى إلى الأرض الصخرية على ارتفاع حوالي إحداعشر مترا ... بعد بلوغي الصخور الصلبة المبعثرة ،جذبت بصري أضواء مستقيمة الإمتداد يحركها بشكل عشوائي أشخاص لا تُميَّز وجوههم في الظلمة، في اتجاهات مختلفة .. كان الظلام قد هبط و بدأت منارة العرائش تبعث ضوءها المُرَكَّز بشكل نصف دائري على سطح مياه الشاطئ ،،، ليست إلاّ أقل من نصف ساعة و شرعت سفن صيد صغيرة تطفو فوق الماء تباعاً زاحفة و أضوائها تنضح من نوافذها بروعة مُحدَثَةٍ في الرائي لا مثيل لها ...إلخ إلخ...

مَدينة العرائش الكائنة بشمال المغرب ،مدينةٌ تتميز بهدوئها وسكينتها الدائمين و عدم انتشار جلبة الجريمة  فيها .. إنها مدينة لا تنام في فصل الصيف كلية.. تظل متيقظة إلى الثالثة أو الرابعة صباحا هي التي ينكب عليها عدد لا بأس به من السياح في الأصياف من مدن المغرب لِما تزخر به من شواطئ رفيعة بهيجة تفعل فعلها مع الزائر ..إن مَدينة العرائش من خلال المنطقة السياحية الضخمة التي شُيدت قرب شاطئ "بِلِيكرُوسَا"، تتطور في اتجاه أن تضحي قطبا اقتصاديا"سياحيا" مهما بشمال المغرب ،هي مَدينة العرائش التي يجب أن نتذكر دائما عنها قبل كل شيء أن أرضها تشهد بتعدد الطابع التاريخي على أرضها ..إلخ إلخ...







الصورة : "خ،م" متوقف في إحدى الزقاق القريبة من المأثرة التاريخية "الكومانضانصيا" بمدينة العرائش.



الثلاثاء، 25 أغسطس 2015

"وَليلي" بمولاي ادريس زرهون : المغرب الروماني العظيم ...



خَلدون المسناوي

كانت الشمس متوقفة في جناح من السماء تنفث شعاعها الحار حينما كانت عربة أجرة تنهب الإسفلت أمام بصري متجهة من مكناس إلى مولاي ادريس زرهون ،لا أذكر كم كانت الساعة تُشير بمعصمي بالتدقيق لكني أتذكر أنه كانت قد مرت ساعة أو ساعتين على منتصف النهار ... كانت الحرارة تنفذ بشدة بجوف العربة التي كنت أقتعد مقعدها الأمامي مزدحما فيه مع كهل  بشكل يجعلني متدفقا قليلا بخصري الأيسر ناحية محول السرعة... و كان الجميع صامتا ، وبين الحين الآخر كنت أتلفت إلى الكهل المتشح في جلباب أسود لأنه تجتذبني رائحة غريبة ميزتها لكني لم أجد لها مقابلا بالكلمات ...  أدار سائق العربة المقود  بعد أن خفض سرعة العربة ، ثم أضحى يميل بالعربة بمنعرجات حادة مائلة.. دقائق معدودة من السير ، و بلغنا : مولاي ادريس زرهون. 



سأظل لابثا بمولاي ادريس زرهون قرابة نصف ساعة أنتظر قدوم  خمسة أشخاص متجهين في اتجاه طريق وليلي الرومانية ، غير أن عدم مجيء شخص وحيد، إلخ... جعلني أمتطي لوحدي عربة أجرة ثانية للتوجه إليها: "وليلي" ... عشرة دقائق من السير في الطريق و وصلت العربة . كانت بحوزتي حقيبة أودعتها الباب الخلفي للعربة.  رَكن صاحبها بجانب ساحة قرب وليلي، بشكل جعل العجلتين الأماميتين تبدوان غير مستقيمتين.  لما سأنزل و أصفق الباب الخلفي مرتين لإحكامه  ، سألج كشكاً يقدم موادا غذائية و سأسأله   قنينة ماء ذلك أنني كنت جد ظمآن ..إلخ... 



تقدمت من الباب الرئيسي لوليلي الشامخة بحيث كان قد لاح لي شخصان يرابطان على بعد مسافة ظئيلة مني إلى غريفة صغيرة تجانب الباب، تصافحنا بحرارة.. سيتبين لي بعد خوضنا في الكلام قليلا أن أحدهما يعرفني حق المعرفة : أنت تقطن بسلا ... هكذا ابتدرني بالكلام ... إلخ...  طلبا مني ترك الحقيبة "التي كنت أحس بها ثقيلة جدا على ذراعي" ،معهم ، قبل التجول في ردهات تجمع وليلي ... أبديتُ ترددي في البداية ،فالحقيبة مملوءة ب:جهاز حاسوب يضم معلومات شخصية مهمة لي و بعض الأشياء... و "المغاربة أكبر لصوص في العالم" فكرة مترسخة في ذهني لا تبارحني في لحظة و الحق يقال !... لكني في آخر الأمر، سأقبل إيداعها لديهم.. كان اليوم يوم جمعة ، بحيث يسمح كما قال لي أحدهما مجانا بالولوج إلى وليلي...  تحسسني أحدهما بحركة سريعة من كتفي إلى ركبتي ثم أومأ بيده تلك الإيماءة "الرخوة" التي يومئها الشرطي في الطريق بعد انتهائه من معاينة أوراق العربة ... استدرت على عقبي و غدوت الخطى في ردهة ستؤدي بي إلى أحجار ضخمة منقوشة بنقوش رومانية يعود تاريخها إلى قرون عتيدة..  أبواب تاريخية ،أعمدة أسطوانية عالية،يافطات عريضة  ... إلخ... إنني الآن في هذه اللحظات التي  أحدق فيها في إحدى السقوف الرومانية القديمة يزحف من جانبي جمع من  الأجانب أظن الإيطاليين ، ينظرون رافعين رؤوسهم  بحملقة و إعجاب لبناء ات أجدادهم .. نقلت بصري بين الإيطاليين ثم استدرت ناحية بقية البناء ات الرومانية مستطيلا النظر لها  و فكرت : أجداد هؤلاء من بنوا هذه الحضارة الساطعة الماجدة ..وَليلي فعلا المغرب الروماني العظيم ...سأتنقل عبر الدهاليز التاريخية المتعددة المشتتة على اتساع مساحة التجمع العمراني "وليلي" ، لمسافة أكثر من ساعة زمن... ثم سأحث الخطى عائدا نحو مخرج وليلي للمغادرة...إلخ إلخ... 



وليلي تذكرني بل تذكر العديد ، بل القليل، بقضية أثارت الكل في وقت مضى.. الكلام عن اختفاء قطع أثرية رومانية من منطقة وليلي!، نعم لقد كان أن وقع هذا في الماضي، بحيث كان قد تم في أعقاب ذلك اقتياد سكان دواوير مجاورة لها "وليلي" إلى مخافر الدرك و ضربهم من لدن الدركيين ب : "عصا الفأس" على أقدامهم  كما حكا لي ذلك محام حدثه دركي  صديقه يشتغل بالمنطقة ذاتها بذلك،إلا أنه سيتبين فيما بعد ، بعد تعميق التحقيق ،أن الأمر تعلق بإيطالي ثري جدا قدم إلى وليلي و اشتم رائحة أجداده في قطعة أثرية ،إذ تفاوض على ترحيلها إلى إحدى قصوره ببلاد الطاليان بمئات الملايين ! ، بحيث تمكن فعلا من استقدامها إلى دهليز من دهاليز قصوره ...إلخ إلخ ...



"وليلي" التراث الحضاري الإنساني المطلة في كبرياء على اتساع شاسع من الجبال المشحونة بوهج هيبتها، واحدة من النقاط  التاريخية المضيئة المهمة في العالم، و رمز معبر عن الرومان ببلادنا بشكل ساطع لا يمكن أن يخبو .. إن وليلي منطقة تبين لكل من تجرأ في يوم  على بلاد المغرب الأقصى ،أن تاريخ هذا البلد هو تاريخ عظيم ذو طابع متعدد لا يقهر.. إننا نتكلم عن المغرب الزاخر بالتاريخ الذي يرن اسمه في أذن أي بشري فوق هذا الكوكب الأرضي و ليس عن بلد نشأ قبل مائتا عام أو أكثر بقليل ،،،إن المغرب و من داخل "خِبرتنا الكبيرة" بكل أرجائه! نقول : مشكلته في مجتمعه المتأخر فكريا "عقليا"... إنه مجتمع يعيش بالتحديد حالة : فكرة الكذب عن النفس ، "الكذب الذي يحيا" كما يقول أستاذي دوستويفسكي ، و عندما نكون نتواجد في دولة مبنية على الكذب "المغربي  هو ليس هو" و كذلك "مملكة الحسد" ، عندما نكون نتواجد في دولة فاسِدة "من أعلى أعاليها لأسفل سافلها" ،يصعب كثيرا أن نتكلم عن الإعتناء الحقيقي  بمرافقنا و تجهيزاتنا و تراثنا الإستثنائي فوق هذا الكوكب ..يصعب كثيرا كثيرا كثيرا...بفففف!..




الاثنين، 10 أغسطس 2015

مَدينة مِيشلفن المغربية ... غريبٌ غريبٌ هذا الكوكب الأرضي! ..?




خَلدُون المسناوي 

في العادة أثناء دخول فصل الشتاء، يبدأ هطول الثلوج في ميشليفن قبل الحاجب و إفران و أزرو، و ذلك يعود إلى كون ميشليفن أكثر ارتفاعا من باقي المدن الثلجية المذكورة بحيث أن انهمال الثلج في ميشليفن يدثر الجبال في الوقت الذي تكون فيه  إفران و أزرو خاليتان من الثلج كلية، على الرغم من اجتياح البرودة أثير هوائهما . ميشليفن واحدة من المدن المميزة جدا بهوائها الصافي بالإطلاق من كل تلوث قد تسبب فيه حياة البشر الصناعية...

بقرب محطة الحافلات بإفران ، تستقر محطة عربات الأجرة. الذهاب إلى ميشليفن بواسطة عربات الأجرة ممكن ، لكن يشترط عليك سائق عربة الأجرة عدم تجاوز ساعة زمن بمشليفن قبل الرحيل، ساعة زمن بمشليفن صحيح لا تكفي ولكن قضاء ساعة بها خير من عدم بلوغها ...إلخ... صفقت الباب الجانبي الأيمن للمقعد الأمامي، وانطلقت العربة.. زلّق السائق بأناقة قرصا بفتحة مشغل الأسطوانات ثم عبث بكفه أزراره فاندفعت موسيقى كلاسيكية مصرية بيننا... قبل الوصول بمسافة قليلة إلى ميشليفن ، لاحت جبال عالية مثلجة مبهجة ، ابتسمنا في جذل وسط العربة ، بحيث قال السائق : هل رأيت ،أنظر هناك رافعا رأس أصبعه ناحية الجبال المغطاة بالثلوج،أومأت برأسي و صمتنا جميعا فترة قصيرة ، لقد كان أتذكر صمتا تملأه رغبة جارفة جدا في وضع أقدامنا في أقرب وقت على ظهر الثلج ..


في آخر منعرج موصل إلى مركز ميشليفن، انتبهت من خلال زجاج النافذة، إلى الضياء المكفهر لسماء يوم  غائم من خلال انفراج مساحة واسعة انبثقت لنا ...

انحرف سائق العربة إلى حافة الطريق الضيِّقة و توقف مطفئاً محرك العربة المهدودة القوى. نزلنا من العربة فيما لبث السائق الرافل في جلباب قطني سميك في مقعده.  كان الهواء شديد البرودة و الضباب منتشر بحدة في الجبل المغطى بالثلج أمامنا ،نظرت إلى الضباب المنثور حولي وقلت في نفسي : "ضباب مميز،ضباب الثلج هذا الذي أراه وليس ضباب غيره" ، كانت لم تمضي سوى بضعة أسابيع على قدومي من  "الزاك العسكرية" المأهولة ب"العتاد العسكري المتطور" التي مكثنا فيها بضعة أيام! ... لم يكن الجبل الثلجي المعروف بميشليفن يضم شخصا ما ،  نحن الإثنان كنا فقط ، أنا و زكرياء. تقدمنا مشيا في الثلج حاملين زلاجة خشبية بأيدينا من طرفيها في ذلك الهواء البارد،بحيث كدنا ننزلق في أرضه في البدء ، كانت منازل ضخمة مقرمدة السطوح تلوح معلقة في جوانب الجبل ، كانت جميلة جدا. صعد زكرياء قمة الجبل حاملا  الزلاجة بجهد ملحوظ في مشيته المتعثرة في الثلج، فيما لبتث أنا تحتْ، أنظر إليه صاعدا بمشقة كبيرة، ثم أستدير بين اللحظة و أختها أحدق بإعجاب في المنازل المقرمدة تلك... و ها هو يتدفق منزلقا نحوي من الأعلى "مقتعدا الزلاجة"  ، متزلجا حتى وصل عندي ، كان السرور باديا في وجهه بوضوح،أتذكّر ... حملت الزلاجة و صعدت  فيما هو ظل ينتظرني حيثما انتظرته ، ظللنا هكذا نتزلج بالتناوب في جو من البهجة  قرابة نصف ساعة... 


كانت طبقة الثلج التي تغطي الجبال رقيقة جدا بحيث انتبهت لذلك من خلال الفراغات الترابية التي تبدو  منقطة للإنتشار الواسع للثلج الناصع البياض على سطح الجبل. داهمني حقا إغراء شديد أن أبقى هنا لساعات. لقد كانت الصحراء التي قضيت فيها قرابة شهر زمن  قد شحنت في كينونتي معنى العزلة ، عزلة الصحراء عند دوستوفسكي ،ربما..  أطلقت بصري في الثلوج على الأرض ثم في التي تكسو جذوع الأشجار ،إنني الآن في هذه اللحظة التي أتوقف معلقا بصري في الفراغ، أتأمل في شأن التكوين  الطبيعي  لهذا العالم : كثبان رمل للصحراء و خضرة الغابة و اصطفاق عباب البحر و براكين و  ثلوج المرتفعات .. غريب غريب هذا الكوكب الأرضي!.  برقت في ذهني في لحظة هذه الفكرة بقشعريرة سرت في جسمي!..

على مسافة أقدام قليلة مني،كانت ندف بيضاء دقيقة  تلوح عابثةً  بأغصان الأشجار المجانبة للطريق  خلف عربة الأجرة المهترئة  التي قدمت بنا أنا و زكرياء لميشليفن. نظرت و فكرت: صوت بلا صورة لا يسمعه أحد.  إنني الآن بينما أحدق متأملا في هذه اللوحة المعبرة عن معنى :"الوحدة" ،تصيبني في مؤخرة رأسي كرة طرية من الثلج . استدرت وبرودة الثلج تتسلل من   قفاي لظهري، فوجدت زكرياء  يضحك  ضحكة شريرة عالية هاما برشقي بكرة ثلج أخرى . انحنيتُ و جمعت حفنة كبيرة من الثلج و رشقته بها بقوة. ظللنا نتقاذف في جو من السرور بكرات الثلج لدقائق معدودة إذ كان وحده سائق الطاكسي المعتمر قبعة الجلباب الذي بدا لي داخل عربته ينظر إلينا  . كان شعر زكرياء يبدو لي مشبعا بالثلج و كذلك ثيابي كانت ...إلخ إلخ... 

مدينة ميشليفن المغربية الكائنة بالقرب من مدينة إفران بحوالي ثلاثين كلمترا، مدينة تشتمل على هواء نقي منتهى النقاء  ،كما تتوفر  على غابة كثيفة تضم خيرة الأجمات و الأشجار  .. إن ميشليفن تجسد جمالية طبيعية يندر وجودها في مجال طبيعي آخر "لا بالمغرب ولا خارجه" .. غير أن عدم توفر مدينتنا على تجهيزات سياحية "فنادق..." يجعل التوجه إليها من لدن عشاقها، لا يتخطى بضعة ساعات في أكثر تقدير ، في الوقت الذي تشتد فيه رغبة العديد من السياح قضاء أسبوع أو أكثر بين جمالها المشتعل،الأمر الذي يُصيِّر أمر بناء مركبات سياحية بها أولوية لا تجادل ،من أجل السياحة والإقتصاد، و أيضا من أجل مستقبل أفضل لسكان المنطقة الأصليين ...إلخ إلخ ... 

الصورة : "خ،م" بمدينة ميشليفن .

الأربعاء، 5 أغسطس 2015

شاطئ "الأمم" بإقليم سلا ... منطقة "ترفيهية" ضخمة واعدة المُستَقبَل...






خَلدُون المسناوي 

 شاطئ الأمم بسلا حقاً،،،تغير كل التغير. كل شيء تبدل فيه: واجهات المباني ، الطرقات ،منعطفات التقاطعات ، الجو بشكل عام... سحنة الشاطئ في الذهن  تبدلت ،بالشكل الذي أخذت صورة مباينة كل التباين  أثناء تخيلها لما كان عليه الشاطئ قبل أكثر من عامين. جذوع الأشجار و الأجمة امّحت  وكأنه لم يسبق أن كان وجود لغابة كثيفة المنبت البتة بين طريق القنيطرة والشاطئ.  تبديد غابة من لدن البشر مهما كانت المنافع الإقتصادية التي ستنتج عن موت هذه الغابة   ، موجع ومؤلم للغاية و معرب عن علاقة خبيثة بين الإنسان وجمال الغابة ،مهما  سُوِّغ و بُرِّر "فرص شغل إلخ..." ..  إني أتذكر الآن في هذه اللحظات التي أجلس فيها على كرسي بجانب نافذة البيت المنفتحة و  ثياب رمادية منشورة في حبل سطح  تحت سياط شمس حارقة ترتعش، تبدو لي من خلال النافذة  ... حديث  عبدالله العروي عن الغابة،في إحدى كتاباته حيث أنه ينفذ لذهني الآن وأنا أنظر في مائدة قربي إلى اللاشيء ، جزعه الكبير وانقباض قلبه عندما كبر و صار ينظر للغابة تُغتال أمامه ...

في كلمتين :    "الغابة مقدسة".



كل الغابة المحتشدة ، بين الطريق المتولدة من الطريق الوطنية الأولى المؤدية للقنيطرة والموصلة إلى مركز شاطئ الأمم، لا أثر لها اليوم . حلت محلها مشاريع بنائية سكنية و ،أخرى سياحية هادئة  ضخمة . فيلات بمسابح صغيرة. شقق سكنية لأسر. منشأة الكولف المريحة. فنادق مُصنَّفة فاخرة . لقد تغير شاطئ الأمم فعلا تغيرا هائلاً. 

شاطئ الأمم أو " بلاج دِيناصيون" كما ينعته رواده بالفرنسية، أغلب رواده من أبناء سلا، اللهم  جزء من القادمين له  هم من ، الرباط و كذلك من القنيطرة وذلك باعتمادهم العربات الخاصة والحافلات . الشاطئ يوفر به جماعة من الشبان من أبناء جماعة بوقنادل منافع مادية موسمية لابأس بها، وذلك بتقديمهم بعض الخدمات للناس المصطفين هنا .الشبان هنا و اليافعون ،يقدمون شتى خدمات للحصول على المال. كراء السورف ، النقل بواسطة الدراجات الثلاثية العجلات. بيع المثلجات. بيع المأكولات الخفيفة.إلخ إلخ.. أبناء "جماعة بوقنادل" يعتبرون شاطئ الأمم خاصة لما تم تأهيله اقتصاديا "سياحيا" منطقة مهمة من حيث تجلب لجيوبهم دراهم العيش ، وأنهم الأولى في ملأ فرص الشغل المتاحة من غيرهم لاسيما في الأصياف ..


عباب الأمواج الممتدة على مسافة طويلة من الماء المتدفق نحو رمال الشاطئ ، تلوح أمام زائر ديناصيون حينما يهم نازلا  آخر منعرج منزِّل إليه ، منظر باهر جدا . دائما  حينما  أجيء هنا أسرح بصري لثوان أثناء نزولي من الهبطة المنزلة لمدخل الشاطئ : "ديناصيون" شاطئ طويل أقول مع نفسي.  وجدتني أتمشى على رمال الشاطئ الحارقة حافي القدمين. الساعة هِيَ ا لعاشرة صباحا . الجو صحو مشرق و الشاطئ شبه فارغ . أغطس ساقاي إلى الركبة في ماء الأمواج المنكسرة بجانب فتاتين مراهقتين و صبي ولد . انحسر الماء من قدمي للوراء،فانغرستا بالرمل المشبع بماء البحر ،تقدمت في السير بخطى بطيئة منتزعا بشيء من القوة بين الحين والحين  قدميّ من الرمل المبلل العالق بقدمي.. مررت بجانب بعض الشبان . كانوا يقذفون كرة .  ابتعدت عنهم قرابة مائة متر، صوب ركن قرب خيمتين اثنتين يختلف إليها معلموا سباحة تبدو أجسادهم المضطجعة بتراخٍ من فتحات ثوب خيمتيهم ..  مددت الفوطة على الأرض و تبثتُ الواقية الشمسية بدفعة قوية لعصا مقبضها للأسفل في الأرض الرملية وفتحت كرسيّ المطوي ثم، اقتعدته تحت الواقية مضطجعا على ظهري مرتدا للخلف مظللا تماما. أقرب شخص إلي شاب يجلس مقرفصا على بعد نحو خمسين مترا مني  على الرمل يدخن  بجوار تجهيزات سباحة ...أبعد شيء يلتقطه بصري من موضعِي،قامات  غامضة منتصبة بأعالي صخور خشنة مسودة ضخمة ،خلف فندق الفردوس يلوحون بقصباتهم للتحت نحو الأمواج ..إلخ...


"اللي فوتوا أنا مايتصورش فلبال غي ربي كان معايا..." كان صوت  "بلال" المبحوح ، ينثره بوق جهاز موسيقي صغير يحمله، شاب من مقبضه الحامل، حدقت إليه يمر بتثاقل أمامي على الرمل بسروال قصير عاري الصدر الملمع بالزيت.   حينما التفت بنظرة جانبية نحو حفيف خطى على الرمل، خطفت بصري العضلات نافرةً تحت جلد صدره المزغب.  فتحت حقيبتي الرخوة من فمها بفكي للخيط المعقود عليه بإحكام، و أدخلت يدي لجوفها أُوجس متحسسا مادة كطحين . المعجون. ينقصه الآن الشاي الساخن قلت وأنا أحدق إليه ملفوفا كتراب  في يدي . أفرغت طحين المعجون في حليب رائب كنت قد أتيتُ به معي،  مزجتهما بسرعة وبتسلط بملعقة، و أجهزت عليه ابتلاعا دفعة واحدة.   بعد دقائق معدودة سيمر من جواري حصانان أصهبان سمينان يقتعدهما دركيان في نضارة الشباب ،يتجولان ببصرهما في الناس تحت الواقيات بنظرات مستطيلة و متوقدة.  كان ماء البحر هائجا شيئا ما لكن ليس بالذروة التي معتاد أن يكون عليها هيجانه. أمواج قوية شيئا ما تبث ريحا هادئة لطيفة بين المصطافين،لكنها ضعيفة الإندفاع بالمقارنة على ما يكون عليه "ديناصيون" و حتى في جو الصيف الحار الذي من المفروض فيه أن يكون أهدأ. الأطفال و الرجال و النساء يكتفون بالسباحة  في حافة تدفق مياه الشاطى من دون أن يجرؤوا  على غزو ماء الأمواج  لداخل البحر ...إلخ...


بشاطئ ديناصيون بسلا ، العديد من مباني المطاعم و المقاهي ليست جاهزة في الوقت الحالي لاستقبال زبائن الشاطئ بالصيف، لكنها على وشك أن تكون كذلك ، فهذه المباني المطلة على عباب أمواج البحر المتدفقة ناحية شريط الرمال الرطبة المبللة  ،اكتمل تشييدها و على أعلى مستوى ، و لم يبقى إلا تجهيزها بالأثاث أظن.. بحيث لحتى أنه تبدو لزائر المكان لافتات عريضة فوق أبواب المباني هذه ، مكتوب عليها مثلا : "بيزيريا ديناصيون" أو "كافي ديناصيون" ... لكن التجهيز الرفيع الذي شمل شاطئ الأمم لا في الناحية المشرفة على أمواج  ديناصيون المُغرقة ، و لا على طول المسافة الوسيعة المحيطة به ، ليس هو بغرض تجهيز شاطئ فقط . بلى، إن الدولة تعتزم تأسيس منطقة سياحية وسكنية "برجوازية" واسعة بسلا تشكل منتجعا اقتصاديا هاما ..إلخ... بحيث أن التجهيز الذي انخُرط فيه في الشاطئ، منذ قرابة سنتان لا يهم تحيينه ،في فصول الأصياف فحسب، بل في جميع أزمنة السنة ،إذ سيصير المكان قبلة بغاية السكن و السباحة و البحث عن السكينة و الرومانسية ،  واحتساء فنجان قهوة على منظر الغروب... إلخ إلخ..

شاطئ "ديناصيون" بإقليم سلا ،أبرز شاطئ من شواطئ سلا "يضاف لهم الشاطئ المتجاور مع قصبة كناوة"، إنه شاطئ شكل النواة الأولى و نضارة مشروع سياحي ترفيهي، قوي ضخم ستتعقبه نتائج جيدة على مستوى جلب فرص شغل ،و كذلك على صعيد الترفيه في فصل الصيف على الخصوص ،بل قل في جميع الفصول ... شاطئ ديناصيون واحد من الشواطئ الذي يمكن أن يكون التفكير في شأن تحسين بنياته ، سبيلا هاما صوب تأسيس تجمع سكني ضخم مجانب لمياه البحر بإقليم سلا على غرار حي اشماعو والأمل "إقليم سلا  الذي يضم بدون مبالغة 2 مليون نسمة في مساحة صغيرة مما يُصير سلا ذات أكثف كثافة سكانية ربما بشمال إفريقيا!"...غير أن التجهيز الكبير الذي أشرف على تنفيذه من أشرف بمنطقة الأمم بسلا يجب ألا يكون قد تخلله الفساد كما هومعروف في كافة المستويات الذي يخوض فيها المغاربة!. شاطئ الأمم يقتضي الزيادة في تظافر الجهود من لدن كل الأطراف المكلفة كلٌّ في كنف مسؤوليته ، من أجل مستقبل اقتصادي و ترفيهي واعد لشاطئ الأمم ، أو بالأجدر، للمنطقة الشاسعة"الأمم" بسلا، الذي يعتبر هذا الشاطئ من أجمل و أنظف شواطئها لدى سكان سلا والرباط ...إلخ إلخ...التجمع السياحي "الأمم" القريب من متحف بلغازي بسلا، يجب أن يضفي تطورا اقتصاديا يستفيد منه سكان المدينة الذين يقبع معظمهم في الشغل الموسمي الغير المهيكل بدون لا تقاعد و لا تغطية صحية ولا آمان ولا أي شيء ... إلخ...





الأحد، 12 يوليو 2015

مدينة مرتيل بشمال المغرب ... مدينة مكسوة باجتذاب ساحر ما بعده اجتذاب .



خَلدون المسناوِي


مدينة مرتيل تبعد عن مركز تطوان ببعض  الكلمترات وتؤدي إليها الحافلة وكذلك عربات الأجرة ، وهي مدينة ساحلية  تطل على البحر الأبيض المتوسط تتكون من مجموعة من المساكن التي تتزايد يوما بعد يوم، و كذلك بعض الأسواق والفنادق. تتواجد بمرتيل جامعة تستقر بمدخلها ،هي، جامعة عبد المالك السعدي..



"مارتيل" ، الإسم هذا يحكى أنه أطلق على المدينة نظرا لكون فلاح في زمن الإستعمار إسمه "مارتين" كان يقطن بها و عندما كان التطوانيون يحجون إلى المنطقة كان كل واحد إذا سئل إلى أين هو ذاهب ،كان يجيب أنه قاصد منطقة الفلاح  "مارتين"  و هكذا إلى أن تحولت المنطقة بعد الإستقلال ،إلى مدينة تحت إسم : "مرتيل" .. المنطقة في أول الأمر كانت عبارة عن مساحة واسعة خالية لا تضم عدا الأشواك و أشجار الدفلة و الأفاعي ، لما كان التطوانيون يقدمون نحوها و ينصبون خياما مربعة بجوار شاطئها لغرض الصيد ، ولما أيضا كانوا هم كذلك يأتون لأراض فلاحية بها لهدف الزراعة و جني المحاصيل ..إلخ... 




المدينة ،تضم منشأة تاريخية ترمز لمرور البرتغاليين من أرضها ، وهي برج "الديزة" القائم قرب مقر شركة أمانديز، و الذي بناه البرتغاليون قبل أكثر من مائة عام ، بجوار هذه المنشأة سوق للفراشة تباع فيه الدراجات الهوائية ،و الملابس الأوروبية المستعملة و كذلك تتواجد بذات المكان قيساريات لبيع الملابس بكل أصنافها ... ليس ببعيد عن السوق، هناك شارع يعتبر من الشوارع الرئيسية بمدينة مرتيل ، وهو شارع : ولي العهد الذي تمر منه عربات الأجرة القادمة من مركز تطوان نحوها والذي يضم هو وشارع محمد الخامس مجموعة من الحوانيت العارضة لكل أصناف السلع..إلخ...




...إننا الآن نقتعد درج باب منزل من المنازل الدانية من مقر مفوضية الشرطة ـ مرتيل ـ ، أمامنا ساحة واسعة ذروة الجمال ، الساحة هذه تعد من الساحات التي يتوافد إليها الناس من أجل الإستجمام على أنه كان من الأفضل ألا تشيد هذه الساحة أمام مقر للأمن هذا فقط رأي خاص ،إذ لكان سيكون أفضل أن تكون بجانب مكان لا رابطة له بفعل الجريمة و العقاب يتبين لي أنه كان سيكون أحسن ..، عموما الساحة هذه تسمى : ساحة الحرية .. بجانب هذه الساحة أو بالأحرى، على يسار مقر  مفوضية الشرطة تستقر المكتبة الجامعية التي يرتادها الطلبة و طلاب العلم ..إلخ... الإستجمام بالنسبة لساكنة مرتيل ليس فقط بساحة الحرية ،بل كذلك بالساحة الممتدة بشكل واسع و الضامة لبعض الكراسي الطويلة الإسمنتية : ساحة المسجد الكبير ،أي الساحة الملتصقة بأكبر مسجد في مرتيل ،وهو "مسجد : محمد الخامس" الذي فتح للمصلين من سكان مرتيل انطلاقا من عام 1984 ...إلخ إلخ ... لكن الإستجمام بالنسبة لا لسكان مرتيل و لا لزوارها ، لا يمكن أن يجزم انتشاره فقط في ساحة الحرية أو ساحة المسجد الكبير أو في الساحات الأخرى المتواجدة بالمدينة ، بل لعله ينتشر و باحتدام أشد ، بالكنبات المقابلة لشاطئ مرتيل بناحية الكورنيش أو في المقاهي القائمة بكثرة خلفها ... إلخ...



الكورنيش  بمدينة مرتيل السياحية، تجده فارغا طيلة العام بكل ما يحويه من مقاهي و مطاعم ،و كذلك الفنادق المجاورة له تكون شبه فارغة عدا من السواح الذين يفضلون فصل الشتاء أو الربيع أو الخريف بداعي أن فصل الصيف تكون مرتيل مكتظة لاسيما بسواح الداخل ..إلخ... مرتيل التي تضم أيضا فيلات صغيرة و شقق يعمد أصحابها لكرائها خاصة في فصل الصيف ل "الداخليين بلغة كل الشماليين !" التي تستقدمهم جمالية مرتيل ..إلخ...




أصحاب المقاهي و المطاعم و الفنادق و الفيلات الصغيرة و الشقق : المعروضة للكراء بمرتيل "المغربية" ، يظلون في الشتاء والخريف و الربيع ينتظرون قدوم "الداخليين بلغة كل الشماليين " أي  سكان وسط المغرب عندهم لملأ جيوبهم بكثرة  بالأوراق النقدية، أكثر من باقي الفصول التي تكون محلاتهم شبه فارغة ،ذلك أن الواقع المعروف لدى الجميع هو أن سكان وسط المغرب يحجون بكثافة لمرتيل ولمدن أخرى بالشمال في الصيف لقضاء عطلتهم ،غير أن الواقع الذي لا يمكن التغاضي عنه هو : لا يتردد "البعض" من :المرتيليين و التطوانيين و كل ساكنة الشمال من، إبداء اشمئزازهم! من سكان وسط المغرب  حينما ينكبون عنهم بحدة كبيرة ، بل ليس الإشمئزاز منهم  لمجرد أنهم ينكبون عندهم ، بل دون أن يجنحوا عندهم ، إذ سكان وسط المغرب ، "مجرد داخليين!" في نظرهم  : "إيوا شْنُّو  غانقولّْك والله مخصُّو  هداك غا داخلي عروبي!" ،،،وهنا نؤكد بكل وضوح أن   إبداء الإشمئزاز بالكلام وبلغة الجسد لا ينطبق على الجميع من المرتيليين و سكان الشمال المطلة مدنهم على أوروبا الذين تسيطر على أغلبهم فكرة : "حنا أوروبا" ،لعلها  الفكرة التي تولد "هداك غا داخلي" !...على أنه سيكون مهما أن نقول أن مدن سكان وسط المغرب جزء منهم "أي من مدنهم" لا يعرف التوافد الذي يتوافده الأوروبيون "المتقدمون"على منطقة الشمال و الذي ينتج الإنفتاح على العقلية لسكان هذه ! ..




مدينة مرتيل المغربية ، من أزهى المدن المغربية المنتصبة في عزة في شمال البلاد ، و من أكثر المدن إسعادا للسواح من المغرب و من خارجه ،إنها مدينة تتوفر على ليل صافٍ لا مثيل له ، ليل من أكثر الليالي الدافعة للخيال والتأمل و الإنصات للطبيعة ،و المبددة للأفكار المشوشة من الذهن...إن مرتيل واحدة من المدن الساحرة المُسرة للنفس ، التي ما إن تصلها حتى تتقيد بالقدوم إليها دون إطالة تفكير .. مرتيل : ضوء القمر يلتمع على صفحة البحر بينما تسير وحيدا بشاطئها الخالي ،أفضل  مرتيل هي هذه ..إلخ إلخ...


الصورة : "خ،م" جالس بمقعد بكورنيش "مدينة مرتيل" بشمال المغرب. 






السبت، 11 يوليو 2015

منطقة "تالبرجت" بأكادير الأمازيغية ... الإستعلاء الشديد على العرب !...


خَلدُون المسناوي

تالبرجت بمدينة أكادير الأمازيغية المستقرة بمحاذات إنزكان "تاسوسيت"، مِنطقة تحتضن جوا أنيسا أخاذاً مبهرا بمركز المدينة: الفنادق، المطاعم ، الخمارات ، المقاهي العصرية، حيوية التنزه المتوهجة.. إلخ... وهي منطقة تعج بالمارة بالنهار و بالليل،  قريبة مساحةً من الكورنيش المستدير على المياه المتدفقة في انبساط إلى جانبه ناحية الفنادق الفخمة و الكازينوات الضخمة ... إلخ...

في الكورنيش مع أفول الشمس تتوافد أعداد هامة من الناس إلى المقاهي المقابلة لماء البحر الدالف ناحيته " الكورنيش" ، يأتون إلى هناك ، كأسر ، فرادى، و كأزواج أيضاً.. المقاهي التي هنا تصل إلى خمسة و عشرين درهما لفنجان القهوة ، المكان جميل من ناحية المنظر ، مراكب عصرية متوسطة الحجم تتمايل فوق ماء البحر المنبسط و الناس يروحون و يجيئون من أمامك ... بين المقهى و الأخرى المتدفقة بموائدها و كراسيها لمسافة صوب الخارج ، تتواجد "بوتيكات" عصرية ، بل قل هناك في ناحية من المكان بوتيكات تأتي  الواحد بعد الآخر تعرض أفخم السلع و أغلاها كالثياب آخر الصيحات و الأزياء ، كما أن المكان كذلك يضم فنادقا أربعة نجوم و خمسة نجوم تطل نوافذها على ماء البحر الساطع تحت ضوء المصابيح المتوهجة السطوع إلخ ...


أي شخص آتي من مكان ما ينزل بمحطة الحافلات "المسيرة"  لأكادير يبحث عن فندق ، يقال له القدوم إلى تالبرجت فهي المكان المعروف جزيلا بالمدينة ، بالفنادق الواحد بجانب الآخر .. الحياة  هنا بتالبرجت من الناحية الإقتصادية مكلفة شيئا ما لكنها و الحق يقال ذروة الحياة العصرية ... كل شيء تجده هنا ... على بعد مسافة ضئيلة  من تالبرجت في الطريق نحو الكورنيش ، على يسارك تلمح أدراجا تهبِّط إلى رواق ممتد على مسافة غائرة يرابط إليه رجال بأجسام منتفخة ، إنه رواق تتفرق عليه علب ليلية من مستوى معين كتلك التي تجدها في محج محمد السادس بطنجة، أو بكيليز بمراكش ...إلخ إلخ ... 


بجانب الكورنيش أمام صف من الكازينوات و الفنادق الفخمة ،تمتد ساحة عريضة جدا تسطع على أرضها أنوار متموجة ، يجنح نحوها العديد من الشبان تمر إليها من جانب مسجد ضخم يستقر بتالبرجت يتواجد قرب قنصليتي فرنسا و إسبانيا ...ليس ببعيد عنها كثيرا ، بجانب أسواق السلام الكائن بمنطقتنا تتواجد العديد من محلات التجميل و المساج "الصْبَّا" ..إلخ إلخ ...كما توجد أيضا خلف الكورنيش حجر مربعة مرقمة بالتتابع تعرض أطباق سمك أغادير الشهي ...

نحن الآن نتمشى أمام الملهى الليلي "فلير" بكورنيش أكادير ... كان الليل قد انتصف ،ريح معتدلة تعبث بثيابي ..ما زلت متقدما في السير يداي إلى جيبي سروالي، خصلات مقدم شعري ترتعش إلى جبيني ، المقاهي عن يساري ، بدا لي من بينها، "بار" صغير فقصدته، كنت حاملا بيدي آلة تصوير ،هممتُ للدخول من الباب. أوقفني شاب ضخم الوجه مرابط إلى الباب بابتسامة رقيقة مضيئة  ..كان ينقل بصره بنفاذ و بُطءٍ بين وجهي و كفي المُحكم لآلة التصوير  ..قال : إلى أين بهذه المُصورة ؟ .. قلت و أنا أُزلقها بإحكام داخل الجيب الداخلي للتجاكيطة : نسكب بعض "البيرات" ... قاطعني: و تصور لنا بالمرة كذلك البار ... قلت مومئا برأسي : لاَ لاَ.. ـ قال في جزم مادًا ذراعه نحوي : هات المُصورة ستتركها لدي لِحين أن تخرج ... ـ أسلمتها له بعد تردد خفيف ودخلت...  كانت كل الموائد ممتلئة تقريبا بالرجال بلا غيرهم.. جَذَبَتْ مائدة صغيرة فارغة  إلى يساري أمام نافذة مدثرة بستارة مثنية ممدودة بصري ، فانزويت لها ، رفعت يدي للنادل الذي عرفته من ملبسه .. قال شخص إلى جانبي بصوت يكاد أن يُسمع في البار المُظلم باعتدال المشتمل على غريفة وحيدة طويلة غائرة وكذا عِلية تضم موائد مقلوبة..إلخ  : مرحبا بناس سلا ! .. كان النادل قد وصل إلي ...إلخ إلخ ...  لما خرجت من البار أتذكر أنني فكرت لقرابة دقيقتين في فكرة : " الصوت " بحيث أنني كنت قد فكرتُ مع نفسي حينذاك أن تأثير و تعبير الصوت أعمق مما قد يتصور لأول وهلة ، ... لقد كان صوت ذلك الشخص القائل "مرحبا بناس سلا" يحوي طابع المهاجمة و السخرية، على رغم من كون مضمون ما قيل بهذا الصوت كان ترحيبا! ،،، غريب غريب رهيب جدا! .. إن "الصوت" الآن في هذه اللحظة التي أقطع فيها الطريق من رصيف إلى آخر ناحية تالبرجت يبرق في ذهني ك: "فكرة كبيرة" إلى حد أنني لم أتنبه لعربة تمر من جانبي بسرعة كبيرة ها هو صاحبها ينبهني بالمنبه الصوتي ... أشعلت سجارة دخنتها أثناء سيري بشراهة .. دخلتُ الفندق ثم نِمت. 


بمنطقة تالبرجت المحاذية للكورنيش بأكادير الأمازيغية "تاسوسيت"، الفوارق الإجتماعية جد صارخة.. جدا جدا. فهناك من تجده و من الأمازيغ ، ينال أكثر من عشرون مليون سنتيما في الشهر الواحد و هناك من لا يتجاوز ال500 درهم في الشهر ! أمر رهيب ، نعم ، غياب الطبقة الوسطى ،غياب التوازن ، ليس ذلك بتالبرجت وحدها وإنما بأكادير كلها "حي السلام ـ شاطئ تغزاوت..."   الفوارق الإجتماعية كبيرة.. 

عندما تلتقي ، بأمازيغي "سوسي" بمدينة أكادير أو تزنيت أو قرية ميرلفت أو الدواوير المجاورة  لِ:"سواسة" بأكادير الجميلة و كل المناطق السوسية، ليس هو عندما تلتقي "سوسيا" أمازيغياً بالدار البيضاء أو فاس أو مكناس أو طنجة أو الرباط أو كل المدن إطلاقا.. إن أغلب "سواسة" ولاسيما بأكادير بلد المشاريع العائدة عليهم بالمال الوفير،  و لنقلها صراحة : لهم موقف من الإنسان العربي "  الغنيمة ـ نقد العقل العربي ـ الجابري  " في دواخلهم ، إن كل الأمازيغ "سواسة" بأكادير إذا تكلمت معهم بالدارجة العربية في أكادير ، يتكلمون معك بتحفظ كبير ، بل " وهذا لا يجب أن يقلق أي "سوسي" لأنها الحقيقة تقال نعم ، بل إنهم قد يصلون معك إلى درجة "العنصرية" و الإحتقار الشديد و الكراهية! لدى بعضهم لا كلهم يشيحون عنك أبصارهم،يكشرون وجوههم ...إن الأمازيغ "تاسوسيت ، تاشلحيت ، تاريفيت" بالمغرب الأقصى ، وهو ما لا يعرفه الكثير من العرب ، لا يتفاهمون بين بعضهم البعض في التصورات ، إذ أن ما يوحدهم هو "هاداك عْرْبي" أي هو اختلافهم عن العرب،  و في هذا الإطار لابد أن نقول أن أن التنافر بين "الريفي و الشلح" و العربي ليس هو التنافر القائم بين "السوسي" و العربي .. فالسوسي أكثر استياء ا من العربي .. إن الأمازيغي يفق في الرابعة صباحا و يشتغل أما العربي فيسرق أكثر مما يشتغل! .. إن أمازيغيين كثر "تاسوسيت ، تاشلحيت ، تاريفيت" يبحثون عن الغنائم في الأحزاب و التنظيمات بشكل عام و يتلمقون  في حياتهم كمغاربة! مثلهم مثل العرب.  لكن بخصوص السرقة :  العربي لص أكثر من الأمازيغي "تاسوسيت ، تاشلحيت ، تاريفيت"!.  إن ما يجعل السوسي في المدن الآهلة بالعرب "يستبدل" سلوكه معهم الذي يسلكه في أكادير ،هو التواجد الكبير للعرب! ، إذ هنا يضحي التعايش يفرض نفسه ، ليس كما الحال حينما يكون العرب أقلية قليلة في أكادير التي أغلب من يسكنها "سواسة" ! ..وهو الأمر الذي يمكن أن يقال بشكل معكوس في مستوى معين ، وهو كذلك إن كان في مدينة الأمازيغ أقلية و العرب أكثرية فلا بد من المناوشات .إلخ إلخ... 


منطقة تالبرجت بمدينة أكادير الأمازيغية التي يعشقها الأوروبيون بشكل كبير، منطقة بهية محتضنة لحيوية عيش الأزهى ما يكن ، و كأنك بالكورنيش تتجول في أعتى الأماكن الأوروبية .. لكن الفوارق الإجتماعية الصارخة المكتنفة لها ولأكادير كلها،تُصَيِّر الكلام عن منطقة تالبرجت، عن عدم قبول واقع أكاديريين كثيرين يعيشون في ظل العوز و الفاقة الكبيرين يمرون بجانب أشخاص ينفقون الألوفات بشكل يومي ..أي واقع هذا وكيف ستكون حالة من يحصل 10 دراهم في اليوم عندما سيحدق في شخص من سنه يركب عربة يبلغ ثمنها أكثر من مائة مليون. الإيديلوجيا هنا، ولكن! :  لا بد من التوزان... 


الصورة : "خ،م" متوقف في إحدى الشوارع القريبة من منطقة تالبرجت بأكادير.


الثلاثاء، 23 يونيو 2015

قرية سدّ بين الويدان بأزيلال الأمازيغية...درجةٌ عميقة من التأمل في الطبيعة ! ...






خَلدون المسناوي 

على مسافة 60  كلمترا من مدينة بني ملال و على بعد 35 كلم من مركز أزيلال، تستقر جنة على الأرض إسمها "بين الويدان" . بين الويدان هو عبارة عن سد يغزر بمياه كثيرة تنهمر بين جبال عالية لمسافة معينة ، إذ هو ملتقى وادين اثنين : واد العبيد ، و واد أحنصال . تتشكل ساكنة بين الويدان من 11 "دوار" أمازيغي "تاشلحيت" وهي تعتبر ساكنة بين الويدان منذ سنين من الزمن إلى يومنا هذا، على أنها كذلك الفئة التي من المفترض أن تستفيد من أي حركية اقتصادية تشمل المنطقة ... 



اقتصاد  منطقة "بين الويدان" الذي يستفيد منه ناسها ، يرتكز بالأساس على تربية الماشية "الأبقار،المعز،الجدي..." ثم "الزراعة" تأتي ثانية ،أما النشاط السياحي  فلا يندرج عدا في المرتبة الثالثة وذلك بالقياس إلى حجم استفادة سكان المنطقة منه ، إذ هو  لا يستفيد منه  سكان بين الويدان الأمازيغ عدا بنسبة قليلة، بحيث أن المستفيد من الناحية السياحية ب:بين الويدان، هم أصحاب المشاريع الكبرى المشيدة بها ، أصحاب المركبات السياحية الكبرى الذين لا ينتمون إلى سكان المنطقة.. "المركب السياحى : شمس" و مركبات سياحية ضخمة أخرى  في طور البناء ،إذ أن سكان بين الويدان من الناحية السياحية لا تجدهم سوى مالكين لبعض حوانيت المواد الغذائية و المقاهي التقليدية بمكان  يدعى "السوق"،ومطاعم متوسطة المستَوَى،  و  لشقق مفروشة متواضعة  ،  يؤجرونها للأسر و العائلات والتي غالبا ما تبقى مقفلة بلا طلب عليها عدا في فصل الربيع ... فالقطاع السياحي  إذن لا يرجع بفوائده الإقتصادية على الناس القاطنين ببين الويدان "ال 11 دوار الأمازيغي"، عدا بشيء قليل مما يمكن أن تجلبه حوانيت المواد الغذائية و المقاهي و الشقق المتواضعة تلك التي تحدثنا عنها ، فيما تبقى الفوائد  الإقتصادية الكبرى تعود إلى الفنادق الكبرى " ذات الأربعة نجوم"  الذي يصل  المبيت بها ل 1000 درهم  لليلة ...  إلخ إلخ...



أمال  السائق الذي كان يتحدث طيلة الطريق من بني ملال ،بالأمازيغية  رأسه نحوي داخل عربة الأجرة، و قال وقد بدأت السيارة تتراجع سرعة سيرها : قلتَ  بين الويدان ، لقد وصلنا ، أأتوقف بك هنا أم  بعد اجتياز النفق .. ـ قلتُ مستفهما بنبرة صوتي و بوجهي وأنا لا أعرف عن أي نفق يتكلم : هل توجد هنا مساكن للكراء. كان السائق قد شرع يخفض  سرعة العربة أكثر. بعدها بلحظات أوقف السيارة في قارعة الطريق ، كان الوادي يبدو لامعا عن يميننا تحت ضياء أشعة الشمس المتوسطة سماء فاتحة الإزرقاق . تابع السائق "الكهل" كلامه من فم متساقط الأسنان و بوجه ينم عن التعاطف ممددا ذراعه بشكل مستقيم نحو حجر متفرِّقة على ناحية من منحدر جبلي مخضر على مسافة قرابة مائة متر من العربة  : ــ أرأيت تلك الحُجر ،أدرت وجهي ناحية اتجاه سبابته فلمحت غريفات جميلة نابتة بين شجيرات ..ثم عدت بوجهي إليه ..فقال لتوه : ـ هناك ستجد مساكنا جيدة للتخييم .. شكرته بامتننان ثم صفقت الباب ..إلخ إلخ ... سألتُ في "كِيست هاوس: المكان الذي بعثني له سائق الطاكسي" فلم أجد غرفا لشخص واحد .. سأخرج من هذا التجمع السياحي و سأصعد معروق الجسد  عَقَبة جد متحدرة على جانب الطريق تحت شمس قاسية الإشعاع ... إنني ألمح الآن شابا هابطا في اتجاهي المعاكس ، إنه يقترب،هو بقربي جدا الآن ، نتبادل النظرات ... نطقت : السلام عليكم .  رد : ـ  وعليكم السلام .. ميزت من لسانه الغير المستحكِم   للدارجة المغربية و سحنته أنه أوروبي .. ـ سألته مبتسما بكياسة : هل أنت فرنسي. أجاب : نعم. ثم سألته الإرشاد"استرشدته" عن مسكن للكراء لشخص واحد...إلخ إلخ ... 



عموما، الكراء بمنطقة بين الويدان الأمازيغية ، يتواجد بمنطقة السوق و بالتجمعات السياحية ،على أن الأمر الذي لا يعرفه سوى القليل هو أن ، بين الويدان لم تعرف بحدة كمكان سياحي الروعة فيما يكن و بالتالي فهو من الأماكن التي يحج لها السواح من داخل المغرب و من خارجه ،إلاّ انطلاقا من الست سنوات الأخيرة ، إذ هو الأمر الذي يؤكده أبناء المنطقة بجزم لا سبيل إلى التشكيك فيه، كما أن درجة الجنوح إلى بين الويدان سياحيا ليست في فصل الربيع بالذات وإنما  فصل الصيف ،هو الوقت الذي يأتي فيه السياح أكثر إلى ، هذه الجنة المجسدة على أرض أزيلال ...إلخ إلخ... 



الحديث عن بين الويدان، لا ينحصر فقط على ، الكراء بغرض التخييم و اقتصاد المنطقة، إلخ...بل يجب كذلك الكلام عن أشياء أخرى توجد بهذه المنطقة الخلابة المسرفة في التعبير عن الجمال ..إن منطقة "بين الويدان" تحتضن ممارسات ترفيهية جمة توفرها طبيعة المنطقة الجبلية، و المائية "البحيرة" و... ،الممارسات الترفيهية التي غالبا ما تجد الأوروبيين  من يمارسونها دون غيرهم،ففي بين الويدان ،ففي  بين الويدان : مغامرات التجول في الغابات ،التسلق للأعالي بِالأحجار الصلبة ،الركوب على المراكب السياحية، الجي تسكي..إلخ... التجول في قلب "الغابات" يقوده شخص  من أبناء المنطقة مع عدد محدد من السياح، هذا الشخص الذي يجب أن يكون عالما بخفاياها أي "الغابات الجبلية" و الطرق المتخللة لها ...هذا العمل يُمسي من حق أي شخص قاطن بالمنطقة تحت شروط من خلال رخصة يحصل عليها من عمالة أزيلال ..إلخ...و بالنسبة للمراكب السياحية فهي على الأنواع ،إذ توجد هناك مراكب خشبية صغيرة و أخرى هي الأخرى صغيرة ،تنفخ بالهواء "زودياك" ، يعتمدها أبناء المنطقة في جلب لقمة العيش ،بحيث يعرضون على السياح جولات على مسافة من وادي بين الويدان بمبالغ معينة...إلخ...


منطقة وادي سد "بين الويدان" بإقليم أزيلال الأمازيغي "تاشلحيت" ،جمالٌ  خاص جدا, باهرٌ أخّاذٌ يأسر العين و القلب و لب الزائر ،و وجهة  غاية اللطف والسلام والحب و السكينة و الإستمتاع بمناظر بهية  منتهى البهاء... إن منطقة بين الويدان الآسرة تنمي الخيال و تعمق الإحساس و تغذيه بالشعر وبالعاطفة ،إنها تنأى بِكَ عن هموم الحياة و  وتفاهاتها، لاسيما إذا كنت تعيش في مجتمعٍ مغربيٍ  عليل تعيس مليء بالنفاق و الكره!!، "مُجتمع وْجُوهْ الشّْرعْ!!!" ..إن منطقة وادي سد "بين الويدان" بإقليم أزيلال الأمازيغي هي تلك الجنة على الأرض، التي تعمق إنسانيتك و التي تعلمك شيئا أرقى من الوجاهة،والمنزلة السياسية و العلاقات و الإنزواء للخمارات ،و مداومة العلب الليلية، و لذة الكِبر ! ماذا إذن تعلمك ؟ وَاوْ!  التأمل في الطبيعة ! ... 


الصورة : وادي "بين الويدان" بأزيلال. 




الاثنين، 22 يونيو 2015

قرية "أوزود" الأمازيغية بإقليم أزيلال ... أبهى و أجمل الشلالات الموجودة في العالم...




خَلدُون المسناوي 

في الطريق المؤدية من أزيلال "تاشلحيت" إلى مراكش من خلال دمنات ، تتفرع طريق متعرجة عن يمينك "تصل مسافتها إلى 16 كلم" تحيط بها الجبال السامقة ، بعد قطعك لها تصل إلى قرية من أبهى  القرى في العالم! ،إنها قرية أوزود .. مثلها مثل أزيلال في أن منازل قميئة قبل بلوغها تنبثق لك في الأعالي ... حوانيت و مطاعم وأكشاك تأتي بالقرب من محطة الطاكسيات ، المطاعم تَعرض أطباقا في الهواء الطلق بالقرب من مناظر الأشجار و العشب .. تتجاوز ببعض الأمتار قليلا هذه المطاعم التي غالبا ما تكون ممتلئة عن آخرها لاسيما بالسواح الأوروبيين ، فإذا بشلال أوزود يخطف سمعك أول مايفعل ،،، الشلال  عبارة عن وهدة عميقة سحيقة تنسكب منها مياه وادي إيغبولا بدرجة دفع قوية ، الوهدة التي ينتشر بها من أعلاها إلى أسفلها الإخضرار ...إلخ...



توقفت قليلا بينما أطل من فوق إلى الأسفل ،، رهيب رهيب الإطلال من هنا.. الحفرة سحيقة جدا والمياه تتدفق بقوة . بقوة،، تقدمت من ناحية الطريق الغابوية المنزلة إلى التحت، بحيث مررت في منحدر متحدِّر باحتراس شديد نزلت فيه من الأعلى إلى التحت ... في الطريق التقيت مرشدا سياحيا مغربيا يتقدم أزيد من عشرة سواح  جميعهم ينزلون محترسين في الطريق المتربة المتخَللة بالأجذع الملتوية الفظة،لقد استمررت في المشي في هبطة وعرة بتحدر كبير إلى أن وصلت أخيرا إلى الوادي ... إذ هاهي المياه أمامي منبسطةٌ ،،،وضعت قدمي على جسر خشبي مرتفع بأقل من نصف متر عن الماء   و سرت عليه لمسافة قليلة بحيث انتقلت للجهة الأخرى ،رفعت رأسي للفوق للمرتفع الذي كنت قبل قليل أطل منه ،أوووه! ،سيلان الماء من فوق إلى التحت على مسافة قرابة ثلاثون مترا من الإرتفاع يُحدِث صوتا مسترسلا صوتا مدويا قويا يحيل إلى معنى الإقدام و التحدي..المياه المنبسطة أمام، بصري :على شاكلة مسبح ، الشباب الآتون إلى هنا يتمردون على اليافطة المكتوب عليها :"ممنوع السباحة" ، و يسبحون في مسبح الشلال هذا.. بحيث يعتلون صخرات ضخمة بجانب المسبح و يرتمون منها.. إلخ إلخ... و هاهي أجنبيتان تنضوان أمامي ثيابهما و تلبثان بالمايوه،،إلخ،،،ثم تصعدان على صخرة بتأنٍ مُسرف ثم ترتميان إلى الماء ..:شَاخ... 



الأجانب المتدفقين على شلالات أوزود ليسوا  من أوروبا فقط بل حتى من القارات الأخرى ، الجميع هنا من الأجانب و من زوار أوزود المغاربة ، تجده يلتقط الصور الفوتوغرافية بالهواتف النقالة والمصورات المتطورة ، للشلال لوحده ثم لهم متوقفين بجوار الشلال ...شبان أمازيغ من أبناء المنطقة، يتسلقون ناحية الوهدة الناظرة للشلال ثم يرتمون نحو الأسفل ، في منظر مُبهر .. شبان آخرون يبدو عليهم من خارج منطقة أوزود ينصبون خيمة بدقهم لأوتاد على الأرض بزوايا الخيمة بينما كنت مستلق عاري النصف الفوقي على  ظهري واضعا حقيبة السفر بجانبي أتأمل تدفق مياه الشلال من أعلى مشهدا وخريرا...



بشلالات أوزود التي ذكرتني حينما وقفت قدامها ،بمنطقة "بارادايز فالي" المحاذية لأكادير،تجتذب نظرك مراكب صغيرة مصنوعة بشكل عجيب مخصصة للتجول بالزوار لمسافة معينة على الوادي "الذي يبدو من خلال النظر إليه أخضر اللون"  ، المراكب هذه ظهورها مُدثرة بثوب سميك أخضر  ، و هي بشكل أساسي عبارة عن صفائح خشبية مثبتة بإحكام على براميل بلاستيكية متمكنة من رفع أحمال ثقيلة ..كل مركب يتشكل من حوالي إثناعشر برميل كبير، و "كنبات" منمقة و مزوقة بورود اصطناعية في أطرافها ،و مغلفة بأثواب كستنائية ، فيما هناك صنف آخر من المقاعد المثبتة على المراكب هاته ، منسوج من القصب بشكل يزهو البصر ، لحظة لحظة! ، الآن خمسة نساء يتقدمن  من شاب مضطجع على مركب يتمايل على الماء الذي يتهدهد الآن بجواري  و يبدو مؤكدا أنهن يطلبن منه تجوله بهن عبر المركب ،إنهن الآن يركبن جذلات الوجوه على المقاعد تلك وهاهي أذرع ذاك الشاب تنتفخ قوة جراء تدويره للمجدفين في الماء بشكل يجعل المركب يتحرّك.. إلخ إلخ ... 

أتذكر عندما كنت في أوزود :

 أمهات و أباء مع أطفالهم  يسبحون بقربهم في ناحية المياه الوتيرة الإرتفاع على مرأى من ذويهم ...يافعون يرشقون فيما يُظنّ رفيقهم المحشو في حفرة هناك في الأعلى في منظر مرح،رفيقهم الذي سيرتمي بعد قليل صارخا بأعلى صوته هِيييييه ... شاخ،كذلك شبان عرايا النصف الأعلى صعدوا لتوهم من الماء، يضطجعون على ظهورهم على صخرات   تاركين سهام الشمس تسلخ صدورهم المبللة ،و آخرون يجلسون إلى ظل صخرات و شجيرات يستمتعون بنسيم الظلال ..إلخ إلخ...

أتذكر أيضاً : ...

طيورٌ  في علاء الشلال ،ناشِرةً أجْنِحَتَهَا، تحوم  في الهواء جيئةً و ذهاباً، تشع على المكان جمالاً خاصاً .. و بالقرب من الشلال على مسافة قريبة ، ينتشر في الأثير نسيم  ثقيل حامل لدقائق ماء صغيرة باردة تنبجس عن اصطدام المياه "التي تنزل مقوسة" من علو مرتفع نحو الأسفل أي نحو المسبح المتشكل تلقائيا من انهمال أقواس المياه الناصعة البياض ...

نساء يعرضن خدمة "النقش بالحناء" على الأذرع و الأكف تحت مظلات مشرعَات إلى نهايتها ...

أنني كنت قد شاهدت شبانا يطهون طجينا فوق نار مشتعلة .. 

أنني لمحت حبالا سميكة ينشر عليها الشبان ثيابهم المبللة لتُنشف تحت سهام الشمس..


أنني كنت قد رأيت "قوس قزح" فوق شبان و يافعين يخبطون وهم يسبحون بأذرعهم و أقدامهم في مياه المسبح الدائمة الإرتجاف..

إلخ ...

بقرية أوزود ذات الصيت العالمي، هناك عدة تجمعات سياحية و شقق مفروشة  للكراء ، يأوي إليها الزوار من كل صوب و حدب ،إلا أن ليس هناك فقط بالقرية ذاتها لمن يريد المجيء إليها للتخييم ،هذه التجمعات السياحية و الشقق المفروشة فحسب ، بل إن هناك كذلك ، ساحات فارغة تكترى للراغبين في قضاء عطلة داخل الخيام التي يأتون بها بجوار الشلال ذاته وهي الساحات المجهزة بالدش و المراحيض...إلخ إلخ ... 



بأوزود ،هناك مطاعم و مقاهي تقدم الطاجين على الأنواع لاسيما ،طجين : "المعزي" نوع الماشية المنتشر كثيرا بإقليم أزيلال .. بالنسبة للمقاهي فهي تتواجد في الأسفل قرب مسبح الشلال ، و هي عبارة عن مقاهي مصنوعة جدرانها وسقوفها من "القصب" بشكل متداخل مرتب جميل يثير بصر الزبائن. كؤوس القهوة و الشاي تُحضَّر بطرق تقليدية ،بحيث أن هذه المقاهي لا تتوفر على المعدات العصرية، كما أن الموائد التي تُوضع عليها طلبات المشروبات مهترئة  ...إلخ إلخ... أما بالنسبة للمطاعم فهي تتواجد في الطابقين الثاني و الثالث و الرابع إذا كنت أتذكر جيدا، هذه المطاعم تلجها من خلال صعودك الأدراج المطلعة من قرب مسبح الشلال إلى الفوق نهاية الطوابق، قبل مغادرتك الشلالات ... على أن هناك منشأة سياحية ضخمة هناك في أعلى مرتفع في أرض أوزود تطل على الشلال من فوق،  في طور البناء ، و ذلك في إطار التطوير الذي تعرفه منطقة أوزود الأيام الأخيرة ... أثناء الصعود على أدراج السلم المُصعد من تحت إلى فوق، و الذي يرهق في العادة، الصعود حتى منتهاه ، تتلفت إلى محلات عدة، تعرض الثياب الأمازيغية و مستلزمات المنازل ذات الطابع الأمازيغي"تشلحيت" ..إلخ... 


شلالات أوزود "الأمازيغية" بإقليم أزيلال ، من أروع و أبهى و أجمل الشلالات و المناظر الطبيعية الموجودة في العالم بأسره، و كذا الجاذب الأساسي إلى جانب "سد بين الويدان"، للسواح  بالنسبة لمنطقة أزيلال الأمازيغية الشامخة بجبالها "تشلحيت" ... لكنها على الرغم من كل التجهيزات المتواجدة بقريتها إلى حدود اليوم ،  ما زالت لنقُل، تفتقر إلى التجهيزات العتيدة التي تستحقها كمكان برّاق جدير بالإهتمام البالغ و الجدي ، الزائد على ما يعبر عنه الوضع التجهيزي بأوزود ـ اليوم... إن أوزود ضحية الحسابات السياسية الضيقة التي للأسف تُرتهن فيها ثروة طبيعية لا نظير ولا مثيل لها "أي أوزود" ، الحسابات السياسية الإنتخابوية التي تُجمد التوافد السياحي لها، الذي مهما قيل يبقى ضعيفا مقارنة بالقيمة الطبيعية لأوزود ، هذا دونما الحديث طبعا عن المشاكل الجمة التي يعيشها سكان القرية منذ سنين ..إلخ إلخ ...



الصورة : شلالات أوزود بأزيلال .